إعلانات
لماذا الخيار بين داعش و بشار ؟
السبت - 21 شباط - 2015 - 17:28 بتوقيت دمشق
التفاصيل

 

خطأ كبير يقع فيه كثير من المثقفين والمثقفات عندما يعتقدون بأنهم ملزمون بأن يقفوا؛ إما مع الشرير أو مع من هو أشد شراً، هذا إذا اعتبرنا أن هناك فرقاً. الأمر ينطبق -تماماً- على تنظيم داعش والنظام السوري اللذين لا أرى أن كليهما يستحق الوقوف معه؛ فكلهم طغاة قتلوا أبرياء، وليست المحصلة بانتصار أحدهما ستكون إيجابية بأي حال من الأحوال.

بعد الحرب العالمية الثانية نشبت الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفياتي، وهي معركة شرسة استخدمت فيها الدولتان كل الأسلحة الفتاكة (حروباً بالنيابة، إذ لم يحاربوا بعضهم بعضاً قط) والمناورات الاستخبارية والغزو الثقافي والدعم الاقتصادي، وكلنا يعلم النتيجة التي منيت بها الدولة السوفياتية بهزيمة ساحقة لأسباب كثيرة. منها: أنها كانت تهتم بالخارج على حساب الداخل. والعامل الآخر هو: أن ثرواتها الطبيعية لم تكن لتجاري القوة الاقتصادية الهائلة لأميركا، فأصبحت القضية بينهما عض أصابع بعض لم يتحملها الجانب السوفياتي.

ماذا كان دور العرب دولاً وشعوباً؟ كالعادة كان هناك تناقض تام ما بين الدول العربية، وكذلك في داخل الدول نفسها من تأييد للأميركان أو السوفيات، طبعاً انهيارُ السوفيات عجل بانهيار الأحزاب الشيوعية العربية أو أضعفها تماماً.

هذا يقودنا إلى السؤال في أعلى المقالة: لماذا كان على الجميع الخَيَار؟ لماذا لا نتعود على أن نكون محايدين؟ وبدلاً من مساندة طرف ضد آخر نبحث عن مصالحنا في المقام الأول؟
المثير للحيرة أن العرب بشكل ما اشتركوا في كل معضلات القضايا الدولية الراهنة، من فلسطين المحتلة -وهذا شيء مسلَّم به- إلى الأزمة اللبنانية والليبية واليمنية والتونسية والمصرية والسورية والعراقية والأوكرانية، ناهيك عن الانخراط الفعلي كما في سورية.

السعوديون جزء من العرب، وهو -للأسف- جزء مسهم وبقوة من خلال هذه الحماسة المنقطعة النظير لبعض شبابه، إن لم نقل أطفاله الذين يلجأون إلى «داعش» و«القاعدة» و«النصرة»، إذ يصبحون في فم المدفع؛ فيزج بهم في المهمات القذرة، التي تتطلب تفجيراً انتحارياً في عزاء أو مجمع تجاري أو حفلة عائلية، بدعوى أن هذا هو مفتاح الجنة.

ومن المؤكد أن كثيراً من السعوديين يتذكر التجربة الأفغانية، عندما ذهب كثير من شبابنا بدعوى الجهاد ضد السوفيات.. فماذا كانت النتيجة؟ كثير منهم قد قتل في هذه المعارك، وبعضهم استمر في أفغانستان بعد تحريرها وانخرط في الحرب الأهلية، التي دارت بين مسلمين ومسلمين، فيما عاد معظم البقية وهم محملون بسموم الإرهاب، وبدلاً من أن يضعوا خبراتهم العسكرية في خدمة وطنهم، حولوها إلى قنابل متفجرة ضد الأبرياء من مواطنيهم.

وإذ إن هناك نوعاً من التماهي معهم في البداية؛ بحكم أنهم أبناؤنا المجاهدون، فإن طريقة التعامل معهم لم تقدر خطورة ما يحملونه من أفكار، ولاسيما أن هناك من يوجههم من مريدي الداخل للأسف الشديد. وهنا اختلط الحابل بالنابل، وأصبح التحريض والتكفير وبث الكراهية ونشر الطائفية شيمتهم، وليس من العيب أن نعترف بقصور في التعامل وتقدير خطورة هذا التيار بعد أن وقع الفأس بالرأس، وعموماً أن تأتي متأخراً خيراً من أن لا تأتي أبداً.

مرة أخرى، دعونا نعود ونتصور أن النظام السوري انتصر في معركته الطويلة -على افتراض أننا تجاهلنا أن النظام له أعداء من تيارات مختلفة-، فهو سيبدأ ببناء البلد مرة أخرى، وكيف سيبنيه، وهو قد زرع الدماء في كل بيت في سورية؟ من أين له المادة، وهو قد استنزف كل الأموال السورية في حربه المجنونة؟ كيف سيصنع الثقة التي هدمها في نفوس المواطنين السوريين؟ كيف سيتعامل مع العرب والعالم، وهو الذي يعتبر نظاماً فاشياً لن يعترفوا به؟

في المقابل، الوقوف مع «داعش» و«النصرة» و«القاعدة» جنون رسمي، لا يعمله إلا معدومو الضمير والإنسانية ومدعو الدين، فضلاً عن أنهم أصبحوا -الآن- أدوات تُستخدَم للهدم والتنكيل وتمزيق الأمة العربية، وفي الأخير لن يسمح لهم أحد بالانتصار، فهم كمسمار جحا يتم بهم ترهيب الآخرين.

من الطبيعي أن يتساءل بعضنا عن البديل؟ أعتقد بأن دعم التيار المعتدل في سورية هو الحل الوحيد، على رغم ضعفهم العسكري، إلا أنهم يمثلون ما يريده الشعب السوري الأبي.

 

أحمد حناكي - الحياة


أضف تعليقك :
الاسم : *
التعليق : *
Keyboard لوحة مفاتيح عربية
ضع الكود الموجود بالصورة : *

أخبار أخرى من " مقالات وآراء "

11-3-2015
الأسد بمساعدة حلفائه .. يبدو أنه باق !
يبدو ان فرص نجاة بشار الاسد من الازمة السياسية سالما باتت أكبر من أي وقت مضى منذ بدئها ...


11-3-2015
سوريا .. لا حل إلا هذا الحل !
  يتحاشى الذين يروِّجون لضرورة الانفتاح على بشار الأسد ونظامه، وعددهم قليل على أيِّ حال، تذكُّر أن قرار دمشق ...


10-3-2015
هل علينا التصالح مع الأسد ؟ !
مع ارتفاع وتيرة قتال الإيرانيين وحلفائهم إلى جانب قوات نظام الأسد، وتولي الإيرانيين أيضا قيادة حروب القوات العراقية ...


8-3-2015
أضعف الإيمان .. إسقاط الدولة السورية !
تصريحات الغربيين في الخلاص من النظام السوري تبدلت. الارهاب في سورية عاود صوغ المشهد. بعض الدول الاقليمية بات ...


7-3-2015
سياسة شرق أوسطية جديدة من دون الإخوان
لم أطلع على محضر اجتماعات العاهل السعودي بالرئيسين التركي والمصري، ولكني مستعدّ لأن أجزم بأن «الإخوان المسلمين» لم ...


7-3-2015
أميركا و الخليج .. من طمأن الآخر ؟
قراءة التصريحات السعودية، على لسان وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، وتصريحات نظيره الأميركي جون كيري، حول إيران، تقول ...


7-3-2015
هل الاحتلال الداعشي حرام و الاحتلال الإيراني حلال ؟
كي لا يحاول أحد أن يصطاد في الماء العكر من مجرد قراءة عنوان المقال، سنقول: تصدوا كما تشاؤون ...


6-3-2015
هل تدعم الإمارات بقاء نظام " الأسد " في حكم سوريا ؟
ربما تكون القضية الأقل خلافا بين دول المنطقة وفي مقدمتها تركيا وقطر من جهة والسعودية والإمارات وبقية دول ...


6-3-2015
من يخشى من تغير السياسة السعودية ؟
أصبحت مسألة تغيّر السياسات السعودية حيال المشاكل التي تعاني منها منطقة الشّرق الأوسط، من أهم المسائل التي تتداولها ...


4-3-2015
مخاوف من صفقة " أميركية - إيرانية " !
أي اتفاق بين الدول الست وإيران حول ملفها النووي إذا تم رغم الصعوبات التي ما زالت موجودة بالنسبة ...


3-3-2015
سورية ولاية إيرانية ؟
بدأ نظام الملالي في إيران مدّ جذوره الطائفية نحو سورية، إذ استطاع أن يتحكّم بمفاصل حياة السوريين اليومية، ...


3-3-2015
الأزمة السورية إلى حل سياسي
رفض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وصف موقف مصر من الأزمة السورية بالحياد. وهو قال في حواره مع «الشرق ...


3-3-2015
آخر مسيحي في الشرق الأوسط
يبدو السؤال مشروعا ومنطقيا وواقعيا حين يطرح: هل نحن نعيش حقبة تفريغ الشرق الأوسط من سكانه وأهله وشعبه ...


3-3-2015
خياران كلاهما سهل
في الأسابيع الماضية استقبلت الرياض عددا قياسيا من زعماء العرب والعالم. سواء كانت الغاية للتعزية أو للتهنئة، لم ...


1-3-2015
فشل دي ميستورا
المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا نجح في شيء واحد فقط، زيادة غضب أغلبية الشعب السوري. بدأ ...


1-3-2015
الحل في سوريا أكبر من الأسد و خصومه
عندما أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أخيراً، أن بشار الأسد «جزء من الحل» في سوريا، ...