إعلانات
هل المنطقة الآمنة خيار ممكن ؟
الاحد - 14 كانون الاول - 2014 - 11:58 بتوقيت دمشق
التفاصيل


 تثير فكرة المنطقة الآمنة بعض الجدل القانوني والحقوقي حول إذا ما كانت الفكرة مختلفة عن فكرة المنطقة العازلة، التي تتم إقامتها في مناطق الصراع بين طرفين أو أكثر. وتجنبا لأي التباسات، فإن فكرة المنطقة الآمنة، هنا، تختصر باعتبارها منطقة خارج الاستهداف العسكري، يتم حماية السكان فيها، وقد شهد العالم إقامة مناطق آمنة مرات في الربع الأخير من القرن الماضي، على نحو ما حدث في البوسنة وفي شمال العراق، حيث جرى توفير ملاذات آمنة للسكان، وحمايتهم ولو جزئيا من الاستهدافات العسكرية.

وفكرة المنطقة الآمنة في سوريا، تكاد تكون بين الضرورات الملحة بعد سنوات 4 من الصراع المسلح، وما نجم عنه من قتل ودمار وتشريد للسكان، حيث أصبح نحو 5 ملايين من السوريين لاجئين في بلدان الجوار وفي الأبعد عنها، ونحو ضعفهم مشردين ونازحين داخل البلاد، والعدد مرشح للزيادة المطردة، إذ لم يتم التوصل إلى وقف الصراع والذهاب إلى حل للقضية السورية. بل إن لفكرة المنطقة الآمنة ضرورات تتعدى فكرة حماية السكان المدنيين في جوانب كثيرة، أبرزها إعادة قسم من اللاجئين إلى بلدهم، وإعادة تطبيع حياتهم، التي اختلت مساراتها وموازينها في السنوات الماضية، إضافة إلى خلق أو اختبار الأشكال الممكنة للإدارة لفترة ما بعد الصراع المسلح في مستقبل سوريا، ومعالجة ظروف ما بعد الصراع وغيرها من ضرورات.

ورغم أن أطرافا مختلفة ترى أو تؤيد فكرة إقامة المنطقة الآمنة في سوريا، فإن تركيا، جارة سوريا في الشمال، بين أكثر الأطراف حماسا لفكرة المنطقة الآمنة، وقد سمعت من مسؤول تركي كبير في الفترة الأخيرة ما يؤكد هذا الخيار، والمضي العملي نحو تحقيقه، خاصة أن الفكرة كانت مثار نقاش تركي مع أطراف إقليمية ودولية، اختلفت مع الأتراك، لكنها في الآونة الأخيرة اقتربت أكثر من الموقف التركي، وهذا ينطبق على الموقف الأميركي الذي أظهر تفهما أكبر للفكرة.

غير أنه قبل بروز الموقف التركي الأخير بشكل واضح، كان الائتلاف الوطني السوري، طرح قبل 6 أشهر مشروعه «العودة إلى سوريا» المتضمن انتزاع منطقة داخل البلاد، يتم الانتقال إليها، وجعلها محمية بكل الأشكال الممكنة، ورغم أنه لم يحدد الائتلاف في خطته بدقة المكان الجغرافي لبدء خطته «العودة إلى سوريا»، الذي قد يكون في شمال البلاد وربما في جنوبها، رغم أن الوقائع تميل إلى قول إن العودة ستكون إلى المناطق الأقرب إلى الحدود التركية، وهي المنطقة التي يرى الأتراك فيها حيزا لإقامة منطقة آمنة.

ضرورات إقامة منطقة آمنة تتقارب في الفكرتين التركية والسورية من جوانب عدة، وخاصة لجهة الضرورات المدنية، التي أشرنا إليها، ومنها حماية المدنيين، والملاذ الآمن للعائدين، وتطوير إدارة سورية جديدة، ومعالجة ظروف ما بعد الصراع المسلح، لكن الهاجس الأمني للفكرة قد يكون الأكثر أهمية في ضوء المخاوف من الأخطار العسكرية - الأمنية، التي تشكلها تداعيات الصراع في سوريا، ولا سيما في نقطتين، أولاهما النمو الكبير في قوة جماعات التطرف والإرهاب من «داعش» وأخواتها من أبناء «القاعدة» على حساب القوى المعتدلة في وجودها وانتشارها وتأثيره على السوريين والأتراك.. والثانية تنامي حضور وقدرات قوات الحماية الشعبية الكردية، التي تمثل امتدادا للخصم التقليدي للأتراك في سوريا حزب العمال الكردستاني «p.k.k»، مما يجعل تركيا أكثر رغبة في عزل الطرفين عن التماس مع حدودها، ولو في مناطق محدودة، تمثلها المنطقة الآمنة.

وإذا كانت المنطقة الآمنة ضرورة للسوريين والأتراك، فإن إمكاناتها تكاد تكون قائمة من الجانبين من الناحيتين السياسية والعملية. والأهم في الناحية السياسية أن ثمة حاجة لإعادة صياغة خريطة الصراع السوري، الذي تكاد لوحته في شمال البلاد تقتصر على حضور قوات النظام وقوات التطرف، بعد أن شهدت المنطقة تراجعا ملحوظا في وجود ودور الجيش الحر بما يمثله من قوة معتدلة، تقف في مواجهة تطرف وإرهاب مزدوج لنظام الأسد وتحالفاته المسلحة من جهة، وقوى «داعش» و«النصرة» من جهة أخرى، خاصة في ضوء استمرار الصراع، وانسداد أفق حل القضية السورية.

كما أن الإمكانات العملية لفكرة المنطقة الآمنة قائمة هي الأخرى، حيث هناك قوى اجتماعية ومناطق جغرافية معارضة لنظام الأسد من جهة، وفي مواجهة جماعات التطرف، فيها كثير من الارتباك والصراعات، مما يجعلها فريسة سهلة لواحد من الطرفين، أو لاقتسامها بينهما، وكل ما تحتاجه إقامة منطقة أو مناطق آمنة فيها، هو إعلان تلك القوى حضورها السياسي، ودفع التشكيلات المسلحة المعتدلة للوجود فيها، ومركزة قياداتها بعد تدريبها وتسليحها لتأمين قوة حماية على الأرض، فيما يقوم الأتراك بتوفير الحماية الجوية لها.

وإذا كان من الصحيح أن عملية كهذه لا بد أن تواجه تحديات ومشكلات كثيرة من أطراف عدة؛ فإن من الصحيح أيضا أن إخراج ما صارت إليه القضية السورية من انسدادات سياسية في مسارها نحو الحل، وما يمثله استمرار دموية النظام وصعود التطرف والإرهاب، وتداعيات الوضع السوري في المستويين الإقليمي والدولي، أصعب بكثير، وهي بين الحقائق التي لا يمكن تجاوزها بأي شكل كان.



فايز سارة - الشرق الأوسط


أضف تعليقك :
الاسم : *
التعليق : *
Keyboard لوحة مفاتيح عربية
ضع الكود الموجود بالصورة : *

أخبار أخرى من " مقالات وآراء "

11-3-2015
الأسد بمساعدة حلفائه .. يبدو أنه باق !
يبدو ان فرص نجاة بشار الاسد من الازمة السياسية سالما باتت أكبر من أي وقت مضى منذ بدئها ...


11-3-2015
سوريا .. لا حل إلا هذا الحل !
  يتحاشى الذين يروِّجون لضرورة الانفتاح على بشار الأسد ونظامه، وعددهم قليل على أيِّ حال، تذكُّر أن قرار دمشق ...


10-3-2015
هل علينا التصالح مع الأسد ؟ !
مع ارتفاع وتيرة قتال الإيرانيين وحلفائهم إلى جانب قوات نظام الأسد، وتولي الإيرانيين أيضا قيادة حروب القوات العراقية ...


8-3-2015
أضعف الإيمان .. إسقاط الدولة السورية !
تصريحات الغربيين في الخلاص من النظام السوري تبدلت. الارهاب في سورية عاود صوغ المشهد. بعض الدول الاقليمية بات ...


7-3-2015
سياسة شرق أوسطية جديدة من دون الإخوان
لم أطلع على محضر اجتماعات العاهل السعودي بالرئيسين التركي والمصري، ولكني مستعدّ لأن أجزم بأن «الإخوان المسلمين» لم ...


7-3-2015
أميركا و الخليج .. من طمأن الآخر ؟
قراءة التصريحات السعودية، على لسان وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، وتصريحات نظيره الأميركي جون كيري، حول إيران، تقول ...


7-3-2015
هل الاحتلال الداعشي حرام و الاحتلال الإيراني حلال ؟
كي لا يحاول أحد أن يصطاد في الماء العكر من مجرد قراءة عنوان المقال، سنقول: تصدوا كما تشاؤون ...


6-3-2015
هل تدعم الإمارات بقاء نظام " الأسد " في حكم سوريا ؟
ربما تكون القضية الأقل خلافا بين دول المنطقة وفي مقدمتها تركيا وقطر من جهة والسعودية والإمارات وبقية دول ...


6-3-2015
من يخشى من تغير السياسة السعودية ؟
أصبحت مسألة تغيّر السياسات السعودية حيال المشاكل التي تعاني منها منطقة الشّرق الأوسط، من أهم المسائل التي تتداولها ...


4-3-2015
مخاوف من صفقة " أميركية - إيرانية " !
أي اتفاق بين الدول الست وإيران حول ملفها النووي إذا تم رغم الصعوبات التي ما زالت موجودة بالنسبة ...


3-3-2015
سورية ولاية إيرانية ؟
بدأ نظام الملالي في إيران مدّ جذوره الطائفية نحو سورية، إذ استطاع أن يتحكّم بمفاصل حياة السوريين اليومية، ...


3-3-2015
الأزمة السورية إلى حل سياسي
رفض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وصف موقف مصر من الأزمة السورية بالحياد. وهو قال في حواره مع «الشرق ...


3-3-2015
آخر مسيحي في الشرق الأوسط
يبدو السؤال مشروعا ومنطقيا وواقعيا حين يطرح: هل نحن نعيش حقبة تفريغ الشرق الأوسط من سكانه وأهله وشعبه ...


3-3-2015
خياران كلاهما سهل
في الأسابيع الماضية استقبلت الرياض عددا قياسيا من زعماء العرب والعالم. سواء كانت الغاية للتعزية أو للتهنئة، لم ...


1-3-2015
فشل دي ميستورا
المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا نجح في شيء واحد فقط، زيادة غضب أغلبية الشعب السوري. بدأ ...


1-3-2015
الحل في سوريا أكبر من الأسد و خصومه
عندما أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أخيراً، أن بشار الأسد «جزء من الحل» في سوريا، ...