إعلانات
قاسم سليماني ينهي سوريا الأسد
الاحد - 22 شباط - 2015 - 0:23 بتوقيت دمشق
التفاصيل


كان مخططاً للأسطورة أن تكتمل، فقائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني يبدو كأنه للتو أنهى انقلابه بواسطة حوثيي اليمن، وأخبار الإدارة الأميركية تشير إلى قرب الحملة البرية على داعش، الأمر الذي لا بد أنه استلزم تنسيقاً وتفاهماً مع الحرس الثوري الذي يقود المعارك في العراق. الانقلاب على التوازن اللبناني الهش مُحضّر له سلفاً بانتظار حسم الجبهة السورية. في الواقع، كل المعطيات تدفع بسليماني كي يأتي بنفسه إلى الجبهة الجنوبية في سورية ويقود الانتصار النهائي، لا يهم إن كان بحضوره العلني سيجهز على ما تبقى من مفاخرة فارغة للنظام السوري بقدرته الذاتية على الصمود، بل ربما هي مناسبة أيضاً لإفهامه بصرامة أن مكانته لم تعد تصل إلى مرتبة الحليف.

حضور سليماني في جبهة حوران احتفى به موالو النظام بلا أدنى حرج، هم الذين احتفلوا سابقاً بانتصارات حزب الله في القصير ويبرود، أي أنهم كانوا يعترفون صراحة بالتدخل الإيراني وبعدم قدرة نظامهم على البقاء من دونه. عملياً، يجوز القول إن موالي النظام يقرّون ضمناً بأنهم فقدوا احتكارهم «سورية الأسد»، وأن رهانهم اقتصر منذ زمن طويل على ألا تكون لسوريين آخرين. من جهة المعارضة والكتائب المقاتلة، كان معلوماً منذ زمن طويل التدخل الإيراني في أدق الشؤون السورية، ولعل المناسبة التي ظهر فيها ذلك إلى العلن هي انسحاب المقاتلين من حمـــص القديمة بضــمانة إيرانية، وليس سراً حضور ممثلي الحرس الثوري مفاوضات أخرى بين ممثلي بعض الفصائل المعارضة والنظام لإبرام هدن محلية، وحتى مطالبة تلك الفصائل بالحضور الإيراني وضمانته أي اتفاق محتمل.

إذاً، من كافة النواحي، حضور سليماني شخصياً تتويج لسنوات من الانخراط الإيراني في سورية، لكنه في الوقت نفسه لفتة ذات دلالة معنوية كبيرة لجهة الإعلان عن القيادة الإيرانية المباشرة، والدفع بالنظام علناً إلى الصفوف الخلفية. وأن ترى المعارضة في ذلك تدشيناً لحقبة «الاحتلال الإيراني» المعلن، فهذا ينبغي ألا يتوقف عند التغيير اللفظي، لأن انتهاء مفاعيل «سورية الأسد» يعني تغيير قواعد اللعبة السياسية المتبعة حتى الآن، ومن ذلك تغيير قواعد الحديث عن الحل السياسي.

لا يجوز مثلاً على هذا الصعيد أن تبقى المعارضة على موقفها من أن إيران هي جزء من المشكلة ولا يمكن أن تكون جزءاً من الحل، في الوقت الذي تقبل فيه بالتفاوض مع النظام، فالأقرب إلى الواقع هو ما فعله بعض الفصائل باشتراط حضور ممثلي إيران في المفاوضات، ولعل الأشد قرباً إلى الواقع أن تعلن المعارضة قبولها بالتفاوض مع إيران مباشرة، وبأصالة الأخيرة عن وكلائها في سورية، وحينها لا يوجد مبرر فعلي حتى لحضور ممثلين عن النظام.

لا بأس في استغلال الوجود الإيراني، المكشوف أخيراً في معركتي حوران وحلب، لإعلان سورية بلداً تحت الاحتلال الإيراني، والسعي في المنابر الدولية لتكريس هذا الفهم لأنه يتضمن سحب الشرعية من النظام، ولا يقرر واقعاً جديداً من حيث أن الحل السياسي، إذا كان ثمة حل سياسي حقاً، سيكون بالتفاوض مع نظام الوصاية الإيراني. لقد بذل معارضو نظام الوصاية السوري في لبنان جهوداً حثيثة من أجل استصدار القرار الدولي 1559، القاضي بانسحاب قواته من لبنان، وهي تجربة جديرة بالدراسة على رغم عدم نجاحها التام.

مع ذلك ثمة فخ قد تنزلق إليه المعارضة بسهولة، فغطاء الاحتلال يوفر ذريعة للتنصل من المسؤوليات الذاتية، لأنه وهو يعفي النظام من مسؤولية التحكم بالقرار يوحي بتحول القضية السورية برمتها إلى مسألة خارجية، ويختزل الصراع في الميدان بشقه العسكري. أن تتحول المعارضة، في أحسن حالاتها، إلى حركة تحرر وطني أمر لا يبشّر بخروجها من واقــعها المتردي الحالي، إذ يعكس فعلياً العودة عشرات الســـنين إلى الوراء، إلى مرحلة يُفترض أنها انقضت من التاريخ السوري. فوق هذا، يُفترض أن حكم البعث هو واحد من الاستطالات البائسة لتلك المرحلة.

واحدة من أهم المشكلات الذاتية التي يجب ألا يطغى عليها الاحتلال هي نظر جزء من السوريين إلى الثورة بوصفها حرباً أهلية، بناء على تلك الرؤية كانت مواجهة الثورة وإفشالها قضية وجود، وكان بعض المذابح «بما فيها المذابح ذات الطابع الطائفي» سلاحاً مشروعاً في الحرب. دخول الميليشيات الشيعية بقيادة الحرس الثوري هو نتيجة توصيف أولئك لما يجري بالحرب الأهلية، حيث من النموذجي في مثل هذه الصراعات أن تنفرد مجموعة من السكان بسياسة وتحالفات خارجية خاصة بها ومنافية لمصالح المتضررين من تحالفها. هكذا أيضاً يُقرأ ترحيب قسم من موالي النظام بمجيء قاسم سليماني، وهكذا تُقرأ دعوات قسم آخر إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد المناطق الثائرة. لذا، لا أمل في دور إيجابي يؤديه الاحتلال الإيراني بتوحيد ما تفرق من السوريين، على العكس سيكون الافتراق بينهم أمضى كلما تقدم الإيراني إلى الواجهة.

المشكلة التي لا تقل «ضراوة» على الصعيد المفهومي أن تتراجع قضية الحرية لمصلحة قضية التحرر، ولم يكن مصادفة أبداً أن يتحول سلوك النظام منذ مستهل الثورة إلى نهج أشبه بقوات الاحتلال، بينما يحاول تقمص دور الوطني الذي يتصدى لمؤامرة خارجية، فالأساس هنا في دفع مطلب الحرية إلى الوراء ودفع طالبيها إلى مرتبة أدنى تكاد تتوقف على التخلص منه. ثم إن دفع قضية الحرية إلى الوراء يجرّدها من أولوية حقوق المواطنة والحقوق الفردية، ويغلّب عليها العصبيات الاجتماعية الأهلية فيحطم فكرة المواطنة والدولة معاً. الاحتلال الإيراني قد يكمل إنهاء الثورة إذا لم تتجشم عناء كونها حركة تحرر وثورة في آن واحد، مع خفض سقف التوقعات من الآخرين والقول بأنها تفعل هذا لنفسها ولجمهورها أولاً.

لقد تآكلت «سورية الأسد» بفعل نقيضين هما الثورة والاحتلال، بقي ألا تتآكل الثورة بفعل الصراع مع المحتل، وألا تنتظر عوناً خارجياً ضخماً لن يأتي الآن، فالظروف الدولية والإقليمية الحالية لا تؤشّر إلى مواجهة المد الإيراني المتفاقم، لكن ذلك لا يمنع وجود قوى عديدة لا تريد عودة قاسم سليماني إلى طهران ظافراً.


عمر قدور - الحياة


أضف تعليقك :
الاسم : *
التعليق : *
Keyboard لوحة مفاتيح عربية
ضع الكود الموجود بالصورة : *

أخبار أخرى من " مقالات وآراء "

11-3-2015
الأسد بمساعدة حلفائه .. يبدو أنه باق !
يبدو ان فرص نجاة بشار الاسد من الازمة السياسية سالما باتت أكبر من أي وقت مضى منذ بدئها ...


11-3-2015
سوريا .. لا حل إلا هذا الحل !
  يتحاشى الذين يروِّجون لضرورة الانفتاح على بشار الأسد ونظامه، وعددهم قليل على أيِّ حال، تذكُّر أن قرار دمشق ...


10-3-2015
هل علينا التصالح مع الأسد ؟ !
مع ارتفاع وتيرة قتال الإيرانيين وحلفائهم إلى جانب قوات نظام الأسد، وتولي الإيرانيين أيضا قيادة حروب القوات العراقية ...


8-3-2015
أضعف الإيمان .. إسقاط الدولة السورية !
تصريحات الغربيين في الخلاص من النظام السوري تبدلت. الارهاب في سورية عاود صوغ المشهد. بعض الدول الاقليمية بات ...


7-3-2015
سياسة شرق أوسطية جديدة من دون الإخوان
لم أطلع على محضر اجتماعات العاهل السعودي بالرئيسين التركي والمصري، ولكني مستعدّ لأن أجزم بأن «الإخوان المسلمين» لم ...


7-3-2015
أميركا و الخليج .. من طمأن الآخر ؟
قراءة التصريحات السعودية، على لسان وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، وتصريحات نظيره الأميركي جون كيري، حول إيران، تقول ...


7-3-2015
هل الاحتلال الداعشي حرام و الاحتلال الإيراني حلال ؟
كي لا يحاول أحد أن يصطاد في الماء العكر من مجرد قراءة عنوان المقال، سنقول: تصدوا كما تشاؤون ...


6-3-2015
هل تدعم الإمارات بقاء نظام " الأسد " في حكم سوريا ؟
ربما تكون القضية الأقل خلافا بين دول المنطقة وفي مقدمتها تركيا وقطر من جهة والسعودية والإمارات وبقية دول ...


6-3-2015
من يخشى من تغير السياسة السعودية ؟
أصبحت مسألة تغيّر السياسات السعودية حيال المشاكل التي تعاني منها منطقة الشّرق الأوسط، من أهم المسائل التي تتداولها ...


4-3-2015
مخاوف من صفقة " أميركية - إيرانية " !
أي اتفاق بين الدول الست وإيران حول ملفها النووي إذا تم رغم الصعوبات التي ما زالت موجودة بالنسبة ...


3-3-2015
سورية ولاية إيرانية ؟
بدأ نظام الملالي في إيران مدّ جذوره الطائفية نحو سورية، إذ استطاع أن يتحكّم بمفاصل حياة السوريين اليومية، ...


3-3-2015
الأزمة السورية إلى حل سياسي
رفض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وصف موقف مصر من الأزمة السورية بالحياد. وهو قال في حواره مع «الشرق ...


3-3-2015
آخر مسيحي في الشرق الأوسط
يبدو السؤال مشروعا ومنطقيا وواقعيا حين يطرح: هل نحن نعيش حقبة تفريغ الشرق الأوسط من سكانه وأهله وشعبه ...


3-3-2015
خياران كلاهما سهل
في الأسابيع الماضية استقبلت الرياض عددا قياسيا من زعماء العرب والعالم. سواء كانت الغاية للتعزية أو للتهنئة، لم ...


1-3-2015
فشل دي ميستورا
المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا نجح في شيء واحد فقط، زيادة غضب أغلبية الشعب السوري. بدأ ...


1-3-2015
الحل في سوريا أكبر من الأسد و خصومه
عندما أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أخيراً، أن بشار الأسد «جزء من الحل» في سوريا، ...