رويترز : كرة القدم تنسي أطفال الزعتري معاناة الحرب و اللجوء
عندما تجاوزت التصويبة التي أطلقتها هبة حارسة المرمى وسكنت شباكها استدارت الفتاة السورية ورفعت ذراعيها معلنة انتصارها ووجهها ينطق بالسعادة بينما تعالت صيحات الفرح من زميلاتها في الفريق.
غير أن هذا الهدف ليس بالهدف العادي في مباراة عادية في كرة القدم. فبالنسبة لكثير من الأطفال يمثل هذا الشعور الغامر بالفرح عودة للطفولة التي انتزعتها منهم صيحات الحرب في الوطن السوري الذي رحلوا عنه.
وبالنسبة لهبة ذات الثلاث عشر ربيعا هي وغيرها من البنات اللائي يلعبن كرة القدم فإن كل هدف يستحق الاحتفال في هذا الملعب الذي يغطي أرضه التراب والحصى وإن كان من الواضح أنه يحظى بعناية شديدة في مخيم الزعتري للاجئين في شمال غرب الأردن.
فكل انطلاقة وكل تمريرة وكل نقلة تساعدهن على نسيان سبب وجودهن هنا.. لأن الجميع بمن فيهم هبة فقدوا شخصا عزيزا عليهم في الحرب السورية التي سقط فيها أكثر من 200 ألف قتيل منهم 11500 طفل.
وقالت هبة لرويترز بصوت تملؤه الثقة رغم صغر سنها “أحب أن آتي إلى هنا للعب. فهذا يساعدني على نسيان الحرب والقنابل والصواريخ والأطفال الذين قتلوا وهذا يمنحني راحة البال.”
وأضافت “أبي وأمي موجودان هنا. لكنني أفتقد عمي. كان يجلس في البيت عندما تعرض بيته للقصف وقتل. وأحزنني ذلك جدا.”
وهبة واحدة من عدد يقدر بنحو 3.8 مليون سوري هربوا من بلادهم منذ بدء الانتفاضة على الرئيس بشار الأسد.
* العثور على مأوى
فر السوريون من جحيم الحرب إلى تركيا والعراق ولبنان ومصر ووجد 85 ألفا منهم المأوى في مخيم الزعتري الواقع على مسافة 15 كيلومترا تقريبا من حدود الأردن مع سوريا والذي أصبح الآن من أكبر مخيمات اللاجئين في العالم.
ورغم أن المخيم أبعد ما يمكن عن أن يكون مثاليا إذ تنقطع الكهرباء فيه بانتظام ولا توجد فيه سوى المرافق الأساسية والمدارس الابتدائية وتنتشر الجرائم البسيطة وغيرها من التوترات التي تولدت من آثار الحرب تحت شمس الصحراء الحارقة إلا أن به درجة ما من الحياة الحضرية الطبيعية.
ومنذ افتتاح المخيم في يوليو تموز 2012 ازدهرت المتاجر إما في البيوت المتنقلة أو الأكواخ والأكشاك على امتداد الشارع الرئيسي الذي يزيد طوله على كيلومتر ويسميه سكان المخيم شارع الشانزليزيه.
وأقل ما يقال عن هذه المتاجر بعد مرور ثلاث سنوات أنها تبدو شبه دائمة.
ويباع في هذا الشارع الرئيسي المترب البوظة (آيس كريم) المصنوعة محليا والكباب والأحذية والفاكهة والخضر والتوابل والزهور والحيوانات الأليفة والهواتف المحمولة والسماعات والأدوات بل وحتى فساتين الزفاف.
وتنتشر في الشارع العربات التي تجرها الحمير والدراجات بل وتتنافس بعض السيارات على مساحة للتحرك وسط الزحام.
ووسط كل هذا ترسخت كرة القدم مثلما يحدث في أي مكان آخر على كوكب الأرض.
ولعب مشروع تطوير كرة القدم الآسيوية دورا هائلا في إتاحة بصيص من الأمل وسط اليأس بين الشبان والشابات لا بين الأطفال والمراهقين فحسب.
وقالت كارين نكوي منسقة برنامج المشروع في مخيم الزعتري لرويترز “كل واحد هنا تقريبا فقد شخصا في الحرب وكثير من الأطفال يملؤهم الحزن ولديهم قصص مؤلمة.”
وأضافت “لكن كرة القدم وبعض الألعاب الأخرى التي ننظمها للصغار تساعدهم في تحسين حياتهم.”
وتابعت “لعب كرة القدم يمنحهم الاعتداد بالنفس مرة أخرى ويتعلمون أن يصبحوا أطفالا من جديد. فقد توقف كثيرون منهم عن الطفولة بسبب ما مروا به.”
* خلاف على هدف
وتشارك منظمات خارجية أخرى كثيرة من بينها الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) والاتحاد الاوروبي لكرة القدم في تنظيم برنامج كرة القدم بالمخيم بالاضافة إلى منظمات أخرى لمساعدة اللاجئين مثل مبادرة الاتحاد في كرة القدم وهي مبادرة استرالية.
والملعب الي يلعب عليه معظم الأطفال معروف باسم ملعب النرويج بسبب المساعدات التي قدمها الاتحاد النرويجي لكرة القدم والحكومة النرويجية بينما تنظم سفارة كوريا الجنوبية في الأردن مسابقة للرجال.
ويتولى بير رافن أومدال الرئيس السابق للاتحاد النرويجي إدارة الدور النرويجي في مخيم الزعتري ويزور المخيم بانتظام.
وقال لوكالة رويترز هاتفيا من أوسلو “نحن نشهد تقدما من يوم لآخر وأنا فخور بصفة خاصة بما نفعله من أجل النساء والبنات.”
وأضاف “نحن ندرب 33 مدربة وهذا له أثر ايجابي عميق على حياة كل منهن.”
وحسب التقاليد المحلية يلعب الأولاد والبنات معا حتى سن الثامنة ثم تتولى نساء تدريب البنات ويتولى رجال تدريب الأولاد.
ويقول عماد أحمد الشابي (39 عاما) وهو أحد مدربي الأولاد إن ما بين 600 و700 طفل يأتون أسبوعيا للعب. ويأمل عماد أن يحصل على شارة التدريب من الاتحاد الاوروبي لكرة القدم.
ويقول “بمشيئة الله نريد ان يكون للطفل أحلامه وأن يحقق هدفه أن يصبح لاعب كرة قدم محترفا سواء بقي الطفل هنا أو عاد إلى سوريا.”
وعلى الطرف الآخر من المخيم تجمع جمهور مكون من نحو ألف شخص لمشاهدة المباراة النهائية على كأس السفير الكوري.
اشتق كل من الفريقين اسمه من اسماء مدينة لاعبيه في سوريا. ويسجل فريق دمشق هدفا يبدو أنه هدف سليم ليتقدم 2-صفر على فريق درعا المدينة التي انطلقت منها الانتفاضة على حكم الاسد قبل أربع سنوات.
وتبدو في الأفق نذر تمرد من نوع آخر عندما يلغي الحكم الهدف محتسبا ضربة حرة مباشرة. وينطلق لاعبو الفريقين والغضب يملؤهم إلى مساعد الحكم الذي ظلت رايته مرفوعة.
وتقول نكوي إن الوقت حينها يكون مناسبا لمغادرة المكان.
وتضيف “هذا يحدث دائما. يتجادلون لمدة 25 دقيقة ثم يواصلون اللعب. وخلال تلك الفترة أعرف مكانا ممتازا في الشانزليزيه لتناول وجبة كباب رائعة.”[ads3]