إعلانات
على مرمى قذيفة من " تل أبيب " .. خطيئة الثورة
الخميس - 12 شباط - 2015 - 19:22 بتوقيت دمشق
التفاصيل


لا جواب قاطعاً، حتى الآن، عن التساؤل المر، في شأن التنسيق العسكري بين التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، والنظام السوري برئاسة بشار الأسد. هناك تسريبات وقرائن ومؤشرات، تكشفها دمشق وتنفيها واشنطن، لتضع المعارضة السورية، المعتدلة، والمتشددة، والمتراخية، في حيص بيص، بل في ما هو أكثر إثارة للحيرة، إزاء حقيقة خارطة الصراع المحتدم، ومستقبله.

لدى المعارضة المصرية، أيضاً، شكوك ليست أقل دلالة، مؤداها أن انقلاب الجنرال عبد الفتاح السيسي على الرئيس المنتخب، محمد مرسي، ربما جاء بتنسيق مع الاستخبارات الأميركية، وحتى الإسرائيلية، قبل أن يشهد العالم هذا التسامح المريب، في الغرب، مع جرائم القتل الجماعية التي ما انفك يرتكبها عسكر مصر بحق المتظاهرين السلميين. وفي اليمن، لم يعد خافياً تخاذل المجتمع الدولي، وعلى رأسه إدارة الرئيس باراك أوباما، حيال خطوات الانقلاب الحوثي، المنفلتة من كل عقال. كما لم يعد خافياً، في الوقت نفسه، تواطؤ العالم الذي يسمي نفسه الحر مع سعي ربيب واشنطن، الجنرال خليفة حفتر، إلى تكرار نموذج الانقلاب المصري، بالقوة العسكرية، وبتأييد سافر، من السيسي ومؤيديه.

ماذا تبقى، إذن، ليرى كل من يريد أن يرى أن خطيئة ثورات الربيع العربي كانت في الرهان على الولايات المتحدة، باعتبارها قوة داعمة لشعارات الحرية، ولكرامة الشعوب، ولحقوق الإنسان؟ قد يحاول بعضنا تفسير الموقف الأميركي، بإعادته إلى شخصية أوباما نفسه، بوصفه رئيساً ضعيفاً، ولا يهمه شيء، كمثل همه بأن يكمل مدة رئاسته الثانية، متجنباً خوض أي حرب تكلف بلاده مزيدا من الدم والمال، فوق ما تكبدته في عهود الإدارات السابقة. 


لكن هذه الرؤية، ودونما انتقاص من صدقيتها، تظل غير كافية، ما لم تقترن، أصلاً، بضرورة الانتباه إلى أن الحديث يدور عن الولايات المتحدة الأميركية، لا عن إحدى ديكتاتوريات العالم الثالث التي يحكم فيها الرئيس الملهم، ويرسم، ويتخذ ما شاء من قرارات، دونما اعتبار لأحد، في البلاد، سواه. هنا ثمة مؤسسات، هي التي تدرس وتبحث، وتقرر ما تعتقد أنه يحقق مصالح الدولة الكبرى في العالم، وما على سيد البيت الأبيض سوى الإخراج والتنفيذ. أضف إلى ذلك، أننا لو عدنا في التاريخ قليلاً إلى الوراء، لرأينا كيف ظلت المصالح الأميركية تقتضي، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، على الأقل، نصرة الأقوياء على الضعفاء، والأنظمة القمعية المستبدة على الشعوب المقهورة، والمستعمِرين على المستعمَرين.

كان منطقياً، في معادلة دولية كهذه، أن تقف واشنطن، ابتداء، مع الرئيس زين العابدين بن علي ضد الثورة التونسية، ومع الرئيس حسني مبارك ضد الثورة المصرية، غير أن موقفها المفاجئ ضد حليفها في تونس، ثم نظيره في القاهرة، على التوالي، أشاع جواً من الأوهام، في البلدين، كما في بقية بلدان الربيع العربي، فصار التدخل الدولي (الأميركي) مطلباً للثورة الليبية، وشعاراً للثورة السورية، وإلى حد ما اليمنية، بعدما حالت الآلة العسكرية، في البلدان الثلاثة، دون نجاح الشارع في إسقاط رؤسائها بالوسائل السلمية.

وإذ دار الزمان دورته، الدامية والطويلة، ما زال بيننا، للأسف، من يعلل النفس بوهم التدخل الدولي (الأميركي) لصالح شعوب المنطقة، حتى بعدما صمت العالم، ولا يزال، على استخدام السلاح الكيماوي في ريف دمشق، وعلى ارتكاب المذابح في رابعة القاهرة. ثمّة من لا يريد أن يفهم أن التغيير الديمقراطي غير مسموح، في العواصم التي تقع تل أبيب على مرمى قذيفة منها، وأن ذاك، تحديداً، ما يفسر اطمئنان الأسد، بعدما دمر سورية، وقتل وشرد نصف شعبها، كما يفسر اطمئنان السيسي، حين يرافق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى حفل أوبرا، بينما يرتكب رجال أمنه مذبحة مروعة عند ملعب لكرة القدم.


ماجد عبد الهادي - العربي الجديد


أضف تعليقك :
الاسم : *
التعليق : *
Keyboard لوحة مفاتيح عربية
ضع الكود الموجود بالصورة : *

أخبار أخرى من " مقالات وآراء "

11-3-2015
الأسد بمساعدة حلفائه .. يبدو أنه باق !
يبدو ان فرص نجاة بشار الاسد من الازمة السياسية سالما باتت أكبر من أي وقت مضى منذ بدئها ...


11-3-2015
سوريا .. لا حل إلا هذا الحل !
  يتحاشى الذين يروِّجون لضرورة الانفتاح على بشار الأسد ونظامه، وعددهم قليل على أيِّ حال، تذكُّر أن قرار دمشق ...


10-3-2015
هل علينا التصالح مع الأسد ؟ !
مع ارتفاع وتيرة قتال الإيرانيين وحلفائهم إلى جانب قوات نظام الأسد، وتولي الإيرانيين أيضا قيادة حروب القوات العراقية ...


8-3-2015
أضعف الإيمان .. إسقاط الدولة السورية !
تصريحات الغربيين في الخلاص من النظام السوري تبدلت. الارهاب في سورية عاود صوغ المشهد. بعض الدول الاقليمية بات ...


7-3-2015
سياسة شرق أوسطية جديدة من دون الإخوان
لم أطلع على محضر اجتماعات العاهل السعودي بالرئيسين التركي والمصري، ولكني مستعدّ لأن أجزم بأن «الإخوان المسلمين» لم ...


7-3-2015
أميركا و الخليج .. من طمأن الآخر ؟
قراءة التصريحات السعودية، على لسان وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، وتصريحات نظيره الأميركي جون كيري، حول إيران، تقول ...


7-3-2015
هل الاحتلال الداعشي حرام و الاحتلال الإيراني حلال ؟
كي لا يحاول أحد أن يصطاد في الماء العكر من مجرد قراءة عنوان المقال، سنقول: تصدوا كما تشاؤون ...


6-3-2015
هل تدعم الإمارات بقاء نظام " الأسد " في حكم سوريا ؟
ربما تكون القضية الأقل خلافا بين دول المنطقة وفي مقدمتها تركيا وقطر من جهة والسعودية والإمارات وبقية دول ...


6-3-2015
من يخشى من تغير السياسة السعودية ؟
أصبحت مسألة تغيّر السياسات السعودية حيال المشاكل التي تعاني منها منطقة الشّرق الأوسط، من أهم المسائل التي تتداولها ...


4-3-2015
مخاوف من صفقة " أميركية - إيرانية " !
أي اتفاق بين الدول الست وإيران حول ملفها النووي إذا تم رغم الصعوبات التي ما زالت موجودة بالنسبة ...


3-3-2015
سورية ولاية إيرانية ؟
بدأ نظام الملالي في إيران مدّ جذوره الطائفية نحو سورية، إذ استطاع أن يتحكّم بمفاصل حياة السوريين اليومية، ...


3-3-2015
الأزمة السورية إلى حل سياسي
رفض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وصف موقف مصر من الأزمة السورية بالحياد. وهو قال في حواره مع «الشرق ...


3-3-2015
آخر مسيحي في الشرق الأوسط
يبدو السؤال مشروعا ومنطقيا وواقعيا حين يطرح: هل نحن نعيش حقبة تفريغ الشرق الأوسط من سكانه وأهله وشعبه ...


3-3-2015
خياران كلاهما سهل
في الأسابيع الماضية استقبلت الرياض عددا قياسيا من زعماء العرب والعالم. سواء كانت الغاية للتعزية أو للتهنئة، لم ...


1-3-2015
فشل دي ميستورا
المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا نجح في شيء واحد فقط، زيادة غضب أغلبية الشعب السوري. بدأ ...


1-3-2015
الحل في سوريا أكبر من الأسد و خصومه
عندما أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أخيراً، أن بشار الأسد «جزء من الحل» في سوريا، ...