عاصفة الحزم .. في لوزان !
كان لافتاً، وذا مغزى خاصّ غير مسبوق، أن يسارع الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى الاتصال بالملك السعودي سلمان، قبل مهاتفة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لإطلاعه على الخطوط العريضة لمسودة اتفاقية الإطار مع طهران، حول مستقبل البرنامج النووي الإيراني. الخطوة هذه استُكملت بإعلان أوباما أنه سوف يستقبل قادة مجلس التعاون الخليجي في كامب دافيد، هذا الربيع، من أجل «تقوية أفضل لتعاوننا الأمني». وكانت أصداء هذه الحال قد ترددت، لتوّها، في سجال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، عبر تغريداته الشخصية على «تويتر»، مع الورقة التي أصدرها البيت الأبيض حول الاتفاق، وكأنّ ظريف كان يردّد: إياك أعني (الرياض، في عملية «عاصفة الحزم» تحديداً)، فاسمعي يا جارة!
البعض لم يتردد في افتراض طراز من «التمهيد المدفعي»، لعبته عمليات القصف الجوي السعودي على مواقع الحوثيين، ليس ضدّ معاقلهم ومناطق تمددهم هنا وهناك في أرجاء اليمن، فحسب؛ بل كذلك لكي يبلغ الضجيج قاعات التفاوض في لوزان، سويسرا. مراقبون آخرون، من المتفقين مع هذه الفرضية، أضافوا إليها عنصراً تكميلياً حاسماً، وجديداً ربما، هو أنّ المملكة ـ في عهد الملك الجديد، وضمن استشراف تبدلات أدائية سوف تطرأ على أدوار أحفاد عبد العزيز آل سعود، ملوك المستقبل القريب ـ أخذت تتولى زمام الأمور بنفسها؛ عسكرياً هذه المرّة، وليس على طريقة العمليات السريعة السابقة، في اليمن أو البحرين، بل على الأسلوب الأمريكي الأثير: بناء التحالفات. فريق ثالث يمزج بين الفرضية والعنصر، ثمّ يضيف إليهما حروب أسعار النفط، والحروب بالإنابة، لكي يستخلص أنّ التقاسم الوظيفي بين واشـــنطن والرياض ما يزال هو القاعدة الأولى، أياً كانت التنويعــــات التي أدخلها أوباما على القسمة الكلاسيكية التي حكمت العلاقات الأمريكية ـ السعودية منذ خريف 1945، حين عُقد الاجتماع الشهير بين فرنكلـــين روزفلت وعبد العزيز آل سعود، على ظهر حاملة الطائرات الأمريكية USS Quincy، في مياه قناة السويس.
وفي مثل هذه الأيام، ولكن قبل سنة، كانت زيارة قصيرة لا تتجاوز 24 ساعة، قام بها أوباما إلى المملكة؛ كافية لوضع النقاط على الحروف، لجهة الاتفاق (حول الكثير، في الواقع، القديم والراهن والقادم)، أو لجهة الاختلاف (مواقف البيت الأبيض من نظام بشار الأسد في سوريا، ثمّ نظام الفريق عبد الفتاح السيسي في مصر، والغزل الأمريكي ـ الإيراني…). وكما أنّ ذروة العتب السعودي تمثلت في أنّ البيت الأبيض يضع أمن المملكة في مصافّ تالية لأمن إسرائيل، من خلال إبقاء التوازن النووي في المنطقة راجحاً لصالح الأخيرة؛ فإنّ أقصى عتب أمريكي لم يتجاوز مشروع انفتاح الرياض على موسكو، في ميدان الأنظمة الدفاعية والصاروخية المتطورة. وأمّا اليوم، إذْ تبدي واشنطن توافقاً سياسياً وعسكرياً مع عمليات «عاصفة الحزم»، التي قطفت بعض ثمارها من لوزان، في كلّ حال؛ فإنّ هذا هو أقصى الرضا، أغلب الظنّ، والله يحبّ المحسنين!
الأمور بخواتيمها، كما تقول الحكمة العتيقة؛ ومثلما يتوجب انتظار حزيران (يونيو) القادم، حين ستتوصل الأطقم الفنية، الأمريكية والإيرانية، إلى صياغة النصّ النهائي لـ»الاتفاق التاريخي»، ويتمّ التوقيع عليه فعلياً، فلا تبقى أسراره خافية؛ يتوجب، على نحو موازٍ، انتظار تطوّر «عاصفة الحزم» إلى ما هو أبعد، وبالتالي أشدّ فعالية، من الغارات الجوية ـ التي لم تحسم حرباً في أيّ يوم، كما يعرف الحوثيون قبل سواهم ـ وما إذا كان النهج السعودي الجديد يحتمل التدخل البرّي أيضاً، بحيث تكون الرسالة صاخبة عاتية، وبما يضمن أنها ستبلغ أسماع الجارة… جيداً!
صبحي حديدي – القدس العربي[ads3]