إعلانات
طهران قالت " الأمر لي " في سورية الصغرى !
الاحد - 25 كانون الثاني - 2015 - 3:17 بتوقيت دمشق
التفاصيل


قالت إيران للعالم عقب الغارة الإسرائيلية على موكب الحرس الثوري في القنيطرة: «الأمر لي في دمشق». وجاء نعيها الجنرال في الحرس الثوري الذي قُتل مع القادة العسكريين في حزب الله مهيناً لما تبقى من نظام بشار الأسد، ثم توجت الإهانة بتلويحها بفتح جبهة الجولان، في ظل صمت غريب ومُطبق مارسه ما تبقى من نظام البعث. رسائل كثيرة ومتعاقبة أرسلتها طهران في الـ48 ساعة التي أعقبت الغارة، كلها تمحورت حول رغبتها الشديدة في أن تكشف حقيقة أن النظام السوري لم يعد شيئاً، وأنها من يدير كفة كل شيء في دمشق.

والحال أن وثبة طهران الأخيرة جاءت في سياق إقليمي ودولي يؤشر إلى أن ثمة بحثاً فعلياً يجري حول مستقبل سورية، ويبدو أن الغارة الإسرائيلية كانت جزءاً من هذا الحوار. فالمرجح أن مهمة الموكب العسكري الذي كان متوجهاً إلى القنيطرة كانت حجز موقع لطهران على خط النزاع مع إسرائيل في لحظةٍ يُعاد فيها البحث في الخريطة السورية. أرادت إيران أن تقول إن الجولان جزء من «سورياها»، وأجابت إسرائيل بالغارة. حصل ذلك في ظل تقارب إيراني أميركي، ولقاءات بين وفود رفيعة المستوى من البلدين.

ما يُشير إليه مراقبون وديبلوماسيون لجهة أن ثمة «سورية مفيدة» هو ما بدأت حدوده تلوح حيث طموحات النظام فيه شبه مؤكدة، وثمة، في المقابل، مناطق واسعة من سورية تُمثل اليوم عبئاً عليه. وأن تُقتطَع من سورية مساحات «سنية»، في الشمال والشرق والجنوب، سيكون ذلك نموذجياً للأسد. والمُرجح أن لا يكون الرئيس الضعيف بوارد التمسك بمساحة مواجهة مع إسرائيل في ظل انكماش دولته الجديدة، ذاك أن «ضرورات المواجهة» كانت أملتها على نظام البعث حاجته كنظام أقلوي إلى عصبية (أكثرية) موازية للعصبية المذهبية الأقلوية. ثم إن دولته الجديدة الممتدة من دمشق إلى الساحل مروراً بحمص ستخفف من عقدة أقلويتها، وإن كانت لن تعدمها، وهو ما سيُخفف عن نظامها ثقل الشرط الممانعاتي في السلطة.

الأرجح أن طهران قالت لبشار «لا». فسورية الجديدة لن تكون «مفيدة» لها إذا ما اقتطعت منها حدود «المواجهة»، تلك التي تُجيد طهران توظيفها في سعيها للتحول قوةً إقليمية مطلة من غير مكان على الحدود مع إسرائيل. وهنا على المرء أن يرصد تعمد إيران «إهانة» بشار الأسد! فأن تُهدد على لسان مسؤولين رسميين فيها بفتح جبهة الجولان، فهذا يمثل رسالة قوية إلى دمشق، لا إلى تل أبيب التي تعرف جيداً أن الجبهة لن تُفتح. وجاء الصمت الرسمي السوري حيال هذه التصريحات ليُشير إلى عدم رضا، أو إلى قبول الضعيف بحكم «قرقوش».

وإذا كانت هذه طموحات طهران، فإن لتل أبيب طموحاتها في شكل «سورية المفيدة» أيضاً. فالمرجح أن يُناسبها نظام أقلوي على تلك المساحة من سورية، لا سيما إذا اقتطعت منها مناطق التماس معها. لكن الجارة الضعيفة مرشحة لنفوذ «امبرطوري» إيراني يجيد توظيف الحدود لتعزيز أحلامه في النفوذ. «سورية المفيدة» يجب أن تبتعد قليلاً عن الحدود مع إسرائيل. هذا ما حملته الغارة الإسرائيلية من رسائل، وهي في أكثر من اتجاه: إلى طهران وإلى دمشق، ولكن أيضاً إلى واشنطن. فالإقرار الأميركي المستجد بنفوذ طهران في العراق وفي سورية، ومؤخراً في اليمن، يجب أن لا يرقى إلى مرحلة إقرار بالنفوذ على مساحة جديدة من الحدود مع إسرائيل، لا سيما أن طهران استعادت «حماس» مؤخراً، وبالتالي تضاعفت نوافذها على تل أبيب في المرحلة الأخيرة.

لكن يبدو أن ضمور سورية لن يعني تقسيماً، فالمناطق التي تفيض عن مساحة الدولة الجديدة، وهي أكثر من ثلثي مساحة سورية، لا يبدو أنها مرشحة لأن تتحول إلى دول. الجنوب الذي تتصارع عليه طهران وتل أبيب لا يتسع لدولة، وهو في معظمه امتداد لبادية تطمح بمياه جبلها وبأفخاذ عشائرها، فيما الشمال والشرق اللذان تصول «داعش» في ما تبقى منهما بعدما دمر الأسد مدنهما، فتشملهما طموحات امبراطورية موازية تخترق الحدود السورية العراقية وتصل إلى نينوى، فتستعيد أحلام طريق الحرير وولاية الموصل وتضم حلب إليهما. وما الصورة التي التقطها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنفسه محاطاً بجنود يرتدون أزياء تلك المرحلة وغيرها من مراحل الصعود الإمبراطوري لتركيا، سوى مؤشر رمزي على ما يمكن أن يجول في رأس الرجل. فـ «داعش» التي اقتطعت تلك المساحات والمدن من سورية والعراق يُمكنها أن تُغير الخرائط، لكنها لن تتمكن من البقاء فيها، وتركيا الأردوغانية التي قالت للعالم إنها تريد ثمناً إذا ما قررت أن تقضي على «داعش»، تُفكر من دون شك بتلك المساحة، وتعرف أن سورية «المفيدة» والعراق «الشيعي» لن يتسعا لحلب وللموصل، وأن المدينتين كانتا ذات يوم خارج هذين الوعاءين.

طبعاً تتفاوت سرعة التوجه نحو هذا المصير الافتراضي لسورية بين الشمال والجنوب. في الجنوب يبدو أن البحث به وضع على نار حامية. وساعدت على تسريع البحث حقيقة أن تل أبيب لا تؤجل ملفاتها، وتجيب عن عمل طهران الدؤوب والممل لإنتاج جبهة جديدة في الجولان بسرعة وحسم يُشبهان وثباتها منذ نشوء كيانها. ومن الواضح أنها حددت ماذا تريد. لا تريد لبشار أو لنظامه أن يتهاوى، وفي الوقت نفسه تريد حدودها في يد معارضيه من أبناء المنطقة، فهؤلاء أضعف من أن تكون لهم طموحات بدولة، وربما كان من السهل إلحاقهم في ما بعد بامتداداتهم الجغرافية والعشائرية. قال ديبلوماسي غربي لصحافي عربي ذات يوم ليس بعيداً، إن ما تريده الولايات المتحدة من ســورية أخذته، وهو ترسانتها الكيماوية وتأمين الحدود مع إسرائيل وبعض الاستقرار في لبنان. واليوم، وفق هذا الديبلوماسي، يتقاتل في سورية أشد عدوين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط عداء، وهما «داعش» و»حزب الله»، وهذا ما أمّن لواشنطن ما لا يؤمنه لها وجودها العسكري المباشر. صاحــب هذا الاعتقاد أصــيب بخــيبة جراء واقعة القنيطرة. طهران قالت «الأمر لي» على الحدود السورية الإسرائيلية، وجواب تل أبيب كان مؤلماً.

 

حازم الأمين - الحياة


أضف تعليقك :
الاسم : *
التعليق : *
Keyboard لوحة مفاتيح عربية
ضع الكود الموجود بالصورة : *

أخبار أخرى من " مقالات وآراء "

11-3-2015
الأسد بمساعدة حلفائه .. يبدو أنه باق !
يبدو ان فرص نجاة بشار الاسد من الازمة السياسية سالما باتت أكبر من أي وقت مضى منذ بدئها ...


11-3-2015
سوريا .. لا حل إلا هذا الحل !
  يتحاشى الذين يروِّجون لضرورة الانفتاح على بشار الأسد ونظامه، وعددهم قليل على أيِّ حال، تذكُّر أن قرار دمشق ...


10-3-2015
هل علينا التصالح مع الأسد ؟ !
مع ارتفاع وتيرة قتال الإيرانيين وحلفائهم إلى جانب قوات نظام الأسد، وتولي الإيرانيين أيضا قيادة حروب القوات العراقية ...


8-3-2015
أضعف الإيمان .. إسقاط الدولة السورية !
تصريحات الغربيين في الخلاص من النظام السوري تبدلت. الارهاب في سورية عاود صوغ المشهد. بعض الدول الاقليمية بات ...


7-3-2015
سياسة شرق أوسطية جديدة من دون الإخوان
لم أطلع على محضر اجتماعات العاهل السعودي بالرئيسين التركي والمصري، ولكني مستعدّ لأن أجزم بأن «الإخوان المسلمين» لم ...


7-3-2015
أميركا و الخليج .. من طمأن الآخر ؟
قراءة التصريحات السعودية، على لسان وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، وتصريحات نظيره الأميركي جون كيري، حول إيران، تقول ...


7-3-2015
هل الاحتلال الداعشي حرام و الاحتلال الإيراني حلال ؟
كي لا يحاول أحد أن يصطاد في الماء العكر من مجرد قراءة عنوان المقال، سنقول: تصدوا كما تشاؤون ...


6-3-2015
هل تدعم الإمارات بقاء نظام " الأسد " في حكم سوريا ؟
ربما تكون القضية الأقل خلافا بين دول المنطقة وفي مقدمتها تركيا وقطر من جهة والسعودية والإمارات وبقية دول ...


6-3-2015
من يخشى من تغير السياسة السعودية ؟
أصبحت مسألة تغيّر السياسات السعودية حيال المشاكل التي تعاني منها منطقة الشّرق الأوسط، من أهم المسائل التي تتداولها ...


4-3-2015
مخاوف من صفقة " أميركية - إيرانية " !
أي اتفاق بين الدول الست وإيران حول ملفها النووي إذا تم رغم الصعوبات التي ما زالت موجودة بالنسبة ...


3-3-2015
سورية ولاية إيرانية ؟
بدأ نظام الملالي في إيران مدّ جذوره الطائفية نحو سورية، إذ استطاع أن يتحكّم بمفاصل حياة السوريين اليومية، ...


3-3-2015
الأزمة السورية إلى حل سياسي
رفض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وصف موقف مصر من الأزمة السورية بالحياد. وهو قال في حواره مع «الشرق ...


3-3-2015
آخر مسيحي في الشرق الأوسط
يبدو السؤال مشروعا ومنطقيا وواقعيا حين يطرح: هل نحن نعيش حقبة تفريغ الشرق الأوسط من سكانه وأهله وشعبه ...


3-3-2015
خياران كلاهما سهل
في الأسابيع الماضية استقبلت الرياض عددا قياسيا من زعماء العرب والعالم. سواء كانت الغاية للتعزية أو للتهنئة، لم ...


1-3-2015
فشل دي ميستورا
المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا نجح في شيء واحد فقط، زيادة غضب أغلبية الشعب السوري. بدأ ...


1-3-2015
الحل في سوريا أكبر من الأسد و خصومه
عندما أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أخيراً، أن بشار الأسد «جزء من الحل» في سوريا، ...