إعلانات
حدثوني عن المحاكم ..بقلم المحامي علاء السيد
الاحد - 10 نيسان - 2011 - 10:33 بتوقيت دمشق
التفاصيل


حدثنا عيسى بن هشام انه في بلدٍ لا يكون إلا في الأحلام حتى لا يلاحقنا أحدٌ من أولاد اللئام :

رأى فيما يرى النائم ، أنه كان متوجهاً مع صاحبه الى إحدى المحاكم ، و شاهدَ باطلاً  يُذكر و حقاً  يُنكر ، و شاهداً يتردد و شرطياً يتهدد ، و حاجباً يستبد و محامياً يستعد .

فإذا به قد ارتج المكان و تماوج الزحام ، و أقبل القاضي في طريقه ماضي ، فتى من اجمل الفتيان قد أرسل لحيته قبل الآوان ، كأنه طائرٌ في مشيته  من نشاطه و خفته .

فقال لي صاحبي : من هذا الأمير و الكل وراءه يسير ؟

فقلت له : هو من حاز الشهادة فاستحق النيابة .

فقال لي : نِعم المنزلةَ عند الله الشهادة، فأصحابها أهل الريادة ، و لها في الجنة أعلى الدرجات، و لكن كيف يكون شهيداً و هو على قيد الحياة ؟؟؟.

فقلت له : هذه الشهادة ليست شهادة الجهاد ، بل هي ورقة يتلقاها من العباد ، و القاعدة عندنا ( ان الشهادة بلا علم ، خير من العلم بلا شهادة)  .

تزاحم الناس على بابه و الكل يطلب حسن مآبه.

و اذ بشابين رشيقين ، في قدهما رقيقين ، قد اقبلا يتبختران ، أحدهما يشق الهواءَ بعصاه و الثاني تلعب بالمسبحة يداه ..

فشخصت إليهما الأنظار و تحولت نحوهما الأبصار ، دفع بالناس الحاجب حتى يصلا الى حضرة النائب ،فقام لهما من مجلسه و أمر الناس بالانصراف من حضرته ، و طويت المحاضر و رفعت المحابر .

فقال لي صاحبي : هل هما مفتشان و على القاضي أميران ...

فقلت له : ما أظنهما إلا زائران ...و للوساطةِ هما طالبان ...

أردت أن أعرف خبرهما و أقوم بكشف أمرهما ، فاستمعت إلى حديثهما يقولان للقاضي :

هل تُلهي الدعاوي الإنسان عن مجالسة الإخوان ، و غيرك لا تستغرق منه قضايا اليوم أكثرَ من ساعة، و لا يحتاج لا الى نظارة ولا إلى سماعة ؟؟

فلا تضيع الزمان و هيا بنا الى منادمة الخلان .

و الكاتب عندك يكفي و هو في العدالة يوفي ، و سيذهب معنا المحامي فلان لكي يقوم بدفع ما ليس بالحسبان .

فسألني صاحبي مستغربا : و كيف يميل من هو قاضي الى مجالسةِ واسطةِ هذا المحامي .

فقلت له :ألم تعلم ان أمنية المحامي أن يكون مصاحبا لكل من هو قاضي ، لعله يصل بواسطة القضاء إلى أعالي الفضاء ، و إن كلفه ذلك ما كلفه و خرج منه ما أسلفه  .

و اعلم يا صاحبي أن المحامي الشاطر يكون صديقا للناظر ، و جليساً للمستشار و نديماً للقاضي المختار ،كي يُدير الدعوى كما يرغب و لا يعنيه حقٌ يُطلب .

فيعاقب من يشاء و يبرىء من يشاء، و ما أعضاء المحاكم إلا طوع إشارته و رهنُ كلمته ، فلا حكمًا إلا بقوله و لا قضاء إلا بأمره .

يجتمع معهم في السهر و السمر ، يشاربهم و يؤاكلهم و يمازحهم  ، و كل طلب له يجاب و لو كان من فوق السحاب ، و ليس لأمره من راد ، و كل ذلك بحسب المزاد .

أجابهم القاضي :  انتظرا حتى انهي هذه الدعوى و اقضي فيها بما يكون للناس نعوة .

و جاء الشاهد ...

فسأله القاضي عما يعلمه عن هذه الواقعة ..من مشاهد ...

فأجابه الشاهد : إن للحادثة قصة عجيبة ....

فقاطعه القاضي : لا لزوم  للاحاديث الغريبة  ...و قل لي معلوماتك الرهيبة  ...

فأجابه الشاهد : معلوماتي هي أنني .....

قاطعه القاضي مستثقلا : لا لزوم لكثرة الكلام ...و اجبني عما سألتك في هذا المقام ..

فأجابه الشاهد : هذا ما افعله ...و إنني قد رأيت .....

فقال القاضي متململا : قلت لك إنني لا اقبل التطويل و الشرح ... انصرف فلا فائدة من هذا الطرح  ..

و ليتفضل محامي الدفاع مع الاختصار ...

و تنحنح المحامي باحتضار و قلب في أوراقه قائلا : إننا نتعجب من هذا الاتهام ..

فقاطعه القاضي مشمئزا : اختصر يا حضرة المحامي الهمام...و ادخل في الموضوع ...و باشر في الشروع..

فقال المحامي متعلثماً مضطرباً : ان هذا المتهم ....

فقاطعه القاضي نافذاً صبره : قلنا لك اختصر ...

فقال المحامي و هو يتصبب عرقا : لما كان المتهم...

فضرب القاضي بيده على الطاولة قائلا : المحكمة تنورت .......و القناعات ترسخت  ...

فقال المحامي ساخطاً : نلتمس البراءة.. و الرحمة ..

ونطق القاضي بالحكم فاذا هو ...الحبس و الغرم ....

و طمأن المحامي موكله انه بالاستئناف سينالُ كُل حقٍ له ، و طلب من موكله تقديم عريضة للتفتيش حتى و لو طلعت على مافيش .

فقال له موكله:  قدمها عني عسى يكون فيها فرج همي ..

فأجابه أنه لا يستطيع تقديمها بنفسه ، فإن علم القاضي بسعيه انصرف همه الى دعسه ، و تعمد في المستقبل أذاه بسببِ ما اقترفت يداه .

و آن أوان الإستئناف ، فسار المحكوم في طلب العدل و الإنصاف .

 و سئل عن رئيس المحكمة ، فأجابوه :

إنه كهل عاكف على العبادة ،نطقه أبداً استغفار و شهادة ،  يمسي ليله قائماً و يصبح نهاره صائماً ، بين السبحة و أصابعه عهدٌ و ميثاق و بين السجادة و جبهته ارتباطٌ و التصاق .

فنطق الرئيس بعد المداولة و المحاولة ...... براءة ....

و صاح المحكوم : لا أنكر ان العدل محتوم ، و لكنه بطيء لا يحمل عبأه البريء ، و الأجدى أن تكون هذه النهاية هي الحكم منذ البداية ، فلا يلحق بي الهوان و الصِغار و يقع بي الحبس و العار ، بعد أن وقفت موقف التهمة و الإجرام ، و حل بي ما حل من  الإيلام .

 

- بتصرف عن كتاب (حديث عيسى بن هشام )منشورات مطبعة السعادة عام 1923 ميلادية.

                   

 عكس السير   

 

 


التعليقات :
متابع
(0)   (0)
العبرة في العدل يا أستاذ علاء ليس في تطبيقه فقط وانما بالأشخاص القائمين عليه وأقصد هنا السادة القضاة
استاذ علاء
(0)   (0)
مشكور دائما تتحفنا بما هو نادر
فجر نيسان
(0)   (0)
شكرا شكرا استاذ علاء دائما مواضيعك مميزة الله يوفقك
أبو حمود
(0)   (0)
ما رأيك بقاضي (مستشار) تجرأت مالكة المنزل وطلبت منه التفاهم على زيادة الأجرة بدلاً من إقامة دعوى تخمين فأجابها أنا ! ؟ تقام ضدي دعوى تخمين !!!
والله لأعمله (أي المنزل) وقف . بدون ذكر أسماء خشية التشهير .
فإلى متى؟!!!
يامن
(0)   (0)
مقال مميز مشكور عليه يلامس الواقع
ماهر
(1)   (0)
استاذ علاء

وكما قيل لتشرشل الفساد عم البلد فقال هل وصل الى القضاء فقالو له لا فاجاب انكلترا بخير
ولك الشكر
مالو علاقة
(1)   (0)
شكرا لك على المقال الجميل المميز لأنه يصور شخصيات القضاة ولو كان النوع الأول أقل بكثير من النوع الثاني حاليا لكنه موجود وأتمنى أن يتم اختيار الأشخاص المناسبين للقضاء السلطة الثالثة في دستور الدولة وبالتالي يتم منع أي شخص لا يتمتع بصفات القاضي المعتبر ( ظل الله على الأرض) من تولي القضاء إضافة لهذا أتمنى تحسين وضع القضاة المنهكين جدا من كم الدعاوى الهائل فالمحامي تهمه دعواه فقط دون أن يلحظ أن المحاكم حاليا تفتح في جلسة اليوم الواحد أكثر من 500 دعوى وهذا أمر غير منطقي لقلة عدد القضاة وسوء ظروفهم المعاشية غير المتناسبة مع الارهاق الشديد بالعمل أرجو النشر ومن تولى القضاء فقد ذبح بغير سكين
محمود
(1)   (0)
للاسف ليس هدا في زمن عيسى ابن هشام
بعد طول زمان
والقضية في المحاكم
و القاضي نايم
والمتهم مسجون
والمجرم يصول ويجول
ومين يدفع اكثر ومحاميه في الدفع اشطر يكون الحق معو
والحكم لصالحو
ولا نملك في هدا البلد الا ان نقول الله يصلح الناس
ونامل من النظام الضرب بكل قوة على مثيري الفساد من الفاسدين حتى ينعم الناس بالامن والامان والحق يعود لصاحب الحق
ليس للراشي
ولكم الشكر يا رئيسنا يا بشار ياحبيب الشعب
الذي يعمل لصلاح بلدنا التي تحبها ونحبها نحن
والشكر لعكس السير على طرح هده المواضيع الهامة
والسماح لنا بالتعليق الحر عليها
علي-ه ل ب ي
(0)   (0)
في المحاكم يوجد أخطاء منها يعود إلى هيكلة القضاء ومنها يعود إلى القضاة أنفسهم
فأما ما يتعلق بهيكلة القضاء :1
-بطئ إجراءات التقاضي وأسبابه(بطء عمل الدواوين والبريد والرقابة عليها معدومة والرشوة فيها متخومة
-وجود محكمة نقض واحدة بدمشق فتقعد الأضبارة أشهراً تنتظر دورها للفصل وكم الشعب السوري شاطر في اختراق هذا الدور بسبب سوء عمل الدواوين كما أسلفت
-كثرة في الدعاوي وقلة في عدد القضاة )
2-وجود قضاء التحقيق والإحالة في الدعاوى الجنائية وهم قضاة لا يخرجون من غرفهم إلا في حالة الجرم المشهود ولمرة واحدة فقط ويترك لأفراد الشرطة متابعة كافة اجراءات التحقيق العملية
وهم أفراد لا يتقنون سوى مداهمة المنازل ليلاً وضرب المواقيف وتقصي الأخبار من العواينية المنشورين في كافة أرجاء المعمورة وباعتراف غالبية أفراد الشرطة بأن غالبية الضبوط التي يظن كاتبوها بأنهم أيدوها بأدلة دامغة تفقد محتواها أمام القضاء ضاربين بعرض الحائط(كرامة المواطن التي أهدرت بضربه سواء كان مذنب أم بريء
-جسامة الضرر المادي والمعنوي الذي أصاب الموقوف بعد أن أخلي سبيله لعدم صحة دليل توقيفه.)
3-قضاة النيابة العامة اللذين يفوضون عملهم لأفراد الشرطة أيضاً
4-هناك الكثير والكثير الذي يحتاج إلى جهد وتعب وتعديل وتغيير للوصول إلى بناء مؤسسة العدل وكل ما أرجو وجود فسحة من الحرية الصحفية للإشارة إلى مواضع الخطأ بعينها وتسميتها بمسمياتها وتقديم الأفكار للتنمية و الإصلاح بأيدي من يمارسون العمل الحقوقي من قضاة ومحامين ودكاترة وغيرهم لإرساء دعائم الديمقراطية وإحساس كافة المواطنين بأنهم مسؤولون عن بناء وطننا الغالي سورية.
emad
(0)   (0)
لأن القاضي لم يكن راضيا على من اشتريت بيتي منه وكيف حدث البيع دون اذنه والمنزل قبو وهو في الخامس استطاع أن يقيم عدد من الدعاوي كلها لصالحه كسبت ولو أقام دعوى أنه هو المالك لكسبها والان أغلق لي المنزل بحجة واهية وبدون أي سند قانوني مدعيا أن المستأجر لديه أصبغة وتنر وحتى تاريخه منذ ست سنوات ولاأحد يستطيع فك الشمع الاحمر وياعيني عليك يابلد.
mohamed
(0)   (0)
يجب أن يكون هناك مجلس قضاء مستقل و منتخب من مجموع قضاة سورية يرأسه قاض منتخب من أعضاء المجلس نفسه.
أن يكون للمجلس الاطلاع بشؤون السادة القضاة من الألف إلى الياء وبدون أن يكون للسيد وزير العدل دور في ذلك إلا الأمور الادارية البحتة .
وبذلك يتم تطبيق مبدأالفصل بين اللسلطات وهذا ما أقره دستور الجمهورية العربية السورية.
أضف تعليقك :
الاسم : *
التعليق : *
Keyboard لوحة مفاتيح عربية
ضع الكود الموجود بالصورة : *

مقالات أخرى من " ع البال "

24-1-2015
" برغر كينغ " ترفض تعويض الطفل السوري الذي ضربه أحد مدرائها في اسطنبول .. و الأخير يحاول إسكات والد الضحية بـ 100 ليرة !
رفضت الشركة التي تمتلك ترخيص سلسلة مطاعم "بيرغر كينغ" في تركيا تعويض الطفل السوري الذي تعرض للضرب على ...


15-4-2013
بعد ظهوره في "أراب آيدول".. صفحة إخبارية "مخابراتية" تهدد عائلة الفنان عبد الكريم حمدان
  نشرت صفحة إخبارية مؤيدة للنظام السوري على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" منشوراً هدّدت فيه الفنان عبد الكريم ...


7-6-2012
عرض أول جهاز أنتجته شركة أبل للبيع
أعلنت دار "Sotheby" للمزادات عن نيتها طرح أول جهاز كمبيوتر أنتجته شركة أبل للبيع في مزاد يُقام في ...


3-11-2011
حديقة العزيزية (مرعي باشا الملاّح) والحديقة العامة بحلب
تمهيد: إنّ التقرير الذي قدّمه الى المجلس البلدي بحلب المهندس الاستشاري شارل غودار، عضو المجلس البلدي ومدير سكة حديد ...


28-9-2011
زقاق الأربعين ووثيقة آل دلاّل و الشاعر جبرائيل دلال (1836 – 1892) من أوائل شهداء الحرية
في محاولة لربط الزمان بالمكان وبالحدث الذي يفعّله الإنسان سنحاول ان ننقل خطواتنا في النصف الثاني من القرن ...


18-8-2011
سر البيلون الحلبي
كتب المرحوم الدكتور عبد الرحمن الكيالي مقالة في مجلة الحديث الحلبية تساءل فيها : هل كلمة ( بيلون) ...


13-8-2011
صناعة صابون الغار في حلب تلفظ أنفاسها الأخيرة
في عام 1999 ظهرت المواصفة القياسية السورية لصابون الغار ، التي حددت نسبة زيت المطراف فيه بخمسين بالمئة ...


10-8-2011
عيدو السواس و عيدو التنكجي مؤسسا فرقة نجمة سورية أول فرقة مسرحية بحلب
نشر الاستاذ  أحمد نهاد الفرا مقالة مطولة في مجلة العمران  (التي كانت تصدر عن وزارة البلديات فترة الوحدة ...