هجمات تحالف النظام : من بر حوران إلى حلب
حملت الأسابيع القليلة الماضية تطورا، ربما كان بين أبرز تطورات الصراع المسلح في سوريا في العامين الأخيرين، تمثل في الهجوم المتعدد الجبهات الذي شنه نظام الأسد وحلفاؤه ضد تشكيلات المعارضة السورية المسلحة. ففي وقت متقارب شنت قوات النظام، بمشاركة قوات من حزب الله اللبناني وقوات إيرانية من الحرس الثوري الإيراني، هجوما واسعا باتجاه الجنوب السوري، شاملة مناطق من محافظتي القنيطرة ودرعا، وتزامن الهجوم مع حملة عسكرية واسعة، شنتها قوات الأسد مع ميليشيات حزب الله على مدينة حلب ومحيطها، ولا سيما الشمالي منها، وترافق الهجومان مع استمرار حرب النظام على ريف دمشق، وخاصة في الغوطة الشرقية، التي لم تقتصر الحرب عليها على غارات الطيران، ولا سيما على مدينة دوما القريبة من دمشق، إنما شملت عمليات القصف الصاروخي والمدفعي إضافة إلى هجمات أرضية جرى القيام بها، ولا سيما على محور جوبر شرق – شمال دمشق.
الهدف الرئيسي لهجمات النظام كان تحقيق مكاسب استراتيجية كبيرة على كل الجبهات في آن معا من خلال تقدم قواته مع حلفائه عبر تخطيط مسبق، كشفت عنه تصريحات متطابقة في تحالف النظام مع إيران وحزب الله، وعبر مشاركة قيادات من الأطراف الثلاثة، أبرزهم قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني وأحد أبرز الإيرانيين الذين يتابعون الملف السوري.
أما الأهداف الصغرى لهجمات النظام وحلفائه، فكان بينها إعادة السيطرة على بعض المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، وخاصة في الفترة الأخيرة، حيث سيطرت تشكيلات المعارضة المسلحة على مواقع جديدة في القنيطرة ودرعا في الشهرين الأخيرين، أبرزها الشيخ مسكين، وهي مدينة استراتيجية وسط محافظة درعا، واللواء 82 من قوات الدفاع الجوي، وكلاهما من المواقع الأكثر أهمية في الجنوب، والسيطرة عليهما بين عوامل تنذر بإمكانية قيام قوات المعارضة بعزل بعض قوات النظام في المنطقة والسيطرة على مواقع تمركزها، ويفتح باب التحرك إلى جنوب دمشق.
كما كان بين الأهداف تحقيق سيطرة في حلب ومحيطها، تزامنا مع إعلان النظام موافقته على خطة المبعوث الأممي دي ميستورا وقف القتال في حلب، وفي كل الجبهات، كان ثمة هدف مشترك للهجمات، وهو إيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف تشكيلات المعارضة المسلحة، وإلحاق مزيد من الدمار والقتل في صفوف السوريين في المناطق المستهدفة من الجنوب إلى الوسط وصولا إلى الشمال، وهذا ما تؤكده طبيعة عمليات القصف الجوي والصاروخي على تلك المناطق، ومنها مدينة دوما، التي سقط فيها وحدها مئات الضحايا أكثرهم من المدنيين في هجمات أسبوع واحد.
وراء تلك الأهداف، تم تنسيق الهجمات في قيادة تحالف النظام مع الإيرانيين وحزب الله، وتم تسيير القوات المتحالفة وسط ضجيج إعلامي مرافق على الجبهات كافة، في ظل تقديرات أن انتصارات سوف تتحقق، وأنه سيتم تحقيق الأهداف الرئيسية في ظل أوضاع صعبة تعانيها التشكيلات المسلحة للمعارضة، أبرزها خلافات وصراعات فيما بينها، ونقص في الأسلحة والذخائر والتموين في الشمال، كما في الجنوب، في وقت يواجه فيه ريف دمشق والغوطة الشرقية حالة حصار من جانب قوات النظام، وكله وسط بيئة حاضنة، تعاني مشكلات سياسية وأمنية ومعيشية في المناطق الخارجة عن النظام، وفي ظل محيط إقليمي ودولي فقد الاهتمام بالقضية السورية وانشغل بموضوعات ذات أهمية أكبر، أبرزها الحرب على الإرهاب والتطرف، وقد راوح امتداده بين بلدان أوروبا وشمال أفريقيا.
في مسارات هجوم تحالف النظام، حققت قوات التحالف مكاسب أولى، لكن النتائج سرعان ما أخذت تتغير على الأرض، وباستثناء صمود الغوطة الشرقية في وجه الهجوم كما في مثال دوما وجوبر، فقد تم رد قوات التحالف على الجبهة الجنوبية في محاور عدة، وإخراجها من مناطق سيطرت عليها بصورة مؤقتة بعد أن تم إيقاف الهجوم، وتم تكبيد قوات الأسد والإيرانيين مئات القتلى والجرحى، وجرى أسر عشرات من عناصر التحالف، وتكرر الأمر على النحو ذاته في حلب ومحيطها، فتمت استعادة قرى ريتان وحردينين، وباستثناء مئات من قتلى التحالف وجرحاه، تم أسر عشرات من مقاتلي النظام وحزب الله.
لقد تحددت ملامح هجمات النظام وحلفائه في الجبهات الثلاث من خلال النتائج الأولية في إفشال أهداف الهجمات الرئيسية وما تبعها من أهداف. لكن العمليات العسكرية ما زالت قائمة، لأن تحالف النظام مصرّ على الإيحاء بأن المعركة مستمرة، ونتائجها النهائية لم تحسم بعد، الأمر الذي سوف يترتب عليه مرور وقت قبل توقف الهجمات في الجبهات كلها، وتتم العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل الهجمات الأخيرة.
فايز سارة – الشرق الأوسط
[ads3]