إعلانات
قصة الضابط "خريستو البلغاري " و ابراهيم هنانو
الاثنين - 4 نيسان - 2011 - 10:23 بتوقيت دمشق
التفاصيل


عندما يُروى تاريخ الثورة في الشمال السوري يُذكر إلى جانب اسم ابراهيم هنانو قائمةٌ طويلة تضم أسماء من ساهموا في كتابة تلك الصحائف المجيدة من تاريخنا الحديث ، لكن اسم خريستو البلغاري يغيب عن تلك القائمة رغم أنه جدير بأن يظهر في سطورها الأولى.

كان خريستو البلغاري ضابطاً برتبة نقيب في الفرقة الأجنبية الفرنسية المرابطة في اللاذقية وهي فرقة كانت توكل إليها أخطر المهام حيث اشتهر أفرادها بالشدة والبطش.

ومن المعروف أنها كانت تتشكل من محاربين غير فرنسيين انتسبوا إليها سعياً وراء المغامرة والدخل الوفير وكان بعضهم يلجأ إلى الانضمام إليها هرباً من أوضاع بلده الأم البائسة أو فراراً من ملاحقة قضائية أو سياسية، وغالباً ما كان أفراد الفرقة يغيرون أسماءهم الحقيقية واضعين ماضيهم برمته خلف ظهورهم.‏

و يذكر أدهم آل الجندي في كتابه "تاريخ الثورات السورية" أن جندياً من أصل بلغاري وقع أسيراً في قبضة ثوار الشمال فانضم إلى صفوفهم بعد أن تفهم غاياتهم وأنه عرض على هنانو أن يتصل بزملائه في الفرقة الأجنبية ويدعوهم للانضمام إلى الثورة فوافق هنانو وأنفذ إلى اللاذقية "هزاع أيوب" وهو أحد معاونيه المخلصين برسالة من البلغاري إلى زميل له هناك .

ويروي "آل الجندي" أن هزاع دخل معسكر الفرقة متنكراً بصفة بائع متجول وهو يسوق حماراً محملاً بالبضاعة لكنه سقط في يد الضابط خريستو الذي شك فيه وحقق معه وكان المترجم بينهما جنديا مغربياً فأقر هزاع بمهمته.

ويضيف آل الجندي أن خريستو قد قرأ رسالة الجندي الذي كان في صفوف هنانو واقتنع بها وقرر أن ينضم بدوره إلى الثوار برفقة تسعة عشر جنديا بلغارياً وجنديين مغربيين.

وقد شدوا الرحال ليلاً بعد أن حملوا بغالهم بما استطاعوا من عدة وذخائر وغذوا السير بدون توقف حتى التحقوا بصفوف هنانو في قرية "قيماس" في الجبل الوسطاني.‏

ولقد قدم خريستو ورجاله خبراتهم العسكرية للثورة و شاركوا في المعارك بشجاعة وأبلوا فيها البلاء الحسن ،وعندما ضاقت الدائرة على هنانو قرر الانسحاب مع صفوة أعوانه إلى شرقي الأردن ليستجمع قواه من جديد .

وعرض على خريستو أن يوصله إلى الحدود التركية حيث يستطيع العودة منها إلى بلاده خشية أن يقع أسيراً في قبضة الفرنسيين فيحاكم بتهمة الخيانة العظمى ويعدم وصحبه ،لكن خريستو رفض العرض وأصر على البقاء مع الثوار إلى النهاية.‏

سلك هنانو في طريقه إلى شرقي الأردن طريقاً يمر بالبادية متجنباً المرور في المدن والحواضر التي كانت تعج بالقوات الفرنسية والأرصاد، لكن ما انتظره هناك كان أدهى وأمر، حيث وقع في كمين نصبته له مجموعة من المرتزقة ، وفي ذلك اليوم ، السادس عشر من تموز عام 1921 وعلى ثرى "مكسر الحصان" ، جرت أشد معارك الثورة السورية إيلاماً حيث سقط أربعون شهيداً هم نخبة ثوار الشمال .

ولم ينجُ من ذلك الكمين سوى هنانو وعشرة من أعوانه تشتتوا في البراري لا يلوون على شيء ، وكان خريستو ورجاله من ضمن الشهداء.‏

استطاع هنانو أن ينجو بنفسه من أيدي مطارديه بفضل مروءة عائلة حمصية كريمة، وأن يصل إلى شرقي الأردن فالقدس حيث اعتقله الإنكليز وسلموه إلى الفرنسيين .‏

يشكل انضمام خريستو وزملائه إلى الثوار ظاهرة جديرة بالدراسة خاصة وأنها لم تكن الأولى من نوعها حيث سبقهم إلى ذلك بلغار وألمان أسرهم الشيخ صالح العلي فانضموا إليه في مقاومته للفرنسيين .

ويذكر آل الجندي أن أولئك الجنود انتقلوا للعمل مع هنانو بعد اضطرار الشيخ صالح إلى التوقف عن النضال المسلح.‏

لم يذكر مؤرخو الثورة السورية عن خريستو إلا النزر اليسير، ولعل السبب في تقصيرهم يرجع إلى غياب المراجع التي قد تكون متوفرة في السجلات الفرنسية حيث يمكن معرفة الأسماء الحقيقية لأولئك البلغار ومعرفة من أين أتوا وتفهم دوافعهم .

مما يبرر الدعوة إلى تأسيس مركز لدراسات التاريخ السوري الحديث تكون مهمته بناء الذاكرة الوطنية على قاعدة ثابتة من الوقائع المثبتة الموثقة وتوجيه الدراسات إلى تلك الزاوية المهملة وأمثالها في تاريخنا.‏

لكن ذلك لا يعفينا من واجب تسليط الضوء على ظاهرة بطولة إنسانية نادرة حين سقط أولئك الأبطال صرعى بعيداً عن بلادهم، دفاعاً عن قضية عادلة لشعب  محتل.

و لم يبتغوا من وراء تلك التضحية العظيمة مغنماً.‏

إنهم جزء ناصع من تاريخنا.‏

المهندس تميم قاسمو


التعليقات :
سعد قيروز
(0)   (0)
انه ابن كفرتخاربم وهذا الامر ليس غريب عن هذه المدينة السحري بطبيعتها انها تنجب لابطال والعظماء عظيمة انت يابلدي ابن كفرتخاريم البار
متابع
(0)   (0)
شكرا على هذه المعلومة الجديدة والقيمة
محشش من حلب
(0)   (0)
معلومات قيمة و إن دلت على شيء فهي تدل على أن قضايانا هي قضايا حق و يحزننتي الآن تكالب الدول العربية فليقتدي بندر بن **** بخريستو المناضل. رحم الله خريستو و أصدقاءه و طبعا سيد شهداء سوريا ابراهيم هنانو
علي
(0)   (0)
لازم يكون في عنا كتير شغلات مو بس مركز دراسات انشاء الله سورية رح تصير احلا بقوة قائدها وعمل شعبها
متشائل
(0)   (0)
شكراً للأستاذ تميم قاسمو
زهرة
(0)   (0)
شكراً للأستاذ تميم قاسمو
رائد87
(0)   (0)
شكرا على الافادة
عبد الكريم نيربي
(0)   (0)
لو بحثنا في تاريخنا لوجدنا الكثير من المواقف المشرفة للإنسانية جمعاء
وهنا لا ننكر الموقف العظيم لخريستو البرتغالي ولكن أنا أقول إن من يطلع على الواقع السوري من سابق الأزل حتى الأن يرى بأن سورية هي دولة مقاومة وتقاوم لتدفع عن نفسها القتل والدمار ولتحافظ على أرضها وحقوقها ومكانتها
ومن هذا الخبر ينعكس إلينا الواقع الذي تتكالب فيه أعداء سورية الحبيبة على النيل من وحدتها وسلامة أراضيها. سلم الله وطننا وحمى سوريا الحبيبة وقائدها العظيم الدكتور بشار الأسد
أبو ثائر
(0)   (0)
لقد عودتنا سوريا دائما بأنه رحم الأبطال ومقبرة للغزاة، لنبدأ معا أيها الشعب العظيم يدا بيد مع قائدا الأسد لنكون شوكة في حلق جميع الحاقدين ولنبني سوريا الحديثة ولنتغلب على كل الفتن التي تستهدفنا شعبا وقائدا
مرهف شيخ الحدادين
(0)   (0)
سورية بلد الأبطال والبطولات سلم الله لنا هذا الوطن الغالي وقائده المعطاء >سوريا الله حاميها<
حلبي ختيار
(0)   (0)
الرواية صحيحة بالتأكيد حيث انني سمعتها من أحد اقرباء زوجتي من آل الدويدري من أهالي مدينة ادلب منذ اكثر من خمسين سنة والراوي لهذه القصة وغيرها ايضا اسمه اما وحيد دويدري أو حسيب باعتباره من رفاق ابراهيم هنانو
\ محمد مهند بري \ أبو نصر \ من حلب \
(0)   (0)
من الثوار و كيف تكون الثورة الثورة ليست ان يقوم ابناء الوطن بتخريب و طنهم و او قتل مواطنيهم فالذي يخرب وطنه ويقتل ابن وطنه هو خائن عميل
رحمك الله يا ابراهيم هنانو ما كان يريد في ثورته الا الدفاع عن الوطن و الكرامة و العزة و هذا أعرفه ليس من الكتب و المحطات المضللة فإن جدي \ فارس البري \ رحمه الله كان من الكتلة الوطنية و كان جدي يحدثنا عن البطل ابراهيم هنانو و عن شجاعته و يحدثنا كيف حضر تشييع جدي فارس و كيف قال لجدي عبد المجيد يا أبو فارس أبوك لم يمت و اعتبرني مثل عمك و أنا معك يا ابن اخي
رحمهم الله الان اصبحوا كلهم بديار الرحمن
أضف تعليقك :
الاسم : *
التعليق : *
Keyboard لوحة مفاتيح عربية
ضع الكود الموجود بالصورة : *

مقالات أخرى من " ع البال "

24-1-2015
" برغر كينغ " ترفض تعويض الطفل السوري الذي ضربه أحد مدرائها في اسطنبول .. و الأخير يحاول إسكات والد الضحية بـ 100 ليرة !
رفضت الشركة التي تمتلك ترخيص سلسلة مطاعم "بيرغر كينغ" في تركيا تعويض الطفل السوري الذي تعرض للضرب على ...


15-4-2013
بعد ظهوره في "أراب آيدول".. صفحة إخبارية "مخابراتية" تهدد عائلة الفنان عبد الكريم حمدان
  نشرت صفحة إخبارية مؤيدة للنظام السوري على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" منشوراً هدّدت فيه الفنان عبد الكريم ...


7-6-2012
عرض أول جهاز أنتجته شركة أبل للبيع
أعلنت دار "Sotheby" للمزادات عن نيتها طرح أول جهاز كمبيوتر أنتجته شركة أبل للبيع في مزاد يُقام في ...


3-11-2011
حديقة العزيزية (مرعي باشا الملاّح) والحديقة العامة بحلب
تمهيد: إنّ التقرير الذي قدّمه الى المجلس البلدي بحلب المهندس الاستشاري شارل غودار، عضو المجلس البلدي ومدير سكة حديد ...


28-9-2011
زقاق الأربعين ووثيقة آل دلاّل و الشاعر جبرائيل دلال (1836 – 1892) من أوائل شهداء الحرية
في محاولة لربط الزمان بالمكان وبالحدث الذي يفعّله الإنسان سنحاول ان ننقل خطواتنا في النصف الثاني من القرن ...


18-8-2011
سر البيلون الحلبي
كتب المرحوم الدكتور عبد الرحمن الكيالي مقالة في مجلة الحديث الحلبية تساءل فيها : هل كلمة ( بيلون) ...


13-8-2011
صناعة صابون الغار في حلب تلفظ أنفاسها الأخيرة
في عام 1999 ظهرت المواصفة القياسية السورية لصابون الغار ، التي حددت نسبة زيت المطراف فيه بخمسين بالمئة ...


10-8-2011
عيدو السواس و عيدو التنكجي مؤسسا فرقة نجمة سورية أول فرقة مسرحية بحلب
نشر الاستاذ  أحمد نهاد الفرا مقالة مطولة في مجلة العمران  (التي كانت تصدر عن وزارة البلديات فترة الوحدة ...