إعلانات
العرض المسرحي "حمّام بغدادي " يكشف "عورة" المسرح الحلبي
السبت - 1 آب - 2009 - 22:55 بتوقيت دمشق
التفاصيل


اختتمت أول أمس عروض العمل المسرحي " حمّام بغدادي " , النص والإخراج والسينوغرافيا لـ "جواد الأسدي" وبطولة  كل من "فايز قزق" و" نضال السيجري " وذلك على مسرح دار التربية بحلب . 

أراد المخرج العراقي " جواد الأسدي " ..الجميلُ في ألمه .. الرائع في حبه .. المؤلم في صوته وصورته,  أراد لحمّامه أن يختصر عراقه في ثنائية الحب والحرب .

فمن خلال شخصيتي " حميد " و " مجيد " استطاع المخرج تكثيف تاريخ العراق وحاضره مستجليا مستقبله حيث احتوت تفاصيل العلاقة بينهما – وهم أخوة – دلالات مشبعة تترك للمتلقي مساحة واسعة للتأويل .

وليس غريبا على الثالوث العبقري ( الأسدي - قزق - سيجري )  أن يمتلك  أطراف أرواح جمهورهم , فشدوها أوتارا إلى آلتهم ( الخشبة – العرض  ) وعزفوا لحنهم فارتفعوا به صراخا و ألما وانخفضوا به حبا وغربة و عتابا.

إنّهما في حمّام هسيسه سقوط المياه , وكان يترافق مع تلك الضوضاء لقرقعة الأرجل على الأرض وقرقعة الأشياء من حولنا  . 

كانا وسط بؤرةً دراميةً يغسلان فيها أدران واقع مؤلم، وأوساخ ماض متخلف مع القذارة المحيطة بهذا الحمّام التي استقدمها الاحتلال الأميركي أو جعلها أكثر استفحالاً .

وبين هبوط وارتفاع مر العمل بلحظات صمت طويلة نسبيا ورغم أنهم استثمروها لتغيير المشاهد أو إضافة كتلا من الديكور بواسطة فنيين أراد لهم أن يكونوا جزءا من الفعل المسرحي إلا أن ذلك لم يمنع انفصال الملتقي عن فضاء العرض , انفصالا هدد المتلقي بالملل . 

تلك اللحظات ربما أراد منها المخرج إعطاء فسحة تأمل لمتلق "مستلب" , آملا بترطيب مخليلةً خشّبتها الصورة وفعل التكرار اليومي لمشاهد رغم بشاعتها بتنا نألفها   .

 كانت لحظات "راحة" لا  الممثل فيها ارتاح ولا الجمهور ..

و تألقت اللوحة التي كانت تشكل الخلفية للفنان العالمي "جبر علوان" لتمثل تشكيلاً تفصيلياً لما دار وما يدور وما سوف يدور في أرض اعتادت التعب والقلق .. ولم تعرف الراحة إلا نادراً خلال تاريخها الطويل من الغزو والاضطهاد.  

قالت إحدى المشاهدات للعرض بأن "  الخلط بين اللهجة العراقية واللغة العربية الفصيحة أدخلنا في قلب الحدث بأجسادنا وعقولنا " . 

وأما تلك الألفاظ النابية التي ظهرت في النص جاءت" احترافية" , و برع الممثلان في إقناعنا بواقعية النص وكأن كادر العمل جميعاً يقول  أن " ما نراه فجا لا يمكن تلطيفه " و أن هكذا موقف يقتضي مثل هذه الكلمات  .

بينما اعتبر آخرون – وهم كثر - أن هذه الكلمات " تم اقحامها " في السياق لإضحاك المشاهد على الطريقة " الحوتية " ( نسبة لمسرح همام حوت )  , كما اعتبروا أن هذه الكلمات لا يتقبلها المجتمع الحلبي .

وقالت احدى الممثلات الحلبيات – الغير معروفة -  " إن ما قيل من ألفاظ نابية هي منطقية ضمن سياق العرض وليست كالألفاظ التي تستعمل في مسرح "همام الحوت" وغيره .. فقط لكي تثير القرف والاشمئزاز " .

الغريب أنه رغم الاحتجاج " المبرمج " على استخدام الكلمات النابية الصريحة إلا أنه وأثناء غرق الصالة في عتمتها كان الجميع يطلق ضحكات مدوية عندما يسمعها وهذه واحدة من مفارقات كثيرة لايسعها المكان أو يحتملها السياق الآن . 

و شخّص  " حمود " الفنان "نضال سيجري" والذي خط ملامحه النفسية قريبة حد التطابق من شخصية "أسعد " في مسلسله الكوميدي " ضيعة ضايعة ".

وحمود أو " مدمن الاهانات " ظهر ومنذ بداية العرض ضعيفا , مرتبكا , كلامه تأتأة , ونظراته حسيرة و أنفه مجدوع بسبب أخيه ( العميل) , ورغم ذلك فإنه وأمام كل منطق أعوج كان ينفسق عنه  بطلا مدافعا عن وطن أورثه الفقر والخوف  . 

أما مجيد ( صائد الفرص – العميل ) شخصّه الفنان "فائز قزق" – الغني عن التعريف - حيث تمكن من خلق شخصية يتفتق عن بساطة ظاهرها عمقا يشي بدلالات واخزة ومؤلمة  .

ولم يثقل المخرج كاهل المتلقي بـ اسقاطات تشغله عن البساطة التي أرادها للشخصيات حين اختارهما من وسط " الشوفيرية " إلا أن للسائقين منطقا نتشرك و إياهم فيه وهو أننا جميعا تشتعل فينا على الدوام "شهوة الوصول " . 

ولأول مرة في حياتهما فإن "حمود" و "مجيد" اتفقا على القيام سوية بعمل كان فيه المخرج عبقريا في اختياره لدلالاته وفراغاتها المسكونة بهواجسهما وهواجس الجمهور .

العمل الذي قررا القيام به كان عبقريا في اختيار الكاتب والمخرج ومعد السنوغرافيا ( الأسدي )  في كلماته , وفي تفاصيل السنيوغرافيا التي جاءت حوامل راسخة للمعنى الذي وصل إلى جمهوره واضحا وعميقا باختلاف شرائحه .

حيث اتفق كل من " حميد " ومجيد " على نقل مرشح " غني " واثق من فوزه ليتحول بعد ذلك إلى جثة في تابوت ويبقى في ذهن كل منهما راسخا أنها " جثة مرشحة واثقة من الفوز " ورجا كل منهما " بندقية " مجندة أمريكية لتساعدهما في العبور .

ولف كل منهما حول رقبته حبلا , كان هو ذاته الذي ربط " مجيد " بالتابوت إشارة للمصير الواحد  والذي دار به محموما أعياه البحث عن خلاص ٍ .. كان بعيداً .

انتهى العرض خاليا من الدهشة , وبدا خروج الممثلين لتحية الجمهور وكأنه جزء من العرض ليستغرق الجمهور التفكير لحظات قليلة أدرك بعدها أن العرض .."انتهى ".

الأغنية العراقية (ياطيور الطايرة مري بـ هلي ..ياشمسنا الدايرة ضوي لـ هلي ..) والتي ردد كلماتها  " حميد " خلال العرض تحكي تشرد ملايين العراقيين , زادها جمالا الرقصة الزورباوية – رقصة الخراب - التي أداها " قزق ".


متابع مسرحي : "لباسهم شفاف وعورتهم مكشوفة ..إلا أنها ازدادت وضوحا بعد التعرية"


وأجمل ماقيل في جلسة النقاش بعد العرض هو ماجاء على لسان الفنان "فايز قزق" أنه " ليس هناك ما نقوله فما كنا نود قوله شاهدتموه على الخشبة , ولن يكون هناك أجوبة بل سؤال نعمل على شطره إلى سؤالين والسؤالين إلى أربعة وهكذا .

ولكن آمال " قزق " خابت عندما خلعت المناقشة ثوبها وفقدت غايتها والهدف منها حيث كانت مجرد تمجيد للممثلين الأبطال ( حيث قلما يزورنا ممثل بطل  ) ,  أو البكاء على أطلال المسرح " الحلبي " , أو شعارات خطابية وأحاديث في السلامة والعافية والقومية العربية والكرامة والشعوب العنيدة   . 

جلسة " النقاش " والتي أدارها " صهيب عنجريني " مدير فرقة الورشة المسرحية ( والتي استضافت العرض مشكورة هي لاشك ) استمرت لأكثر من ساعتين طُرحت بخجل خلاله تفاصيل العرض وخلفياته   .

ورغم كثرة المحاور التي تناولتها إلا انه طغت عليها السطحية و طفت الشجون وتخللتها خطابية أسهمت في نشر جو من الملل في جو الصالة دفع الكثيرين إلى مغادرتها قبل انتهائها .

والحقيقة تقال بأن الذين لا يتقبلون هذا النوع من المسرح في حلب ليسوا مشاهدين , بل هم  نقاد ولجان مشاهدة ولجان تحكيم تحكم بالإعدام على أي عرض يسلك مسارا مغايرا لرؤاهم أو مصالحهم حتى قبل أن يعرض .. حكما لا  شفقة فيه  أو رحمة .

ورغم المطالبة بعروض " خارجية " تأتي إلى حلب  إلا أن حضور الوسط الفني " الحلبي " كان ضعيفا حد الغياب .

ضعف حضورهم للعرض وغيابهم عن جلسة النقاش وضع العديد من علامات التعجب واشارات الاستفهام وأما من كان وصل إلى حد القرف من وضع المسرح الحلبي اكتفى بـ " نقطة " .

 مما زاد الطين بلة أن بعضهم صرح " خفية " أثناء خروجه أن العرض "فاشل " , وهو الفنان " حازم حداد " فلماذا لم يقف ويناقش ويسأل و ينتقد أم أن مخزونه " للشرشحة " يوفره كغيره لكل مجتهد من الشباب لا نصيب له إلا الخيبة . 

وحول ذلك قال أحد الكتاب الشباب " أن خروجه -وغيره -لا ينم إلا عن ضعف أمام مواجه "الحّمام البغدادي" , رهبة الوقوف أمام أكادميين  " كبار "  جديين , لم يتعالوا يوما على الخشبة ليكتفوا بالتنظير المقيت الذي لا ينتج إلا المقت والكره والتباغض   " . 

وتساءل أحدهم " يزعمون دوما أنه دوما هناك ما يقال فأين هم الآن ؟ ألا يتحملون ضعف مستوى جلسة النقاش , أم أنهم فقط " يتشاطرون" ليسحقوا كل ما لا يوافق هواهم ومصالحهم " . 

إن مدينة حلب مبتلاه  عموما " بمشهد مسرحي ضعيف "  سببه وحسب الكثيرين الصراع الخفي الذي تغلفه المصالح , صراعٌ الرابح فيه دوما المسرح التجاري بفكره و ممثليه و أدواته الفارغة . 

و قال الفنان "فائز أبو دان" الممثل الحلبي المحبوب: "  أنا فائز أبو دان الممثل المسحوق, وجئت اليوم لأحضر العرض للمرة الثانية وسوف أقوم بالحضور ولو للمرة الألف لأني أحبكم" .

 وأضاف" ....أخت أميركا  مكرراً كما قيل في النص على لسان "نضال  سيجري" " .

لم يكن مستغربا الحضور الضعيف رغم أن الإعلان كان موجها لمليون من سكان مدينة حلب , هذا الحضور الضعيف هو حصة المسرح " الحلبي "  الذي تخلى عنه جمهوره بعد عمر من "التنفير" بسبب العروض الخاوية ولولا التعميم القتّال لقلنا كل مايعرض  . 

تبرز الآن أكثر من أي وقت مضى ضرورة إسناد الأدوار إلى أصحابها الأحقاء لإعادة الألق للمسرح " الحلبي" , حيث طوى النسيان  كتابا ومخرجين و ممثلين مشكلتهم أنهم لم يتمكنوا من تقديم تنازلات على حساب قدسية المسرح .

" حلب "  المدينة الوحيدة في العالم التي تتناقص فيها عدد المسارح عبر التاريخ والتي ينكمش فيها إرثها الثقافي والمسرحي ليبقى سؤالا معلقا  : 

هل حقا كشف " حمام " بغدادي عورة المسرح الحلبي ؟ 

وفي ذات السياق قال الصحافي  "عبدالله عبدالوهاب" :  " إن الفساد الذي استشرى في كثير من مناحي الحياة في مدينة حلب قد نفد حتى إلى مقدساتنا والمسرح بطبيعة الحال حالة قدسية يتم من خلالها تطهير الانسان من دنس النفاق والكذب " . 

وتابع " والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا يغيب المسرح عن مدينة حلب والتي كان يشهد الموسم فيها 150 عرضا مسرحيا " .

وأضاف " مالذي ينقص الشباب الحلبي وهو جزء من الشباب السوري المبدع كي يبني مسرحا يليق بتاريخ هذه المدينة العريق مسرحيا " . 

ويتابع " الجواب يأتي واضحا من خلال الشللية المسؤولة عن المسرح في حلب والتي لا يهمها سوى مصالحها المادية الضيقة ويحق لأي مسرحي أو مهتم في المدينة أن يتساءل عن حجم الميزانية الهائلة التي ترصدها وزارة الثقافة للمسرح القومي بحلب ليتمخض فقط عن عرضين هزيلين أحدهما للأطفال في كل عام " .

ولفت " عبد الوهاب " إلى الأسماء التي يتضمنها البوستر الخاص لعرض المسرح القومي في كل عام  وقال " إنك ترى ذات الاسماء وهي فلان ابن إحما فلان ومحسوب على فلان , وبنت إحما أخو فلان وبن اخت فلان الوحيد والمدلل " .

وتساءل " عبد الوهاب " عن أنه ألا يستحق نزيف المبدعين من الشباب الحلبي إلى بقية المحافظات بحثا عن خشبة يفرغون عليها إيداعاتهم وقفة من المعنيين للتساؤل عن وضع المسرح وما آل إليه من حالة يرثى لها .

وأشار إلى " الاستعباط " الذي يمارسه علينا بعض الممثلين في المسرح القومي فإننا لا نزال حتى هذه اللحظة نرى الممثل في المسرح القومي يمثل دور الطالب الجامعي في نفس العرض الذي مثله قبل عشرين عاما بنفس الدور (دور طالب جامعي عمرو خمسين سنة  ) . 

" فايز قزق " عذرا ..أردت سؤالا نعمل على شطره إلى سؤالين ..وهكذا..

 إنما فوجئنا بالعكس عندما تساءلنا عن وضع المسرح في حلب , فإننا  طرحنا عددا كبيرا من الأسئلة اندمجت في سؤال أو تساءل  واحد يعرفه القاصي والداني وهو :

أيتها الزمرة المتحكمة برقبة المسرح في حلب ..أرث حلب فضفاض عليكم ..إخلعوه أو يخلعكم التاريخ 

 ..أرجوكم ..ألا يكفي ؟ 

 

 

 




رأفت الرفاعي – عكس السير

 


التعليقات :
متابع
(0)   (0)
أيتها الزمرة المتحكمة برقبة المسرح في حلب ..أرث حلب فضفاض عليكم ..إخلعوه أو يخلعكم التاريخ

..أرجوكم ..ألا يكفي ؟

أضف تعليقك :
الاسم : *
التعليق : *
Keyboard لوحة مفاتيح عربية
ضع الكود الموجود بالصورة : *

مقالات أخرى من " فلاش "

11-3-2015
تراشق بالتصريحات و حرب كلامية بين مندوبة بشار الأسد و المندوب القطري في الأمم المتحدة ( فيديو )
تراشق بالتصريحات و حرب كلامية بين مندوبة بشار الأسد و المندوب القطري في الأمم المتحدة ( فيديو )   عكس ...


11-3-2015
المحيسني لفضل شاكر : كن داعية إلى الله بصوتك و لا تعد إلى مسارح اللهو و الغناء
وجه القيادي السعودي المتواجد في سوريا، عبدالله المحيسني، رسالة إلى الفنان اللبناني، فضل شاكر، الذي كان قد خرج ...


11-3-2015
إتهامات عديدة و حديث عن أدلة موثقة .. المليشيات الكردية تواصل ارتكاب الانتهاكات ضد العرب في سوريا ( فيديو )
تشير أصابع الاتهام والإدانة الموثقة إلى مليشيات كردية بارتكاب انتهاكات بحق عشرات الآلاف من المواطنين العرب في محافظة ...


10-3-2015
اعترف ببناء منشأة غاز في مناطق سيطرة التنظيم .. جورج حسواني ينفي تورطه بشراء نفط لنظام الأسد من تنظيم "داعش"
 نفى رجل الأعمال السوري جورج حسواني اتهام الاتحاد الأوروبي له بأنه اشترى نفطاً للنظام السوري من تنظيم "داعش" ...


10-3-2015
لقاء " سري " بموافقة المخابرات الفرنسية يجمع علي مملوك بـ " موظف فرنسي كبير " في دمشق
قالت وسائل إعلام فرنسية إن لقاء سرياً جمع واحداً من أبرز موظفي وزارة المالية الفرنسية، مع اللواء علي ...


10-3-2015
المعارضة ليست ضد مؤسستي الجيش و الشرطة .. خالد خوجة يهاجم سعي أمريكا لتدريب المعارضين : غير كاف و لا معنى له
قال رئيس الائتلاف السوري خالد خوجة، إن ما يسعى الأميركيون للقيام به لجهة تدريب 15 ألف معارض خلال ...


10-3-2015
قال إنه لم يعتزل و أكد تواجده في سوريا .. جمال معروف : نقاتل من دون تسمية خوفاً من تنظيم القاعدة
دحض جمال معروف قائد «جبهة ثوار سوريا» كل المعلومات التي أفادت باعتزاله العمل العسكري وانكفائه في تركيا منذ ...


10-3-2015
ناشط سوري و عروسه يتبرعون بنفقات حفل زواجهم لإقامة مهرجانات للأطفال المحاصرين من قبل قوات الأسد ( صور )
احتفل الناشط السوري "أحمد أبو الخير" المقيم في مدينة اسطنبول بتركيا بزواجه بإقامة حفلات و مهرجانات للأطفال المحاصرين ...