كلاب ألمانيا .. تكلفة رعايتهم تصل لـ 4 مليارات يورو و دفنهم 10 ملايين في العام !

لا تعرف في ألمانيا علي وجه الدقة تصنيفاً دقيقاً للكلاب في المجتمع، فهم من الناحية البيولوجية والتشريحية فصيلة حيوانية لا ترقي إلى فصيلة البشر، لكن طرق العناية والرعاية والعلاج والاهتمام بهم  ترفعهم إلى قيمة تقترب من قيمة الإنسان وحقوقه داخل المجتمع.

فكلاب ألمانيا بلا أدني شك  تنعم بحقوق ورعاية وحرية وعلاج وطعام وتدليل قد لا يتوافر بكل تأكيد لكثير من البشر في الدول المهترئة المتخبطة التي تتآكل وتتقزم بخراب حكامها والطامعين في السلطة والمحرضين علي العنف، ومن ثم انتشار الظلم والفساد في المجتمع .

الكلاب في ألمانيا أشكال وأنواع وألوان، وإذا أردت أن تتعرف علي جوانب رفاهيتها، فعليك القيام بزيارة أي متجر يبيع مستلزماتها في أي حي ألماني، ستجد أصنافاً وأشكالاً من بضائع الكلاب التي تعرفها أو لا تعرفها، فهي تتضمن لعب وكور وعظام بلاستيكية وأشياء عديدة لا حصر لها، أما الطعام فحدث ولا حرج وهو لايختلف بحال في الجودة والتغليف والتعبئة عن طعام الإنسان، بل أن هناك أكثر من ذلك وهو الطعام المخصص للقطط والكلاب التي تعاني من أمراض الحساسية أو الشيخوخة ويصل سعر الكيلو جرام الواحد منه إلي حوالي 25 يورو.

في ألمانيا أساسا أكثر من 7 مليون كلب و12 مليون قطة، يعيشون مع عائلات تحتضنهم وترعاهم بحب ومودة داخل منازلهم، وتصل التكلفة السنوية لرعايتهم إلى قرابة 4 مليارات يورو ، وقلما تجد بيتا ألمانيا يخلو من كلب أو قطة، والحدائق المسموح بالتريض فيها بصحبة الكلاب موجود فيها مكينات لاستخراج أكياس بلاستيكية بالمجان لرفع مخلفات الكلاب من أجل بقاء الحدائق نظيفة ، وفي السيارات وبعض أماكن العمل أماكن خاصة للكلاب.
إذا كنت في ألمانيا ولا تحب الكلاب فعليك إخفاء مشاعرك ومحاولة الابتسام في وجه الكلب  وإلا سيتم تصنيفك بشكل مستتر طبعا علي أنك معادي للحيوانات، وهي سبه هنا في ألمانيا أكبر من سبة معادة الإنسانية ، فأحيانا تقع حوادث عنصرية في المجتمع أي الإنسان ضد الإنسان، لكن من المستحيل أن تقع حوادث عنصرية ضد الكلاب.

عندما ذهبت لإجراء مقابلة مع بروفيسورة ألمانية في الجامعة التقنية في ميونيخ أخبرني أحد الباحثين عندها  أنها تمتلك كلباً لا يفارقها، وقد خصصت له ركنا في مكتبها، ولا يبقى وحيدا إلا أثناء إلقاء المحاضرات ،ونبهني إلى ضرورة الابتسام للكلب قدر الاستطاعة أثناء المقابلة وإذا لزم الأمر أن أمسح بيدي علي ظهره  ويجب ألا أتردد في فعل ذلك لآنه يسعدها ذلك  كثيراً، ولا داعي إطلاقا لإظهار التبرم من الكلب لأن المقابلة قد تنتهي دون أن تثمر شيئا، وبالفعل في موعد اللقاء حافظت علي تعليمات الصديق حتي أنتهى اللقاء مع البروفيسورة والكلب .

في ذات صباح لاحظت أن كلب جارتي الألمانية يتعثر وهو يسير وعندما سألتها عن حاله كادت الدموع تفر من عينيها وهي تتحدث بألم عن مرضه وعن تشخيص الطبيب البيطري لحالته والعملية المرتقبة والتي ستتكلف أكثر من 1600 يورو في ساقه، وعندما سألتها عن سر كل هذا الاهتمام بالكلاب في ألمانيا؟ ..قالت أن كلبها هو الأوفى والأصدق في هذه الحياة المادية، وهو لا يكذب ولا يخون ولا يخدع ولا يتشاجر ولا يسألها أين كانت ولا أين ستذهب ولا يلهث وراء المال وليس طماعا، وفي كل مرة تتأخر عليه يقابلها بالحب والاهتمام وهي تري أنه أحسن صديق لها .

كل هذا الاحترام تجاه الكلاب جعلني لا أفرق في الاحترام بين الألماني وكلبه ، بل تعلمت كيف أحترم كلاب ألمانيا، وتعلمت مع الوقت أن أبادر بإلقاء التحية علي الكلب قبل صاحبه.

في مدينة كولونيا توقفت أمام مقبرة للكلاب والقطط تثير الإعجاب ومن شدة الاعتناء بها لا يستطيع الزائر أن يفرق بينها وبين المقابر البشرية، فهي تختلف فقط في الشكل والحجم والكتابات الموجودة على كل قبر، ووفق بيانات الاتحاد الألماني لدفن الحيوانات فإن عمليات الدفن تحقق سنويا معاملات تقدر بـ 10 مليون يورو، إذ أن تكلفة الدفنة الواحدة قد تصل إلى 800 يورو.

في مصر حدثت ضجة إعلامية كبيرة حول مقتل كلب بطريقة بشعه، وبشاعة طريقة القتل أكدت غياب ثقافة حقوق الإنسان والحيوان علي السواء، وفي المجتمعات التي تعاني الظلم ويستشري فيها الفساد وتغيب العدالة تضيع الأدمية ويتحول المجتمع كله إلى غابة كبيرة لا فرق فيها بين الحيوان والإنسان في القتل والعنف.

عندما مات خالد سعيد مقتولا بأيادي رجال الأمن قبل 5 سنوات كنت قد كتبت مقالا آنذاك ربطت فيه عن صدفة جمعت بين موت إنسان شاب في مصر علي أيدي رجال الشرطة ،وبين موت حيوان “فيل”  شفي حديقة حيوان ميونيخ بسبب المرض وظهر الفرق الواضح بين الحدثين آنذاك ففي الوقت الذي شيعت فيه جنازة خالد سعيد مقتولا بلا ذنب كانت ميونيخ تودع الفيل في مشهد جنائزي حزين وسط دموع  الألمان الذين تابعوا قصة مرضه في الصحافة علي مدار عدة شهور ، حتي أن صحيفة “تي تست” المسائية عنونت الصفحة الرئيسية بمانشت كتبت فيه”ميونيخ تودع الفيل طوني بالدموع “وبما أن نفس القصة عادت لتتكرر ولكن هذه المرة بطلاها قتيلان في مصر هما محامي قتيل في قسم شرطة المطرية وكلب قتيل في شارع الهرم ،فالنتيجة واحدة وهي تعني أن تدني ثقافة حقوق الإنسان في أي بلد ما، تجعلك غير مكترث بحق الإنسان قبل الحيوان ، وسمو وعلو هذه الثقافة يجعلك مهتم بثقافة حقوق الحيوان قبل الإنسان.

صلاح سليمان *صحفي مصري مقيم في ألمانيا (قناة الجزيرة)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها