الشرق الأوسط : دي ميستورا ” محبط ” من الزيارة الأخيرة لسوريا .. و فرنسا تريد منه حلاً شاملاً على أساس جنيف

كثيرة نقاط التباعد بين باريس ومبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا الذي زار العاصمة الفرنسية أمس والتقى وزير الخارجية لوران فابيوس للبحث فيما آلت إليه الأزمة السورية ومقترحاته لتجميد القتال في مدينة حلب، ليكون نقطة بداية يبنى عليها للتوصل إلى اتفاقات ميدانية أخرى وتمهيد الأجواء للعودة إلى الحوار السياسي.

وقد كان لافتا أن باريس لم تنتظر هبوط طائرة الدبلوماسي السويدي – الإيطالي على أراضيها لنسف مقترحاته، الأمر الذي تكفل به أول من أمس سفيرها لدى الأمم المتحدة فرنسوا دو لاتر، الذي «شكك» في نجاح خطة دي ميستورا «كمقدمة لتسوية سياسية للنزاع».

وقال دولاتر: «اليوم، نحن نشكك في قدرة ستيفان دي ميستورا على أن يحقق في حلب ما يتمناه لكي يبني عليه آفاقا سياسية، فهذا الهدف يبدو من الصعب تحقيقه».

واستشهد السفير الفرنسي بما سماه «سابقة حمص» وبرفض النظام السوري قبول «شروط مبدئية لاتفاق تجميد المعارك توافق عليه جميع الأطراف»، وشكك خصوصا بـ«إرادة النظام» الجدية في وقف القصف وعدم اغتنام فرصة تجميد القتال لتحقيق مكاسب عسكرية، على غرار ما فعله في السابق.

من جانبها، شددت الخارجية الفرنسية بلسان الناطق باسمها، قبل لقاء فابيوس – دي ميستورا، على الحاجة لـ«إيجاد حل دائم» للأزمة السورية، ما يعكس ضمنا تحفظ باريس إزاء الحلول المجتزأة. وقال رومان نادال إن «الحل السياسي الشامل وحده يمكنه معالجة التداعيات الإنسانية لأزمة سوريا والمنطقة، وكذلك التداعيات المرتبطة بالتهديد الإرهابي الذي غذته 4 سنوات من الصراع» في سوريا. كذلك، أكد نادال على دعم بلاده لجهود المبعوث الدولي للتوصل إلى اتفاق سياسي أساسه بيان جنيف.

ولا يتوقف التباعد بين باريس ودي ميستورا عند هذا الحد، بل يتخطاه للتصور الأساسي للحل في سوريا ولموقع النظام ودوره. وفيما تستمر باريس في اعتبار النظام و«داعش» «وجهين لعملة واحدة» وفق تعبير دولاتر، أو النظر إلى بشار الأسد على أنه «جزار شعبه»، بحسب تعبير رئيس الحكومة مانويل فالس، وبالتالي فإنه «جزء من المشكلة»، فإن دي ميستورا يعلن جهارا أنه «جزء من الحل».

وكشفت ردود فعل المسؤولين الفرنسيين العنيفة على زيارة البرلمانيين الأربعة إلى دمشق ولقائهم الأسد الأسبوع الماضي، عن «حدة» الموقف الفرنسي الذي يلتقي في رفضه لمبادرة دي ميستورا مع موقف المعارضة السورية «المعتدلة» المتمثلة بالائتلاف الوطني والقوى السياسية والعسكرية المعارضة التي رفضت السير في مقترح المبعوث الدولي. وقالت مصادر دبلوماسية في العاصمة الفرنسية، إن دي ميستورا جاء إلى باريس «لشرح خطته» و«للبحث عن دعم» لها، رغم الموقف المسبق السلبي منها ولمحاولة إقناع المسؤولين الفرنسيين بها وليطلب منهم الضغط على المعارضة للسير بها. وبموازاة زيارة دي ميستورا، وصل إلى باريس رئيس الائتلاف الوطني السوري خالد الخوجا، الذي ينتظر أن يلتقي اليوم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند. وأُعد للخوجا برنامج حافل، إذ سيلتقي أيضا وزير الخارجية كما سيزور مجلس النواب ومجلس الشيوخ وسيجتمع بشخصيات سياسية أخرى.

حتى الآن، ورغم الجهود التي بذلها، بما في ذلك في باريس، ما زالت المعارضة ترفض مقترح دي ميستورا وتعتبر أن ما يقدمه «حلول مجتزأة تتناول حيا هنا وشارعا هناك».. وتربط قبولها بطرحه «تصورا لحل شامل يتناول كل الأراضي السورية ويتضمن رحيل الأسد». وقالت مصادر واسعة الاطلاع إن المبعوث الدولي «لم يستطع تأكيد وجود آلية سياسية تربط بين تجميد المعارك في حلب وبين المراحل اللاحقة». ورغم اقتناعها بـ«حسن نية» المبعوث الدولي وأنه يسعى لوقف القتل وسفك الدماء، فإنه بدا أمس «أقل تفاؤلا» في تحقيق مشروعه. ونقلت عنه مصادر غير رسمية التقت به أمس، أنه عاد «محبطا» من زيارته الأخيرة إلى دمشق. وما زالت المعارضة تصر على أن يطرح الحل في سياق «خارطة الطريق» التي نص عليها بيان جنيف لصيف عام 2012.

يعي الجانب الفرنسي التحولات المحيطة بالوضع في سوريا، وخصوصا ضعف المعارضة المعتدلة التي راهنت عليها باريس منذ البداية بديلا عن النظام وعن «داعش» وكل التنظيمات المتشددة. وكما تشكك باريس اليوم في مبادرة دي ميستورا، فإنها شككت قبلها بالمبادرة الروسية التي قامت على جمع بعض المعارضين في موسكو ثم مع ممثلين عن النظام، ورأت أنها لن تفضي إلى أي نتيجة بفعل محدوديتها. بيد أن باريس التي التزمت منذ البداية المواقف الأكثر تشددا إزاء النظام السوري، تجد نفسها، وفق مصادر دبلوماسية عربية، في وضع «غير مريح» لمجموعة من الأسباب، أولها الضغوط الداخلية التي تدفع باتجاه معاودة التواصل مع النظام السوري بسبب الإرهاب والتهديدات المحيطة بفرنسا نفسها وبمصالحها في الخارج.

أما السبب الثاني فقوامه بروز تيار داخل الاتحاد الأوروبي يرى أنه بين حلين سيئين «النظام والتنظيمات المتشددة»، يتعين اختيار الأقل سوءا وهو في هذه الحالة النظام الذي «يمكن حصره»، بعكس «داعش» و«النصرة» وأخواتهما وامتداداتهما الخارجية. أما العامل الثالث «وربما الأهم» فيكمن في غموض الموقف الأميركي من النظام السوري وإصرار واشنطن على أن الغرض من تدريب عناصر «معتدلة» من قوات المعارضة السورية بموجب الاتفاق الموقع الشهر الماضي مع تركيا، هو «محاربة داعش».

وفي أي حال، تقول مصادر أخرى، ما زال المسؤولون الأميركيون يتساءلون عن «اليوم التالي» لسقوط الأسد وعن «القوى» التي تستطيع أن تملأ الفراغ فيما تبدو المعارضة المعتدلة القوة الأكثر هشاشة على الأرض، كما برز ذلك مجددا مع تراجع حركة «حزم» بوجه النصرة التي استولت على مواقعها في ريف حلب، الأمر الذي اضطرها لحل نفسها والانضمام إلى «الجبهة الشامية».

رغم هذه العوامل، ما زال الخطاب الفرنسي الرسمي على حاله لجهة الحل السياسي القائم على ورقة جنيف والتفاهم بين المعارضة المعتدلة و«عناصر» من النظام على إقامة سلطة انتقالية. لكن باريس، وفق العارفين بدقائق الموقف الفرنسي، «ليست لديها مشكلة» في بقاء الأسد في منصبه لفترة معينة يمكن أن تتطابق زمنيا مع المرحلة الانتقالية، شرط وجود تفاهم مسبق على ذلك. أما الطريق إلى ذلك فيمر عبر العودة إلى طاولة المفاوضات التي يمكن أن تحضر لحل كامل وليس لتدابير «موضعية» وفق ما يقترحه دي ميستورا.

وتشدد المصادر الدبلوماسية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» على غياب «الرؤية الواضحة» للعوامل التي يمكن التوكؤ عليها لإحداث تغيير ما في الوضع السوري ولإخراجه من الطريق المسدود. وتضيف هذه المصادر أن الأوضاع الميدانية لا تؤشر لتحولات ذات معنى، فيما النظام ما زال يحظى بدعم روسي وإيراني. لكن في هذا الإطار ثمة عنصران قد يأتيان بجديد، بحسب هذه المصادر، وهما من جهة تحقيق اختراق في الملف النووي الإيراني ما من شأنه أن يجعل طهران «أكثر انفتاحا» في التعامل مع البؤر الإقليمية المتفجرة وأولها الوضع السوري – العراقي، واعتبار الجميع أن الخطر الإرهابي الداعشي داهم، وبالتالي يتعين «تضافر الجهود» لمجابهته. لكن المشكلة تكمن في أن البعض يرى في النظام السوري «سدا» بوجه الإرهاب لا بد من ضمه، فيما آخرون يعتبرونه «حليفا له»، ومن بين هؤلاء فرنسا، ما يعني عودة الجدل إلى المربع الأول.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها