سيجار لأمراء الحرب .. و علف لسكان الغوطة !

«سيجار بمواصفات عالمية»، آخر الإغراءات التي تعرضها الحكومة السورية على رجال الأعمال «المنشقين» للعودة من خارج البلاد وعلى «امراء الحرب» مكافأة على صمودهم في الداخل، لكن ما يُعكر هذا «العرض» تزامنه مع روايات الخارجين من حصار غوطة دمشق من انهم كانوا يقتاتون من «الشعير وعلف البقر»… وأن اسنانهم نخرها السوس من قلة الطعام وليس التدخين وسط تحذير اممي من تفشي مرض الكوليرا.

وكانت «الوكالة السورية الرسمية للأنباء» (سانا) نقلت عن المدير العام لـ «المؤسسة العامة للتبغ» نادر عبدالله قوله قبل يومين ان المؤسسة الحكومية «طورت تجربة بدائية لصناعة السيجار» وإن «النتائج المشجعة دفعتها للبدء منذ مطلع السنة بتجهيز مصنع لهذا النوع من المنتجات الجديدة»، لافتاً الى انه مع بداية آذار (مارس) المقبل الذي يصادف منتصفه بدء السنة الخامسة لـ «الأحداث» ستنطلق المؤسسة بإنتاج عشرة آلاف «اصبع من السيجار المطابق للمواصفات العالمية».

«اصبع السيجار» هذا، كما اكد «السيد المدير العام» سيكون «من قياس 13 سنتيمتراً، وهو الأكثر رواجاً في العالم». لكن الأهم ان «صاروخ التبغ» هذا سيحمل «الرموز الوطنية»، اذ انه لن يكون تقليداً لسيجار الرفيق فيديل كاسترو بل سيحمل «شعاراً (لوغو) جديداً يضم اوراق التبغ ورأس النسر» الذي يشكل رمزاً وطنياً لكل المؤسسات العسكرية والمدنية في البلاد، على ان يُكرم «الإصبع» الى جانب رفاقه في «عبوات خشبية مرمزة بأبجدية أوغاريت» التي تعتبر واحدة من اقدم الأبجديات الكاملة وكشفت انقاضها في تل رأس شمرا في اللاذقية.

هذا ليس كل شيء، بل ان السوريين خصوصاً «امراء الحرب» الذي قفزوا بسرعة خيالية مالياً واجتماعياً خلال السنوات الأربع الأخيرة مستفيدين من اعمال السمسرة على حواجز التفتيش وصفقات الالتفاف على العقوبات، موعودون بـ «مكافأة» اخرى تعزز «الرفاهية»، اذ ان المؤسسة الحكومية قررت ايضاً تصنيع «مادة المعسل» للنراجيل (الشيشة)، بل ان المدير وعد «الجماهير» بأن هذا المعسل سيكون «عالي الجودة وبنكهات عدة خصوصاً نكهة التفاحتين».

وبالتوازي مع «اصابع السيجار» و «معسّل التفاحتين»، وعد عبدالله، بالعمل على «اعمار ما دمره الإرهابيون في شكل ممنهج»، غير ملتف إلى «تآمر» تقرير بثته وكالة «فرانس برس» اول امس من مركز للإيواء أقامته «وزارة المصالحة الوطنية» في حي قدسيا في دمشق، حيث كانت الوجوه حزينة وهزيلة وشاحبة… «من قلة تدخين السيجار»!.

وروى أصحابها قصصاً لا تصدق عن الجوع والحرمان على مدى حوالى سنة ونصف السنة من العيش في غوطة دمشق تحت الحصار على مرمى حجر من «مقر» المؤسسة العامة للتبغ.

«ابو علي» (52) كان يستيقط فجراً مع ابنته ليبحثا في اكياس القمامة عن اوراق خس، وليس تبغاً، أو أي شيء يمكن أن يسدا به جوعهما، فيما قالت سلمى (35 سنة) انها لم تر البندورة (طماطم) والبطاطا لأكثر من عام. وروى سالم القادم من بلدة دير العصافير ان العلف والشعير فُقدا في آخر فترة لإقبال الناس على أكلهما. وعندما انتقل من عالم الموت في الغوطة الى دنيا الحياة في دمشق، لم يعد يهتم المحاصرون سوى بربطة الخبز والدفء.

ومزيداً من «التآمر» على مشروع «السيجار ذي المواصفات العالمية»، فإن منظمة الصحة العالمية حذرت امس من تفشي الكوليرا بعد رصد 31460 حالة التهاب كبد، فيما افيد بوجود 12.2 مليون سوري في حاجة ماسة للمساعدة، بينهم 2.7 مليون يعيشون تحت رعاية «داعش» و4.8 مليون في مناطق اخرى «يصعب الوصول اليها».

ولا شك في أن الـ 12 مليون مهجر بينهم حوالى اربعة ملايين لاجئ خارج البلاد ومليون قتيل وجريح، سيكونون ضمن السوق المستهدفة لـ «مؤسسة التبغ» باعبتار ان السيجار مخصص لـ «التصدير للأسواق العالمية والاستهلاك المحلي». لم لا؟!. إذا لم يجد السوريون الخبز والمازوت والدواء، فليدخنوا السيجار. ألم تقل ملكة فرنسا ماري انطوانيت خلال الثورة الفرنسية في نهاية القرن التاسع عشر: «إذا لم يكن هناك خبزٌ للفقراء، دعهم يأكلوا الكاتو (كعك)».

ابراهيم حميدي – الحياة

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها