إعلانات
من القنباز الى الجاكيت و البنطلون ..تطور لباس الرجال في سورية
الاربعاء - 25 أيار - 2011 - 18:41 بتوقيت دمشق
التفاصيل

في عام 1938 كتب رينه تريس مقالا في مجلة الحديث الحلبية تناول فيه مراحل الانتقال من اللباس المحلي الى اللباس الغربي في سوريا قال فيه :

اذا قرأنا ما كتبه السائحون عن الشرق و اطلعنا على المراسلات القنصلية نجد أن اللباس السوري مر في تطوره  بعدة مراحل  :

المرحلة الاولى حتى  عام 1832 م  كان الأجنبي المقيم في البلاد السورية أو المارّ بها مجبر على ارتداء الثوب المحلي السوري ( القنباز ) .

وخلال المرحلة الثانية من عام 1832 حتى 1859 م كان الموظفون فقط يرتدون الثوب الإفرنجي ( جاكيت و بنطلون ) لأن الحكومة كانت تؤيده ولكنه بقي مرفوضاً من قبل الاهلين .

موظف عثماني حلبي رفيع الرتبة

و في الفترة ما بين  1860 – 1870 م لقي اللباس الافرنجي  قبولاً من جراء الحركة الإصلاحية التركية .

و أخيراً بدأ الناس يهملون الثوب الأهلي ( القنباز ) الذي بقي محصوراً في فئة من الناس كالفلاحين و العطارين و الصناع.

القنباز

و بذلك يكون الانتقال من اللباس المحلي ( القنباز ) الى (الجاكيت و البنطلون) قد تم تدريجيا خلال مائة عام و استمر بالانتشار خلال بدايات القرن العشرين  .

الوجيه الحلبي المسيحي شكري عرقتنجي

اللباس العثماني الرسمي

إن السائحين في أوائل القرن التاسع عشر لاحظوا الفرق بين الثياب في   البلاد العثمانية وثياب الإفرنج في ذلك الوقت و قارنوا بين سعة الأولى و حمرتها و اختلافاتها ، و ضيق الثانية ووحدة أنماطها .

وكان  العثمانيون يسمون الإفرنج قروداً بلا ذنب استهزاء بمنظر ثيابهم التي كانت لا تستر بعض أجزاء الجسم ، تلك الأجزاء التي اعتاد الشرقيون سترها .

إلا أن هذا الحال لم يستمر ، فبالرغم من غرابة الثوب الإفرنجي فقد جاز ارتداؤه في استانبول وفي المرافئ الكبيرة من البلاد العثمانية .

أما في المدن الداخلية و خاصة دمشق ، فكان الخاصة حتى سنة 1832 م ينحون باللائمة و الشتيمة على من يلبسه .

وكذلك في بعض المرافئ الخاصة الصغيرة قد بقي القناصل محتفظين بالثوب الأهلي المحلي ( القنباز ) .


و الذين كانوا بدورهم أيضاً مضطرين لارتداء اللباس المحلي ( القنباز ) هم:

1-   السائحون الذين يمرون في البلدان السورية و الفلسطينية و ذلك بقصد الابتعاد عن شتائم الأهالي و احتقارهم .

2-  العاملون في القناصل الافرنسية و في المتاجر الصغيرة الخاصة الفرنسية .

3-الإرساليات الكاثوليكية ا لآتية إلى سورية منذ سنة 1827 حتى سنة 1831 م.

ولكن التطور الطارئ على اللباس لم يبق كالسابق محصوراً في نطاق استانبول و المرافئ الكبرى فقد اهتمت به الحكومة و كان لها أثر في توسيع دائرة انتشاره.

جاكيت فرنجي و قنباز

وكان البادئ في هذا العمل محمد علي باشا المصري فقد أبدل الألبسة العسكرية و الملكية فتحولت إلى شكل بسيط، و بينما كانت الألبسة التركية واسعة أصبحت مؤلفة من رداء علوي مختصر Bolero و سروال ، و كذلك بدل غطاء الرأس التركي ( القلبق ) بالطربوش .

طقم فرنجي و طربوش

و منذ ذلك الحين أخذ السلطان العثماني  يقلد محمد علي باشا في هذا الأمر فأصدر حوالي سنة 1829 – 1831 م فرماناً بتعميم اللباس الأوربي بين الموظفين و لبس – الردانكوت الافرنجي الطويل – وهذا التطور لم يحدث دون إثارة الغضب و الاستياء و المقاومة لدى الأفراد .

وقد شجع هذه الحركة الإصلاحية دخول إبراهيم باشا إلى سورية سنة 1832 – 1840م فكان المصريون إذ ذاك يهزؤون بالسوريين و ينظرون إليهم كمتأخرين و كان من أمرهم أن فرضوا عليهم احترام الشخص الأوربي و لباسه حتى في دمشق .

و كان شريف باشا حاكم دمشق المصري من محبي اللباس الغربي و لذا كان يستخف بعقلية الشعب و يلوم الإفرنج حينما كانوا يزورنه باللباس التركي و يقول لهم يجب أن يعلم الشعب التركي أن الزمان تغير و تحول .

الشروال بقي للباعة الجوالين 

و في سنة 1832 م لما دعي القنصل الانكليزي لزيارة دمشق دخل ديوان الحاكم بألبسة بلاده و كانت زيارته هذه بالألبسة المذكورة مفاجأة غير منتظرة .

لكن مساعي المصريين لتبديل شكل اللباس لم تنجح بسرعة فالألبسة الأوربية لم يكن لها أقل تأثير على نمط الألبسة السورية في الداخل مدة أربعين سنة لأن الأفراد أرغموا على ارتدائها إرغاما ، و في سنة 1829 م لم يكن هناك خياط بدمشق ليخيط الألبسة الغربية .

وفي سنة 1841 خرج المصريين عاد الأتراك لسورية دون أن يغيروا شيئاً في الأمور إلا أن الأوربيين بقوا أحرارا في ارتداء ألبستهم الوطنية .

و قد لبس (( جه رار دونه ر فال )) ثيابه نفسها في تركيا لما زارها ، وصار محافظو القنصليات أحراراً بأزيائهم يلبسون الثوب الأوربي كالغربيين.

ولكن في المدن الداخلية بقي الثوب الأوربي ممقوتاً وعم استعمال الثوب الإفرنجي شيئاً فشيئاً في الساحل و بقي منبوذاً في الداخل خلال زمن طويل .

إلا أن الحالة تبدلت حينما سهلت المواصلات بين الداخل و الخارج ، ودخل السوريون في الجيش و الوظائف الإدارية التركية و الرسمية العامة ، و ذهب أبناء الأغنياء و الوجوه إلى استانبول قصد الدراسة .

فانتشر الثوب الغربي و أصبح علامة الرقي و الثقافة، و انتهى دوره في الأوساط الشعبية تحت تأثير هذه العوامل .

وفي سنة 1894 م دهش لوتي Lote من رؤية ذلك العدد الكبير من الألبسة الأوربية في شوارع دمشق .

طقم فرنجي ( خصر عالي )

و في خلال الحرب العامة ( العالمية الاولى )، التي حالت دون تماس أوربا بسورية، انتعش اللباس الأهلي القديم و تراجعت حركة إصلاح اللباس إلى الوراء ولكن هذا  التقهقر انتهى بانتهاء الحرب .

لباس شعبي و اوربي معا

و منذ الهدنة التي تلت الحرب العالمية الاولى لقي الثوب الإفرنجي نجاحاً باهراً وقد انتشر في الأوساط الاجتماعية  خلال 15 سنة حتى صار معروفاً في صفوف العطارين و العمال و سائقي السيارات .

طقم فرنجي ( آخر موضة )

وقد منع دخول الطالب إلى المدرسة بثيابه العادية (القمباز) و صار اللباس الرسمي إجباراً على طلاب المعاهد الحكومية .

ملابس طلاب مدرسة  المكتب السلطاني ( المأمون الحلبية ) مطلع القرن

و في العشرينات من القرن العشرين تكونت فكرة جديدة في المدن فحواها الاستهزاء بالألبسة الأهلية، وبقي العمال اليدويون وحدهم يحافظون على الشروال و الملتان .

شروال و جاكيت فرنجي

أما الفقراء المعوزين فقد كانوا يلبسون ما تيسر لهم من الألبسة العتيقة المخلوطة من الشرقي و الغربي ( القسم العلوي مثلاً ــ جاكيت إفرنجي و القسم السفلي شروال شرقي ) ومع ذلك ففي   الثلاثينيات أصبحت الألبسة الأوربية أقل ثمناً من الألبسة الأهلية و عم بيعها.

سترة فرنجية و قنباز

وكان للسينما فضل كبير في تقدم هذه الحركة تجاه اللباس الاوربي ،فانتشرت بتأثيرها الأزياء الحديثة من أوربية و أمريكية ، واتجه الشباب إلى إتباعها في كل سنة بحسب تطورها .

 

ولو أن ذلك السائح الانكليزي الذي فتش عبثاً في سنة 1839 عن خياط دمشقي قادر على صنع سروال أوربي زار دمشق في الخمسينات لوجد فيها عدداً كبيراً من الخياطين المجهزين بشهادات أوربية ولحار في انتخاب أحدهم و ترجيحه على الآخر .

المرحوم سعد الله الجابري يرتدي ارقى الازياء الاوربية

بل قد تقدمت الخياطة فيها بحيث لم يعد يكتفي الخياط بتعلم مهنته من معلمه بل يذهب إذا أمكنه ذلك إلى المدارس العامة و معاهد الخياطة  الاجنبية ليتقن صنعته هناك بقليل من الشهور .

- الصور من ارشيفي الخاص.

المحامي علاء السيد -عكس السير

مواضيع متعلقة :

العمامة ثم الطربوش ثم البرنيطة ..تطور غطاء الرأس في بلادنا


التعليقات :
واو
(0)   (0)
واو ما كان عندهم بوكسر يالا العار ............! للاسف هذا ما تسمعه اليوم
طارق
(0)   (0)
مشكور استاذ علاء ولكن اتذكر في مسلسل نهاية رجل شجاع انه في حقبة معينة أتصور الثلاثينات انتشرت القبعات "الشابو" وأيضاً يا ريت تتكلم عن لباس النساء وتطوره أيضاً .. ولماذا الى الان في الريف يلبسون اللباس العربي؟؟ هل هو الفقر أم لم يصلهم التطور؟؟أم ماذا؟؟ وشكراً
حلبي اصلي
(1)   (0)
اللي بدو يعرف الاناقة وخياطة الطقوم الرجالية الفاخرة يترحم على كبير خياطين حلب (المرحوم الحاج توفيق مواصلي )
michel
(0)   (0)
un grand merci monsieur sayed pour votre article et surtout pour la belle photo de mon père gabriel (avec un enfant à côté) que je viens de découvrir avec plaisir, merci encore et à bientôt
abdullah Syrian expat
(0)   (0)
Thanks Alaa for your efforts towrds Aleppo heritage.
عرب
(0)   (0)
هي هيا الحضاره .. إنسلاخ عن الهوية ..!
علاء
(0)   (0)
ملاحظين كيف كان لباس المدرسة؟ كان أكابر , و من بعده أصبح لبس المدرسة يصبح شرشوح شيئا" فشيئا" حتى جاءت المدارس الخاصة الآن لتعيد ل اللباس المدرسي رونقه قليلا"
زعرور
(0)   (0)
هالايام مو بس من برى صرنا افرنجيين ويا ريت اقتصر الامر على الشكل الخارجي هالايام حتى لو بتفصفص السوري بيضل صعب تعرف معدنو
واذا بدك تحكي عن بنات هالايام ايه الافضل تحكي عن الظاهر مع كل تعقيداتو لانو اذا حاولت تشرح او ترجم ولو شوي عن عقل او طريقة تفكير البنات اذ غربية او شرقية او شو دينها ايه صدقني او كمبيوتري لح يمرض والناس لح تمرض واللي اخترع الانترنت لح يمرض هاد اذا ما مرض بعد ما شاف البشر شو عم بيساوا بهالانترنت....ايه وسيرة وخود البينسى وفكني بقى
حلبي
(0)   (0)
مدرسة المامون من المدارس الرائعة في مدينة حلب وكانت مدرستي بالثانوي ..الان اصبحت خارج الخدمة واصبحت تابعة لمديرية الاثار ..تاريخ عظيم ومشرف لهذه المدرسة
محمد
(0)   (0)
والله نيالهن على البساطة اللي عاشوها! وتضرب المدنية يلي عم نعيشها!
أضف تعليقك :
الاسم : *
التعليق : *
Keyboard لوحة مفاتيح عربية
ضع الكود الموجود بالصورة : *

مقالات أخرى من " ع البال "

24-1-2015
" برغر كينغ " ترفض تعويض الطفل السوري الذي ضربه أحد مدرائها في اسطنبول .. و الأخير يحاول إسكات والد الضحية بـ 100 ليرة !
رفضت الشركة التي تمتلك ترخيص سلسلة مطاعم "بيرغر كينغ" في تركيا تعويض الطفل السوري الذي تعرض للضرب على ...


15-4-2013
بعد ظهوره في "أراب آيدول".. صفحة إخبارية "مخابراتية" تهدد عائلة الفنان عبد الكريم حمدان
  نشرت صفحة إخبارية مؤيدة للنظام السوري على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" منشوراً هدّدت فيه الفنان عبد الكريم ...


7-6-2012
عرض أول جهاز أنتجته شركة أبل للبيع
أعلنت دار "Sotheby" للمزادات عن نيتها طرح أول جهاز كمبيوتر أنتجته شركة أبل للبيع في مزاد يُقام في ...


3-11-2011
حديقة العزيزية (مرعي باشا الملاّح) والحديقة العامة بحلب
تمهيد: إنّ التقرير الذي قدّمه الى المجلس البلدي بحلب المهندس الاستشاري شارل غودار، عضو المجلس البلدي ومدير سكة حديد ...


28-9-2011
زقاق الأربعين ووثيقة آل دلاّل و الشاعر جبرائيل دلال (1836 – 1892) من أوائل شهداء الحرية
في محاولة لربط الزمان بالمكان وبالحدث الذي يفعّله الإنسان سنحاول ان ننقل خطواتنا في النصف الثاني من القرن ...


18-8-2011
سر البيلون الحلبي
كتب المرحوم الدكتور عبد الرحمن الكيالي مقالة في مجلة الحديث الحلبية تساءل فيها : هل كلمة ( بيلون) ...


13-8-2011
صناعة صابون الغار في حلب تلفظ أنفاسها الأخيرة
في عام 1999 ظهرت المواصفة القياسية السورية لصابون الغار ، التي حددت نسبة زيت المطراف فيه بخمسين بالمئة ...


10-8-2011
عيدو السواس و عيدو التنكجي مؤسسا فرقة نجمة سورية أول فرقة مسرحية بحلب
نشر الاستاذ  أحمد نهاد الفرا مقالة مطولة في مجلة العمران  (التي كانت تصدر عن وزارة البلديات فترة الوحدة ...