ألمانيا : كيف تعايش سوري وصل حديثاً مع ألمانية و ابنتها تحت سقف واحد ؟

كان أمير لا يزال في مأوى اللاجئين الذي عاش فيه لأربعة أشهر في ماغدبورغ عندما أدخل عنوان سارة في حاسوب، وباستخدام خدمة “غوغل إيرث” اقترب للمرة الأولى من حياتها، إذ اقترب على شاشته من شارعها في فرانكفورت/ماين. كان بيتها موجود ضمن صف من البنايات الكثيرة التي توجد بجوارها حدائق صغيرة مستطيلة. “إنها منطقة هادئة جدا”، هكذا تخيل ألمانيا بالضبط.

إنه شهر يناير/كانون الثاني وقريبا سينتقل أمير للعيش مع سارة، وهي ألمانية لا يعرفها إطلاقا. قبل عدة أسابيع سجل نفسه لدى منظمة تدعى “مرحبا باللاجئين”، اكتشفها عبر الإنترنت وهي توفر أماكن إقامة لللاجئين في شقق خاصة، لأن الملاجئ مكتظة. يريد أمير الانتقال إلى فرانكفورت لأن لديه أصدقاء هناك. قالت سارة إن لديها حجرة فارغة. متى يريد المجيء؟ وكان رده: في الأسبوع القادم.

كان أمير يفكر منذ إقامته في سوريا أن الألمان شعب كريم. لقد شاع أن اللاجئين السوريين يعامَلون جيدا في ألمانيا ويُسمح لهم بالبقاء.

تمكن أمير في البداية من الخروج من حلب التي تدور حولها معارك طاحنة إلى بيروت. ومن هناك حصل بصفته رجل أعمال سابقا في مجال المنسوجات على تأشيرة للسفر إلى إيطاليا. وسافر بالطائرة إلى روما وبعدها أخذ القطار إلى الشمال. كان من المفروض أن تقوم السلطات الألمانية بإعادته إلى إيطاليا، حسب قانون الاتحاد الأوروبي، لكنها اعترفت به كلاجيء. يشعر أمير بانتشاء كبير حينما يتحدث عن ألمانيا: كل هذا الكرم!

لكنه لم يفهم بعد لماذا ترغب سارة في إيوائه في شقتها.

كل ما يعرفه أمير عنها هو أنها في أوائل الثلاثين وتعمل في المجال الاجتماعي وتعيش بمفردها مع بنتها. وثمة لغز آخر: أين زوجها؟ ولكي يطمئن سارة، كتب أمير في رسائله الإلكترونية لها بالإنجليزية أنه في الثامنة والأربعين من العمر وأنه اضطر لترك زوجته وطفليه في حلب ويريد أن يحضرهم قريبا إلى هنا. وهو يأمل أن يجد مسكنا لعائلته بمساعدة أصدقائه في فرانكفورت. سيستطيع العثور على مسكن خلال شهرين، وهذه هي الفترة التي يريد أن يقضيها عند سارة حسبما كتب لها. وردت هي “هل تحتاج لماكينة قهوة في غرفتك؟ وأجاب هو: “لا تشغلي بالك كثيرا.”

ما تعتزم ألمانيا القيام به حيال اللاجئين عموما، سيجربه كل من أمير وسارة خلال الأسابيع القادمة في نطاق مصغر: ماذا يحدث عندما يلتقي الغرباء في شقة صغيرة؟

خلال أحد أيام فبراير/شباط جلس أمير على أريكة سارة في غرفة الجلوس، وهي غرفة نومها في الوقت ذاته. نامت طفلتها في الجوار. كان أمير يتحدث طوال الوقت تقريبا، ويحكي قصصا من حياته كرجل أعمال، عن رحلاته إلى الصين واليابان وكوريا وأيضا إلى ألمانيا التي زارها ذات مرة. كان يرافق أصحاب مصانع النسيج كاستشاري. إنجليزيته جيدة، يضحك كثيرا. كأنه لا يريد أن يتعرف الناس أنه في حاجة إلى مساعدة. أما سارة فهي امرأة شقراء قصيرة جلست متقرفصة على سريرها وأخذت تتأمل أمير بخجل.

يقع مسكنها في الطابق الأرضي: مساحته 60 مترا مربعا، ومكون من غرفتين. يتبع المنزل لاتحاد للمساكن الشعبية. هنا يسكن أناس أكثر بساطة من أمير الذي درس بالجامعة. تعمل سارة اخصائية في التربية الاجتماعية وانتقلت للسكن هنا لرخص الإيجار. لكل شقة في البناية غرفة علوية أسفل السطح. يعيش أمير في غرفة ضيوف سارة منذ ستة أسابيع. وبخلاف السرير الضيق، لا توجد سوى خزانة ملابس قديمة ورف ولوح مائدة موضوع على دعامة وثلاجة استطاعت سارة الحصول عليها بسرعة. بالكاد يستطيع المرء أن يتحرك. من المفترض أنه غير مسموح لأحد يسكن في هذه الغرفة، لكن سارة لم تخبر أمير.

كيف هي حال السكن تحت سقف واحد؟

“إننا نقضي الليل فقط سوية” قال أمير وانتزع بمزحته ابتسامة من سارة. تتحدث سارة ببطء شديد وكأنها تفكر في كل جملة طويلا قبل أن تنطقها. ويبدو وكأنها لا تشعر بالراحة تماما مع الضيف. لا يأتي أمير إلى الأسفل إلا من أجل الاستحمام. وهو يسأل دائما إن كان من المسموح له أن يستحم وهي تقول له دائما إن عليه ألا يسأل. بعدها يتسحب على أطراف أصابعه صاعدا السلالم، فهو يحاول أن يكون غير مرئي لإنه لا يريد أن يكون عبئا ثقيلا.

خط شيب أمير فضي ولديه كيسان دمعيان داكنان أسفل عينيه. بُلُوفَره الصوفي بالي، وإذا أشعل سيجارة في الخارج أمام الباب، ترتعش يداه. لم يبق له من حياته كرجل أعمال سوى معرفته الواسعة بالحياة، وربما يكون ذلك هو السبب وراء إبرازه لهذه المعرفة على هذا النحو. إذا تحدث عن سارة في وجودها يقول عنها “السيدة سارة” أو “سارة الرائعة”.عندما جاء إليها أحضر دُمية دُبّ لابنتها. وشَرَبا الشاي سويا. وأخيرا استطاع أن يسأل سارة لماذا وافقت على انتقاله إلى مسكنها، فقالت: “ما أفعله هنا من أجلك، يفترض أن يفعله آخرون من أجلي لو كنت في مكانك.” سارة مثالية. وقد رفضت اعتراضات أصدقائها القائلة بأنه ليس من الحصافة أن تأوي كأمرأة معيلة بمفردها شخصا غريبا. لكن قبل أن يصل أمير بفترة وجيزة انتابها الخوف من أن يسكن لديها لاجئ روّعته أهوال الحرب؟ لكنها ارتاحت لما رأت كم هو رجل دمث ومثقف.

ذات يوم طبخت له مكرونة سباغتي وسألته إن كان مسلما فقال نعم. وأضاف على الفور وكأنها تلومه، لكن إرهابي “الدولة الإسلامية” ليسوا من الإسلام في شيء.ثم سألها عن دينها. واندهش لقولها إنها لا تتبع أي دين. وقال إنه من المهم أن تنتمي لديانة ما. وإنه ينبغي عليها أن تقرأ لابنتها من الإنجيل. لكنها ردت أن هذا ليس من شأنه. والآن تحكي هذه القصة في غرفة الجلوس بلطف و هما يضحكان، رغم أنهما ساعتها كانا على وشك الشجار.

ثم تجرأ أمير وسألها أين والد ابنتها، فلا يوجد نساء يعشن بمفردهن في حلب. قالت سارة إنها انفصلت عن والد ابنتها قبل مولدها وهو لا يرغب حتى يومنا هذا في رؤية ابنته. كان ذاك نبأ صادما لأمير. ورأى إنه ينبغي عليها أن تسكن عند والديها، فبالنسبة له يعتبر أسلوب حياتها بالطبع خاطئا. ” بالمقارنة بالألمان، للعائلة أهمية أكبر لدينا نحن السوريين”.

رن هاتف أمير واختفى خارجا من المسكن. قبل قليل كان قد قال لسارة إن عائلته ستصل قريبا. لقد وصلت زوجته مع طفليه إلى بيروت واستطاع أن يحصل على تأشيرة لهم من السفارة الألمانية. هذا ما يسمى في ألمانيا لم شمل العائلة. والآن أصبح أمامه أقل من أسبوع للبحث عن سكن. نظرت سارة بقلق عندما حكى لها ذلك: وتخيلت كل العائلة في الغرفة العلوية. وقالت بصوت مكتوم “هذا ممكن ليوم أو يومين”. للحظة بدا وكأن سارة ندمت على مثاليتها.

بعد ذلك ببضعة أسابيع، في يوم ربيع مشمس، دق أمير على باب سارة. لم يكونا قد رأيا بعضهما منذ فترة، ووضع شوكولاتة لطفلتها على المائدة. لقد تمكن من الحصول على مسكن قبل أن تأتي عائلته وانتقل إليه. ضمنه أصدقاؤه السوريون وأقرضوه مالا. تعيش العائلة الآن في مسكنها الخاص، لكن بدون أثاث. الكل ينامون على الأرض. ما زال أمير ينتظر أن تتولى إدارة العمل دفع إيجار البيت. قال لسارة بالإنجليزية “آي مِيس يُو” (إنني أفتقدك). في بلده تعتبر هذه الجملة مهذبة، لكن سارة كادت تراقبه منزعجة تنكس برأسها فقط. “هل يا ترى أستطيع أن أستعير الثلاجة التي في غرفتي؟”

قبل أن يمضي تحدثت جارة منزعجة إلى أمير وسألته إن كان يسكن في الأعلى؟ لأن هذا ممنوع. وأجابها أن هذا ليس من شأنها. خلال الشهرين اللذين عاشا خلالهما سويا، احتفظ أمير لسارة بمكان في قلبه امتنانا لها، لكنهما لم يتعرفا بحق على بعضهما. قالت سارة بعد غياب أمير، إنها فرحانة أنها تعرَّفت به قليلا و مرتاحة في نفس الوقت لمغادرته لأنها لا ترغب في مشاكل مع المؤجِّر. لم يستغرق الوداع أكثر من عشر دقائق. صعد أمير مرة أخرى إلى غرفته، لقد نسى دخانه. جال ببصره في الغرفة الضيقة. لقد أحب هذا المكان، إنه، كما يقول، أول مكان يخصه في ألمانيا.

*تم تغيير الأسماء في القصة، الصورة تعود لسرير أمير في بيته السابق في فرانكفورت

نُشر هذا المقال باللغتين الألمانية والعربية في مجلة “تسايت ماغازين” في عدد خاص عن اللاجئين في ألمانيا

مواضيع متعلقة:

مجلة ألمانية تصدر عدداً خاصاً باللاجئين بالعربية و الألمانية .. و صحفي من مكتب تحريرها لعكس السير : مرحباً باللاجئين دون أي علامة استفهام

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫16 تعليقات

  1. تحية للقلوب الطيبة التي لاتعرف الحدود ولا تفسدها الفروقات..
    تحية لسارة او ايا كان اسمها..
    لامثالها ترفع القبعات

  2. معقول ما عملوا شي تاني …..

    تجار حلب بعد ما دمروا حلب بدعم التشبيح والاقتصاد العلوي راحوا زحف على اوروبا كل رجل اعمال ينفد بجلدو

    وبالنسبة للمقال مصطنع

    1. يعني انتو على اساس ما دمرتوا سوريا وبعدا اتصالحتو مع النظام وتركتوا السوريين

  3. كل السخط والعار لدول لدول الخليج . هاهي اوربا تستقبل اللاجئين السورين وتفتح لهم بيوتها .. من الكافر اذن ؟؟

  4. هذه ملحدة كافرة ولكنها تعاملت بمنتهى الإنسانية مع لاجئ سوري لا تعرفه. أين من طيبتها من يدعون التدين ويكفرون الآخرين ولا يترددون في ارتكاب الجرائم باسم الدين؟

  5. مع انها كافرة ……………. لكن و الحق يقال انها انسانة قبل كل شيئ

  6. الدين عند الله الاسلام
    اذا كانت سارة انسانة مليحة كويس الله يكثر من امثالها
    بس هاد لا بينقص من اخلاق المسلمين
    نحنا بسوريا بس صار العدوان على اللبنان فتحنا بيوتنا للاهل الجنوب وستقبلناهن وصرفنا عليهن من جيوبنا مو من جيوب النظام
    وللاسف شو كان الرد
    هلق حاطين الشعب السوري بخيام وبيشحدو عليهن

    1. الدين عند الله الإسلام من وجهة نظرك الضيقة، وتذكر الآية الكريمة التي تقول “إن الذين آمنوا، والذين هادوا، والنصارى والصابئين، من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا” … حتى نهاية قوله عز وجل ! هذه السيدة أفضل من مئات الآلاف من المتنكرين خلف ستار الدين.

  7. اهل سوريا ماخلوا بلد انضربت الا فتحوا بيوتهن وقلوبهن لاهلها
    فلسطينيين وعراقيين وبنانيين و لك حتى صوماليين
    لا حدا ينظر علينا ويقول يلي عملتو المانيا او اي دولة من دول الغرب ماحدا عملو
    نحنا اعملنا اكثر منو بكتيييييير
    بس مع طلع حد بيستاهل

  8. عندما نزح السريان من تركيا إلى سوريا احتضنهم المسلمون ومنحوهم كل فرص الاندماج ولكن ما أن حكم البعث والعلويون سوريا تحالفوا مع النظام ضد المسلمين وصاروا أكثر ولاء من العلويين

    1. هذا كلام طائفي ومعيب، وهو أبعد ما يكون عن الصحة، ونعرف آلاف الشباب السريان المغتربين المؤيدين للثورة. حضرتك من الشبيحة؟

  9. يعني تاجر ورجل أعمال قلتولي ؟؟؟!!!. وبعدين بتقولو انو راح يسكن عند وحدة المانية ليش ما يسكن على حسابو . الحلبية الأغنياء عن تجربة هم بخيلين وشحادين ومصلحجيين . يرجى النشر .

  10. جمعة ثوار وتجار …..
    للاسف كل صيحات الثورة والتأملات بانضمام التجار للثورة والتخلي عن النظام المجرم باءت بالفشل

    اليوم حلب محاصرة تسقط عسكرير بيد الثوار
    اين التجار ؟ ….
    لاذوا بالفرار

  11. بسم الله الرحمن الرحيم
    وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ 85 – (ال عمران
    صدق الله العظيم
    خيط بغير هل مسلة
    الدين الحق هو الاسلام فقط