بيروت مقابل دمشق

يتندر احد الظرفاء ان الشيعة لا يعرفون اليمن على الخريطة. اي ان اليمن ما كان يوما جزءا من خريطة الوجدان الشيعي الاثني عشري. لا مقامات هناك ولا رابط قداسة ولا حبل سُرَّة عقائدي يجمع الشيعة باليمن ما يستوجب هذا المستوى من الاستنفار الذي يبديه حزب الله منذ انطلاق عاصفة الحزم بقيادة السعودية.

يزيد الغرابة ان ازمة اليمن، هي نتاج محلي الى حد كبير، تولد عن التقاطع بين ثأرية الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح من حلفائه السابقين في اليمن وخارجه، وبين تضخم غير واقعي لشهوات الحوثيين. اي انها أزمة ركبت ايران موجتها وحاولت استتباع بعض عناصرها وتدويرها في استراتيجية طهران في المنطقة. عثرت ايران على ازمة اليمن ولم تخترعها. فاليمن، بتحولاته التي سبقت عاصفة الحزم، جزء من أرباح الاستثمار الايراني وليس من رأس المال الذي يستوجب الاستماتة في الدفاع عنه، كما هي حال سوريا الاسد وحزب الله والعراق قبل الاثنين بحكم الجغرافيا والتاريخ.

اذذاك يبدو تصعيد حزب الله وتناميه المضطرد، من خطاب ناري الى مقابلة على شاشة للنظام السوري، ونقلها على شاشة تلفزيون لبنان الرسمي، ثم الاحتشاد الشعبي يوم الجمعة لنصرة اليمن، وبينهما ارتفاع حدة النبرة الاعلامية لإعلام حزب الله، يبدو كل ذلك غير مفهوم او غير مبرر اذا نظر اليه بالعدسة اليمنية.

الحقيقة ان حزب الله كان أول اللاعبين المحليين الذين تنبهوا ان عاصفة الحزم تعلن الدخول في مرحلة سياسية جديدة على مستوى المنطقة. كما كان سباقاً في التقاط المعنى العميق للصحوة الخليجية والعربية على مستوى الملفات المشتعلة في الإقليم لا سيما سوريا، ورائحة الاستعداد العربي لأخذ زمام المبادرة فيها بعد طول إتكال على القوى الدولية.

يخشى حزب الله (كذراع ايرانية)، منذ انطلاقة عاصفة الحزم، من التوسع بالعاصفة، اي بالمنطق التدخلي السعودي الجديد، نحو سوريا. ليس خافياً ان حزب الله مرتاح ضمناً لمسار التحالف الدولي الذي تشكل ضد داعش في سوريا، رغم المعارضة العلنية له، وقد طمأنته الوقائع الميدانية ان ليس لدى واشنطن نوايا مبيتة للقفز خارج المهمة المعلنة وهي ضرب داعش. لم يعد هذا المعطى ثابتاً بعد العاصفة. وفي ضوء التقارير المنشورة في الصحافة الغربية عن تباحث سعودي تركي حول مستقبل سوريا والتدخل فيها، وفي ضوء ما نقلته شخصية لبنانية رفيعة المستوى عن قيادي عربي، من ان الاخير سمع من الرئيس الاميركي باراك اوباما ما مفاده: “هل بادرتم لحماية مصالحكم في سوريا وواجهتم ممانعة منا؟”، تزداد الحسابات تعقيدا بالنسبة لحزب الله، وتتفاقم المخاوف من مباغتة ما في سوريا على غرار المباغتة في اليمن.

تصعيد حزب الله يندرج اذاً في سياق استباقي، ويأتي ترجمة لرسائل ايرانية تريد طهران ايصالها بصوتٍ عالٍ. فمنذ انطلاقة عاصفة الحزم غادر حزب الله ليونته وطاقته الامتصاصية وبات يتصرف على قاعدة من يأخذ لبنان رهينة، يمنع بتهديد مصيرها، اي حسابات سعودية في سوريا تشبه المبادرة في اليمن.

غدا سيؤكد حزب الله ان بيروت مقابل دمشق. بوسع ايران ان تتساهل حيال الخسائر من فائض الأرباح لكنها لن تتسامح مع اي لعب برأس المال الاستراتيجي.

لهذا يبقي حزب الله على كل الأوراق معلقة واولها رئاسة الجمهورية، ويضع كل واقع النظام السياسي على حد استقالة واحدة تدفع بالجميع الى الفراغ التام، اذا ما سقطت حكومة تمام سلام، تمهيداً لإعادة تأسيس النظام وليس اعادة تكوين السلطة.

نديم قطيش – تمدن