بين الاندماج والمخاوف .. إحصائيات مفصلة عن المسلمين في ألمانيا

يعيش في ألمانيا حسب التقديرات 4.3 ملايين مسلم، أي أكثر من خمسة في المائة من السكان الألمان. ونصف هؤلاء تقريبا مواطنون ألمان فيما يملك الباقون جوازات سفر أجنبية، وجاءت أكثرية المسلمين إلى ألمانيا في مطلع ستينيات القرن الماضي على شكل عمّال ضيوف، أي لفترة زمنية محددة، واعتقدَ هؤلاء بالفعل أن إقامتهم هناك ستكون مؤقتة، لذلك كان طابع ممارستهم لشعائرهم الدينية مؤقتا أيضا، وغالبا ما مارسوا هذه الشعائر في مساكنهم التي تم تجهيزها ببعض الوسائل التي تخدم هذا الغرض.

ومنذ هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة سعت عدة دول أوروبية الى ايجاد سبل لتعليم الائمة المسلمين والمدرسين في أوروبا بدلا من استقدامهم من الدول الاسلامية بما قد لا يجعلهم متماشين مع المجتمعات الغربية الحديثة.

الاندماج بدلا من الانعزال

وعدد المهاجرين المنحدرين من بلدان شمال أفريقيا، من المغرب في المقام الأول، فيصل إلى 280 ألف مسلم يعيش في ألمانيا. أما الجزء المتبقي فيشكله المسلمون المهاجرون من دول آسيا الوسطى/ رابطة الدول المستقلة وإيران وجنوب وجنوب شرق آسيا وباقي الدول الأفريقية.

إضافة إلى ذلك يتضح أن الكثير من الأشخاص من ذوي الأصول المهاجرة من هذه البلدان هم من غير المسلمين، فعلى سبيل المثال لا ينتمي 40 في المائة من المهاجرين من إيران إلى أي من الديانات. ومن بلدان أخرى تسكنها أغلبية مسلمة كالعراق، كانت هجرة الأقليات الدينية كبيرة. ولذلك السبب لا يمكن الاستدلال بشكل تلقائي على دين المهاجرين المقيمين في ألمانيا من التركيبة الدينية لبلدانهم الأصلية.

وبالنسبة للتدين أظهرت الدراسة وبنسبة الثلث يتوزع عدد المسلمين إلى ثلاث مجموعات، الأولى تؤم المسجد بشكل متكرر والثانية بشكل نادر والثالثة لا تقصده على الإطلاق.

الغالبية العظمى من المسلمين متدينون إلى حد كبير، فالتدين يميز بشكل خاص المسلمين من أصول تركية أو أولئك المنحدرين من بلدان أفريقية. وفي ممارسة الشعائر الدينية اليومية كالصلاة والاحتفال بالأعياد الدينية والالتزام بالتعاليم الدينية المتعلقة بالأطعمة والصيام، توجد هناك اختلافات كبيرة بحسب المنطقة التي ينحدر منها المهاجرون المسلمون، وبحسب الطائفة.

وبنسبة الثلث يتوزع عدد المسلمين إلى ثلاث مجموعات، الأولى تؤم المسجد بشكل متكرر والثانية بشكل نادر والثالثة لا تقصده على الإطلاق. وعلى الرغم من أن التدين والممارسات العبادية واضحة بشكل كبير عند المسلمين، إلا أن عضويتهم في الاتحادات والروابط الدينية نادرة نسبياً (20 في المائة). والغالبية العظمى من المهاجرين من بلدان إسلامية (بنسبة 80 في المائة) يمتلكون دخلاً مكتسباً خاصاً بهم كدخل أساسي. أما النسبة العالية جداً في المستقلين وظيفياً، التي تتراوح بين 20 و 34 في المائة- بحسب سياق الأصل-، فتظهر استعدادهم لتكفل نفقاتهم الحياتية بنفسهم.

ولكن يبقى من غير النادر أن تكون نسبة المسلمين المستفيدين من مساعدات العاطلين عن العمل والمساعدات الاجتماعية، والمنحدرين من دول جنوب وجنوب شرق آسيا (باكستان وأفغانستان) بين 32 و28 في المائة. إن الاعتماد على المساعدات الحكومية يظهر بشكل خاص في مستويات التعليم العالية والمنخفضة جداً. لكن في الوقت نفسه يتضح أنه حتى المهاجرين من دون شهادة دراسية مندمجون في سوق العمل بشكل كبير.

وعلى الرغم من أوجه النقص في مجال التعليم وتطوره أوضحت دراسة للمكتب الاتحادي للمهاجرين واللاجئين تحت عنوان “حياة المسلمين في ألمانيا” أن الاندماج الاجتماعي للمسلمين أفضل كثيراً من صورته النمطية.

وبتكليف من “مؤتمر الإسلام” الألماني تم في عام 2008 استطلاع آراء أشخاص، ينحدرون من العديد من البلدان الإسلامية في إطار دراسة مثلت جميع أنحاء ألمانيا وأُجريت لصالح المكتب الألماني للاندماج واللاجئين. وتستند الدراسة على معلومات عن قرابة 17 ألف شخص، كما أنه تقدم معلومات عن “حياة المسلمين في ألمانيا”. ومن غير المناسب تقديم تقييم شامل لهذه المجموعة من السكان في ضوء اختلاف سياق الأصل ودوافع الهجرة ومدة الإقامة وقصص النجاح أيضاً.

إن هذا الإسقاط على أساس سؤال مباشر عن الانتماء الديني قاد إلى نتيجة مفادها أن قرابة أربعة ملايين مسلم يعيشون في ألمانيا. وبذلك فإن المسلمين يشكلون جزءاً مقداره نحو خمسة في المائة من سكان ألمانيا وقرابة ربع الأشخاص المنحدرين من أصول مهاجرة في ألمانيا. أما أكبر طائفة منهم فهي من السنة بنسبة 74 في المائة، يليها العلويون بنسبة 13 في المائة، ومن ثم الشيعة بنسبة 7 في المائة، وفق موقع “محيط”.

وتشير الأرقام إلى أن قرابة 45 في المائة من المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا وينحدرون من أصول مهاجرة يحملون الجنسية الألمانية. وما يقرب من 2.6 مليون منهم ينحدرون من تركيا، بينما يبلغ تعداد المنحدرين من دول جنوب شرق أوروبا كالبوسنة والهرسك وبلغاريا وألبانيا 550 ألف شخص. أما ثالث أكبر جالية مسلمة في ألمانيا فيبلغ تعدادها 330 ألف مهاجر من بلدان منطقة الشرق الأوسط كلبنان والعراق ومصر وسوريا.

مسلمون ومساجد ومآذن: أرقام وحقائق

وحسب معلومات الأرشيف الإسلامي في زوست بشمال الراين وستفاليا يوجد في ألمانيا 240 مسجدا تقليديا، أي بقبَّة ومأذنة، ونحو 2600 مكان للصلاة. وفي خريف 2008 تم تدشين أكبر مسجد في ألمانيا في ديسبورغ ـ ماركسلوه. وكان يخضع الأمر في كل مرة لنقاش وجدل عامَّين في البلاد يبدآ بالتساؤل إن كان الضجيج سيزيد أو أن أمكنة صفِّ السيارات ستختفي بسب البناء. وعلى خلفية القلق والتململ الناتجين عن ذلك تنطلق مبادرات من مواطنين بهدف منع بناء مساجد. وخلال مرحلة بناء المساجد في كل من كولونيا وفرانكفورت وبرلين تظهر على السطح انفعالات شديدة، ويشعر العديد من المواطنين بأن المآذن تسبب لهم استفزازا شخصيا. هذا ما يدفع البعض إلى المطالبة بألا يتجاوز علو مأذنة جامع كولونيا الـ 55 مترا بعد الاعتراض على علوها في خطط البناء الموضوعة.

من جهة أخرى اعتبر وزراء داخلية الولايات الألمانية في اجتماع تحتضنه مدينة بريمن أن من حق المسلمين بناء المساجد إلا أنهم دعوهم إلى مراعاة مشاعر المواطنين الألمان في ممارستهم لهذا الحق. كما دعا الوزراء إلى تكثيف الحوار مع المسلمين في ألمانيا، كما اعتبر بوفير مؤتمر الاسلام الذي أطلقه وزير الداخلية الألماني السابق، فولفغانغ شويبله عام 2006 ، ” نموذجا للنجاح في الحوار، ويجب أن يتواصل، وأن يتسع قدر الإمكان”. إذ بهذا فقط يمكن إزالة المخاوف والمشاكل.

التديّن لا يعني التطرف

وعلى هامش الجدل حول بناء المآذن، أظهرت دراسة نشرتها مؤسسة” بيرتلسمان” الألمانية أن 90 % من المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا متدينون بدرجة كبيرة، ولكنهم ليسوا متزمتين ولا متطرفين. كما تقول الدراسة بأن هذا التدين القوي لدى المسلمين يصاحبه قبول بتعدد الأديان والتسامح إزاءها. واستندت الدراسة التي تحمل عنوان “التدين الإسلامي في ألمانيا” على نتائج استطلاع أجرته مؤسسة بيرتلسمان صيف عام 2008 وشمل أكثر من ألفين من المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا، تزيد أعمارهم عن ثمانية عشر عاما.

ووفقا لنتائج هذا الاستطلاع يؤيد 86 % من المسلمين في ألمانيا أن يكون المسلم منفتحا على الأديان الأخرى، بينما يرفض ذلك ستة في المائة فقط منهم. كما أظهر الاستطلاع أن أكثر من نصف المسلمين في ألمانيا يرون أنه ليس للتدين أي تأثير، أو له تأثير ضعيف على قراراتهم السياسية.

الإسلام في ألمانيا عام 2014 ـ بين الاندماج والمخاوف

شهد عام 2014 فعاليات عديدة ومظاهرات ضد الاسلام والأجانب في ألمانيا، إلا أنه أيضا شهد أحداثا إيجابية لصالح المسلمين الألمان، وهو ما يحفزهم لإطلاق مبادرات جديدة لدعم الحوار والتفاهم بين المسلمين ومعتنقي الديانات الأخرى.

السلفيون والفظائع التي يرتكبها ما يسمى تنظيم “داعش” هي من المواضيع التي تتصدر عناوين الصحف في ألمانيا منذ أشهر. انضمام الشباب لمجموعات سلفية أو متطرفة في ألمانيا أو سوريا، أمر لا يؤرق فقط الساسة والسلطات الأمنية في ألمانيا، بل أيضا العديد من المسلمين الذين يرون أن الربط المتواصل بين الدين الإسلامي والتطرف، أمر سيء، ويعطي صورة سلبيةً عن الدين الإسلامي. أيمن مزيك رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا يشكو من عدم وجود فصل واضح بين التطرف وبين الإسلام.

وبرأي مزيك فان “عدم التمييز بين الدين الإسلامي وبين التطرف يصب في خانة العداء للإسلام، وهو ما نشاهده على أرض الواقع من خلال زيادة الإقبال على المشاركة في الفعاليات التي تقيمها الحركات المعادية للأجانب وللإسلام مثل حركة بيغيدا” والتي شارك ما يربو على 17500 شخص في مظاهرة نظمتها في مدينة دريسدن(شرق ألمانيا)، وذلك بالرغم من التطمينات الصادرة من الساسة الألمان، خاصة تصريح وزير الداخلية توماس دي ميزير والذي أكد بأن ألمانيا لا تواجه خطر الأسلمة. كما شهدت مدنا أخرى مظاهرات مماثلة، كما حصل في مدينة كولونيا والتي شهدت مظاهرات للهوليغينز ضد السلفية، وتخللتها أعمال شغب.

مخاوف متبادلة

وما يثير المخاوف بالنسبة لمزيك، أن تكون هذه المظاهرات مجرد بداية لما سوف يأتي من تصعيد أكبر في العام القادم، ويقول “نحن (في ألمانيا) نربط الإسلام بأية توترات اجتماعية، أو مشاكل لم تحل في بلدنا، وذلك من أجل صرف النظر عن هذه الأمور، جاعلين المسلمين كبش فداء لما يحدث”. وكانت مساجد قد هُجمت على مدار العام 2014، مما أثار مخاوف المسلمين وقلقهم، ففي شباط/ فبراير تم مهاجمة مسجد كولونيا المركزي والذي هو في طور البناء مما أوقع به أضرارا كبيرة، كما وقعت هجمات على مساجد أخرى في برلين وبيليفيلد وأماكن أخرى في ألمانيا، عبر إلقاء مواد حارقة أو كتابة شعارات مسيئة على الجدران.

ولمواجهة ظاهرة التطرف الإسلامي، وأيضا مظاهر العداء للإسلام، قرر مجلس التنسيق الإسلامي في شهر أيلول / سبتمبر من العام الحالي 2014 إقامة فعالية جماهيرية، تحت عنوان ” مسلمون في مواجهة الكراهية و الظلم”، وصرح المتحدث باسم الفعالية ايرول بورلو بأنه “من المهم لنا كمسلمين، إقامة هذه الفعالية، بوجود ممثلين من الساسة والكنيسة(المسيحية) ومن الكنيس اليهودي، بهدف دعمنا ومؤازرتنا”.

إشارات إيجابية

ولكن سنة 2014 أيضا، من وجهة نظر المسلمين، شهدت تطورات سارة، مثل إعلان عدد من الولايات الألمانية مثل شمال الراين فيستفاليا وساكسونيا السفلى وهيسين ارتفاعا في عدد المدارس التي تدمج مادة الدين الإسلامي، كما شهدت العلاقات تحركا ايجابيا بين الكنيسة البروتستانتية والمجلس الأعلى للمسلمين بعد أعوام من الجمود، بالإضافة إلى عقد مؤتمر الإسلام في ألمانيا والذي تعرض في السابق لانتقادات. حيث كان من أبرز قراراته العمل على إنشاء جمعية خيرية إسلامية، لتعمل على تقديم خدمات لمساعدة المسلمين، جنبا إلى جنب مع مؤسسات مماثلة، مثل كاريتاس الكاثوليكية، ودياكونيا البروتستانتية.”وهو ما يتطلب إعطاء لمحة عامة عن الجمعيات الإسلامية الموجودة التابعة للمساجد والتي تعنى بالإعمال الخيرية وهو ما يتطلب وقتا للتقييم ولإيجاد هيكلية جديدة” بحسب بورلو.

ويأمل المسلمون باعتراف أكبر من الدولة الألمانية بدور المنظمات الإسلامية، خاصة بعد توقيع اتفاقيات تعاون في كل من بريمن وهامبورغ في السنوات السابقة، مما يمهد الطريق لإمكانية وجود اتفاقيات مماثلة في ولايات ألمانية أخرى. في ولاية ساكسونيا السفلى تم التوصل لاتفاق وشيك، أيضا في ولاية شمال الراين فيستفاليا يأمل بورلو أن يتم نهاية سنة 2015 الاعتراف بالمنظمات الأعضاء في المجلس التنسيقي للطوائف الدينية، “أننا ننتظر حاليا ما سيجري، وإن كنا على ثقة بما سيحصل”يقول بورلو.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها