الإسلام يتقدم في مدارس ألمانيا لمواجهة التطرف

في بلد كانت الطوائف والدولة دائما تشترك بعلاقة تكافلية عميقة مع بعضها البعض، بدأت الحكومة الألمانية تتخذ خطوات جذرية لمنح الإسلام ما تتمتع به الديانة المسيحية والديانة اليهودية ومعاملته على قدم المساواة مع هاتين الديانتين. تشمل هذه الخطوات إدراج الدين الإسلامي في مناهج المدارس الرسمية والدراسات الجامعية. وإذا بدت هذه الخطوة جذرية، فإن الدستور الألماني يمنح مثل هذه الحقوق للديانتين المسيحية واليهودية منذ صدوره.

يقول المعلم تيمور كوملو، الذي تخرج أخيرا من دورة نظمتها الدولة لتدريس الإسلام، إن غالبية الأطفال في مدرسته، التي نصف تلاميذها أطفال مهاجرون، “يعيشون في ثقافتين، ولا يعرفون إلى أي منهما ينتمون. وبتعليم الأطفال أساسيات دينهم، نستطيع أن نساعدهم على عدم الوقوع فريسة الخطاب المتطرف”.

وبخلاف انكلترا، التي لديها كنيسة رسمية يرأسها رئيس الدولة، وفرنسا الغيورة على علمانيتها، فإن ألمانيا تنظر إلى الأديان على أنها شريكة للدولة، تساعد المواطنين، وتسهم في توطيد الديمقراطية ومكافحة التطرف. وتقدم الدولة أشكالًا مختلفة من الدعم للجماعات المذهبية، أبرزها فرض ضريبة على الكنيسة باسم الأديان الأخرى المعترف بها.

وقال ماتياس روهي، رئيس مركز الإسلام والقانون في أوروبا في جامعة إيرلاغن، لصحيفة كريستيان ساينس مونتر، إن في ألمانيا “انفتاحا على الأديان، ليس عن استحقاق، بوصفها ديانات، بل لأنها تساهم في تحقيق ما فيه خير المجتمع أيضا”.

وكان بند تعليم الأديان في المدارس أُدرج في الدستور الألماني ردا على انتهاكات الرايخ الثالث، ولكنه لم يُطبّق إلا على المسيحيين واليهود. وافترض المجتمع الألماني والمشرعون الألمان أن العمال الضيوف المسلمين، الذين استقدمتهم ألمانيا للمساهمة في إعادة بنائها بعد الحرب، سيعودون في النهاية إلى أوطانهم. لكن غالبيتهم استقرت واختارت البقاء.

واليوم يعيش نحو 4 ملايين مسلم في ألمانيا، حيث الإسلام أسرع الديانات نموا. ومع تنامي عددهم، تعاظمت تطلعاتهم إلى اعتراف المجتمع بهم، وشمول دينهم بالحقوق الدستورية، التي تتمتع بها الديانة المسيحية والديانة اليهودية.

وكان وزير المالية الحالي فولفغانغ شويبله هو الذي دعا حين كان وزير الداخلية في إدارة المستشارة أنغيلا ميركل إلى تدريس الإسلام في المدارس، معلنا للمرة الأولى في عام 2005 “أن الإسلام جزء من ألمانيا”. وبعد خمس سنوات، صدرت توصية بإدخال الإسلام في الجامعات أيضا، حيث يمكن إعداد الأئمة والمدرسين بالألمانية أسوة بنظرائهم البروتستانت واليهود. فغالبية الأئمة في مساجد ألمانيا، البالغ عددها نحو 2800 مسجد، مستوردون من تركيا.

وبمبادرة حكومية، رُصد لها 20 مليون يورو، تعمل الآن خمسة مراكز للدراسات الفقهية الإسلامية في عدد من أرقى الجامعات الألمانية. ويقول خبراء إن ألمانيا اليوم تتقدم على غالبية الدول الغربية في إدراج الإسلام ضمن الدراسات الأكاديمية.

يقول عمر حمدان، وهو فلسطيني من عرب إسرائيل يرأس المركز الإسلامي في جامعة توبنغين: “إن الإسلام بكونه جزءًا من جامعة مشهورة عالميًا، لم يعد يقف في الخارج، بل نحن نقف على قدم المساواة مع المدارس اللاهوتية الأخرى”، مشيرًا إلى وجود مراكز مماثلة في جامعات أوزانبروك ونورمبرغ وفرانكفورت ، وفق ما اوردت صحيفة إيلاف.

ويؤكد خبراء أن تعليم الإسلام على أيدي علماء ومعلمين درسوا في معاهد معتمدة رسميًا طريقة شديدة الفاعلية لمواجهة التطرف الإسلامي. وستحتاج ألمانيا في السنوات المقبلة آلاف المعلمين والدورات الجديدة لتعليم الدين الإسلامي، لأن 4 في المئة فقط من تلاميذ ألمانيا المسلمين، الذين يُقدر عددهم بنحو 700 ألف طفل، يتعلمون الدين الإسلامي في مدارسهم الآن.

ونقلت صحيفة كريستيان ساينس مونتر عن هاري هارون بير من جامعة فرانكفورت، والمسؤول عن إعداد معلمين لتدريس الإسلام في مدارس متوسطة وثانوية في ولاية هيسن “إن المعرفة السليمة بالفقه الإسلامي والفلسفة الإسلامية وعلم النفس واستراتيجيات الحوار والنقاش” هي أمضى سلاح في مواجهة التطرف.

أضاف بير أنه “عندما يظهر خطباء متطرفون في السوق، يتوجه طلابي إلى المكان، ويناقشون هؤلاء الأشخاص، ويختلطون مع الحشد، ويطرحون حججهم ضد التطرف الإسلامي. فنحن لا نريد أن يصادر رجال مثل هؤلاء القرآن من أيدينا”. وأشار بير إلى أن شبابًا سينالون شهادات الدكتوراه في الدراسات الإسلامية قريبًا، وينتشرون في المجتمع للإجابة عن الأسئلة التي تُطرح حول الإسلام وتعاليمه.

لكن إيجاد موقع للإسلام في العلاقة القانونية بين الدولة والدين مهمة صعبة، بسبب تعدد المنظمات الإسلامية، واختلاف تأويلاتها للشريعة الإسلامية. لهذا السبب تجد السلطات التربوية مشقة في اختيار المنظمات المناسبة لمساعدتها على إدراج الإسلام في المناهج المدرسية والدراسات الجامعية. واحتاجت ولاية هيسن خمس سنوات للعثور على جمعيات إسلامية مناسبة، تعمل معها لتدريس الإسلام في مدارسها. وفي بعض المناطق، مثل ألمانيا الشرقية سابقًا، لا تُعطى دروس إسلامية في المدارس.

وقطعت ولايات سكسونيا السفلى وهامبورغ وبريمين أبعد الأشواط في شمول الإسلام بالحماية والحقوق التي تتمتع بها الديانات الأخرى. وتوصلت كل ولاية منها إلى اتفاقيات مع منظمات إسلامية على تنظيم كل شيء، من تدريس الإسلام في مدارس الولاية إلى العطل الإسلامية وحق الأئمة المسلمين في العمل في السجون والمستشفيات وغيرها من المؤسسات العامة.

ويؤكد مايكل كيفر أستاذ الفقه الإسلامي في جامعة أوزنابروك أن هذه الطريقة المنفتحة في تعامل ألمانيا مع مسلميها أجدى من طريقة فرنسا، حيث بسبب فصلها الصارم بين الدين والدولة، “يحدث الكثير في زوايا مظلمة لا أحد يسيطر عليها”.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها