تحليل إسرائيلي يرصد خريطة سوريا المفككة على أنقاض الأسد
قدمت صحيفة نظرة عليا الإسرائيلية الثلاثاء، تحليلا استراتيجيا حول الأوضاع الحالية في سوريا يرسم خريطة التطورات ويحلل التأثيرات والتبعات الداخلية والإقليمية للاتجاهات المتبلورة، بما في ذلك على دولة إسرائيل.
ويخلص هذا التحليل الذي أعده الكاتبان في الصحفية أوريت فرلوب وأودي ديكل إلى أنه حتى ولو نجح الأسد بمساعدة “المحور الشيعي” في الاستمرار بالاحتفاظ بدمشق، فهو عمليا يسيطر على ربع مساحة سوريا، ولا يمكنه أن يعيد إلى الوراء الحدود الجديدة التي تشكلت على أنقاض دولته.
ونوه التحليل إلى أنه مع دخول الحرب في سوريا عامها الخامس، تلوح في الأفق عدة تطورات من شأنها أن تغير ميزان القوى والوضع القائم بين نظام الأسد و”المحور الشيعي” الداعم له، وبين تنظيمات المعارضة، المحسوبة بمعظمها على المعسكر السني. اشتباكات ذات تأثير كبير تدور على الجبهات المختلفة وتخلق سيناريوهات محتملة فيما يتعلق بمستقبل سوريا.
صورة الوضع: أربع جبهات، أربعة جيوش
وقالت “نظرة عليا” في تحليلها إن الاشتباكات في سوريا تدور على أربع جبهات رئيسية (بدون القوات الكردية)، حيث تعمل في كل جبهة قوة مهيمنة من المعارضين لنظام بشار الأسد.
وتقف في وجه المعارضة القوات المؤيدة للأسد، بما فيها جيش سوريا المفكك، وقوات القدس الإيرانية (طهران هي راعي نظام الأسد المنهار)، ومقاتلي حزب الله (حوالي خمسة آلاف منهم يقاتلون على الأراضي السورية)، وكذلك الآلاف من المتطوعين، الذين تدفقوا إلى سوريا وانخرطوا في إطار مليشيات شيعية، بحسب الصحيفة.
وفصلت الصحيفة في الحديث عن الجبهات الأربعة بالقول:
الجبهة الأولى، الجبهة الشرقية والقوة الرئيسية العاملة بها هي تنظيم “داعش”، الذي استكمل سيطرته على شرق سوريا والمعابر الحدودية بين سوريا والعراق، واحتل في الأسبوع الأخير أيضا مدينة تدمر.
أما الجبهة الثانية، بحسب التحليل، فهي الجبهة الشمالية التي مركزها مدينة حلب وتقودها جبهة النصرة. ومؤخرا نجح هذا التنظيم في تشكيل إطار لعدد من التنظيمات الإسلامية المعارضة باسم “جيش الفتح” لاحتلال مدن إدلب وجسر الشغور، وتتمركز على الجسر الرابط بين حلب واللاذقية على الساحل، منطقة سيطرة الطائفة العلوية، التي ينتمي إليها رئيس النظام بشار الأسد.
وأشارت الصحيفة إلى أن الجبهة الوسطى تمتد على طول المحور الرئيسي حماة – حمص – دمشق. في هذه الجبهة أيضا، القوة الرئيسية المسيطرة من المتمردين هي “جبهة النصرة”، وتقاتل ضد حزب الله في جبل القلمون من أجل السيطرة على حدود سوريا ـ لبنان، والمعابر الحدودية، وممرات الإمدادات بين سوريا ولبنان، وكذلك للسيطرة على المحور الرئيسي من دمشق إلى شمال البلاد ومنطقة الساحل.
وحول الجبهة الجنوبية، وفقا لنظرة عليا، وهي المنطقة الممتدة بين دمشق ودرعا في الجنوب، السويداء في الشرق والقنيطرة في الغرب. شكلت قوى المعارضة في هذه الجبهة قوة مشتركة يمثلها جيش الإسلام، الذي يضم جبهة النصرة، وجيش سوريا الحر، والجبهة الإسلامية ومنظمات أخرى. هذه القوة، وهي الأقوى في المنطقة، نجحت في وقف الهجوم المضاد للقوات المشتركة للجيش السوري، وقوات القدس الإيرانية ومقاتلي حزب الله. واليوم يسيطر “جيش الإسلام” على معظم هذه المنطقة ويحاول تعزيز سيطرته عليها، من خلال السيطرة على الجيوب المؤيدة لنظام الأسد.
تحالفات قوات المعارضة والدول السنية الداعمة لها
وتابعت الصحيفة تحليلها أنه وفي موازاة التغيير الحاصل على جبهات القتال، واستعداد تنظيمات المعارضة السنية للتنسيق فيما بينها، ودمج قواتها (في هذه المرحلة، على أساس مؤقت ومناطقي) في إطار “جيش الإسلام” و “جيش الفتح”، حصل تغيير في المصالح للدول الداعمة لقوات المعارضة.
ونوهت إلى أن العربية السعودية والأردن، توصلتا إلى تفاهمات مع تركيا وقطر، الداعمة للإخوان المسلمين (وبشكل غير مباشر للدولة الإسلامية)، حول توحيد القوات والجهود بهدف إسقاط نظام الأسد بداية وتأجيل معالجة مشكلة “الدولة الإسلامية” وكذلك لإلحاق الضرر بالمصالح الإقليمية الإيرانية.
وأشارت إلى أن الدول الأربعة اتفقت فيما بينها على تدريب وتسليح قوات المعارضة على أراضي الأردن وتركيا، بمساعدة وتمويل سعودي وقطري. وفي نفس الوقت توظيف الجهود لإقناع القوات السنية للتوحد. تهمين على هذه القوات بشكل أساسي عناصر مؤيدة للإخوان المسلمين والقاعدة، والتي تهدف، إلى بلورة جيش معارضة واحد، مع قيادة وعنوان متفق عليهما من قبل غالبة التنظيمات التي تقاتل ضد نظام الأسد.
ونوهت الصحيفة إلى أن هذه القوات تعتمد على التنظيم الأقوى بينها، “جبهة النصرة”، التي هي من فروع تنظيم القاعدة. ولذلك فإن الدول السنية تحاول “الترويض” عن طريق إقامة تنظيم عسكري واحد، ذو هوية سورية مميزة، وتبديد بصمات القاعدة عنه وتعزيز الاحتمال، بدعم هذا الاتجاه من قبل الولايات المتحدة.
تشويش خطة ايران وحزب الله
وقالت نظرة علي إن كفة المعركة، قبل شهرين، كانت تميل لصالح إيران وحزب الله وازداد الاحتمال بأن تنجح قواتهما بالسيطرة على جنوب سوريا، منطقة هضبة الجولان وحدود سوريا – لبنان. بتعليمات إيرانية وبقيادة قاسم سليماني، قائد قوات القدس التابعة لحرس الثورة في ايران، تم تجميع قوات الجيش السوري، إلى جانب قوات القدس، ووحدات من حزب الله والمليشيات الشيعية، العاملة تحت التأثير الإيراني، من أجل خلق كتلة حاسمة لاحتلال جنوب سوريا وهضبة الجولان من أيدي المعارضة.
ونوهت إلى أن زعيم حزب الله، حسن نصر الله أعلن عن “توحيد جيو- استراتيجي بين جنوب سوريا وجنوب لبنان”، وأن “مصير جنوب سوريا من مصير جنوب لبنان”. ولكن، الجهد المشترك لمحور ايران – سوريا – حزب الله تم إحباطه، إذ استغلت قوات المعارضة الفرصة التي توفرت بتجميع قوات “المحور” في منطقة هضبة الجولان في جنوب سوريا، من أجل تعزيز القوات والجهود في الجبهات الأخرى – إدلب وحلب، وجبال القلمون (ممر الحدود وطريق الإمدادات بين سوريا ولبنان)، شرق سوريا وكذلك شرق دمشق، حيث تم هناك القيام بهجوم تنظيم الدولة على مخيم اللاجئين الفلسطينيين اليرموك. عمليا، تمت رؤية مؤشرات للتنسيق بين قوات المعارضة السنية ولإدارة الجهود المتوازية من قبلهم على جبهات القتال المختلفة.
وتابعت الصحيفة أنه ونتيجة لذلك، فبدلا من تطوير الجهد الهجومي في جنوب لبنان، اضطرت قوات “المحور الشيعي” للدفاع وتعزيز القوات في باقي الجبهات. الجيش السوري سحب قوات إلى دمشق ومنطقة إدلب – جسر الشغور، وحزب الله اضطر لسحب 85 بالمئة من قواته من جنوب سوريا وكذلك نقل قوات من جنوب لبنان إلى الجبهة الوسطى واستعد مجددا للقتال في جبال القلمون.
وأكدت أنه من دلائل الضغط الذي تعرضت له القوات الموالية للأسد كان إعلان نصر الله أنه “إذا سقط الأسد، سيسقط حزب الله أيضا”، وفورا ألحق ذلك بعبارة “لن يسقط نظام الأسد”. ومنذ ذلك الحين تركز حزب الله في المعركة على جبال القلمون ومن أجل ذلك قام بتجنيد المقاتلين والأموال كما أنه يقوم بإخفاء أعداد القتلى في صفوفه . هذه الجبهة مهمة بشكل خاص لحزب الله لأن السيطرة عليها حيوية لمنع تمدد التنظيمات السنية السلفية، وخاصة “جبهة النصرة” و “داعش” للأراضي اللبنانية، وللدفاع عن خط الإمدادات من سوريا للبنان والحفاظ على السيطرة على محور الإمدادات الحيوي من دمشق إلى حمص ومن هناك إلى شمال غرب سوريا.
هل وصلنا إلى نقطة التراجع بالنسبة لنظام الأسد؟
وقالت نظرة عليا في تحليلها في هذه المرحلة، على ما يبدو، أن القوات الداعمة لنظام الأسد، تجد صعوبة في وقف قوات المعارضة الموحدة. ومع ذلك، فمن المتوقع، أن تبذل إيران وحزب الله كل جهودهما لمنع سقوط دمشق بأيدي القوات السنية وانتهاء النظام العلوي، حليفهم في سوريا. على الرغم من أنه لا يوجد في سوريا أغلبية شيعية، إلا أن طهران ترى بدمشق وبيروت وكذلك بغداد حلقات استراتيجية حيوية في “الهلال الشيعي”. ففي نظر طهران، فإنه كما هو الحال لدور المليشيات الشيعية في العراق، هو دور حزب الله في الدفاع عن هذه الحلقة.
ونوهت الصحيفة إلى أنه من الممكن الافتراض أنه حتى ولو استمرت موجة انتصارات جيوش المعارضة السنية في سوريا، فإن ايران وحزب الله سوف يستمران بالقتال لمنع سقوط دمشق في أيديهم.
وأكد التحليل أنه حتى ولو نجح الأسد بمساعدة “المحور” الاستمرار بالاحتفاظ بدمشق، عمليا هو يسيطر على ربع مساحة سوريا ولا يمكنه ان يعيد إلى الوراء الحدود الجديدة التي تشكلت على انقاض دولته. فتنظيم الدولة لن يتنازل عن سيطرته على شرق وشمال شرق سوريا وعلى التواصل الجغرافي مع غرب العراق. ونصر الله من جانبه أعرب في مقابلاته عن رؤية “لبنان الكبير”، الذي يشمل معاقل نظام الأسد، من اللاذقية جنوبا على طول حدود سوريا – لبنان، ولغاية دمشق والجولان السوري.
وأشار إلى أنه من الصعب بالنسبة لجنوب سوريا وصف وضع تسلم فيه الأردن وإسرائيل بتقدم أو سيطرة قوات إيرانية وحزب الله على هذه المنطقة. الأردن وكذلك الأمر بالنسبة لإسرائيل – على الرغم من الغموض، فإنها تفضل، أن المناطق التي يتم السيطرة عليها من الأسد، أن تسيطر فيها قوات سنية، الموحدة مع قوات المعارضة، على افتراض أنه مع عملية التوحيد يزداد التوجه نحو البراغماتية من قبل الراديكاليين الإسلاميين، وهو تطور من شأنه أن يساهم في استقرار المنطقة، إلى جانب تدوين عنوان مسؤول واحد بدلا من وجود عدة عناوين تتصارع فيما بينها.
اتجاهات للاستمرار
وقالت نظرة عليا إن تحالف قوات المعارضة السنية، إلى جانب التفاهمات التي تمت بلورتها بين الدول السنية الداعمة لها والتي تسعى لإسقاط نظام الأسد، تسببت بتغيير في ميزان القوى في الحرب الأهلية في سوريا وأدت إلى انطلاقة في الطريق المسدود، الذي ميز القتال في السنة الأخيرة.
واستدركت بالقول مع ذلك، لا يمكن لغاية الآن التقرير، أن نظام الأسد سينهار قريبا ويتوقع أن يدور قتال مرير وصعب بين قوات المعارضة السنية وقوات المحور الشيعي. ولا يمكن استخلاص أنه لن تحدث تطورات، قد تكون قاعدة لمبادرة سلمية، دولية وإقليمية، يكون مضمونها وقف القتال في سوريا.
وتابعت أنه من الممكن أن توافق الأطراف المتحاربة إلى الوصول إلى تفاهمات من نوع ما كمرحلة انتقالية، إلا أنه من غير المتوقع أن تتنازل عن إنجازاتها في ساحة المعركة، مما يعني تفكك سوريا إلى أربعة أقاليم منعزلة – الإقليم الكردي في شمال البلاد، شرق البلاد، الذي يسيطر عليه تنظيم “داعش” ، المحور الأوسط دمشق – حمص – اللاذقية، الذب تسيطر عليه القوات الموالية للأسد، وباقي المناطق، التي تسيطر عليها قوات المعارضة السنية.
وأشارت نظرة عليا إلى أن سمة رئيسية تتسم بها الحرب في سوريا، لغاية الآن، هي ميل تنظيمات المعارضة السورية للتوحد والتعاون وللتفرق على أساس حاجات محلية ومصالح آنية. الخلافات والتناحر بين تنظيمات المعارضة المختلفة تجعل من الصعب التحالف العسكري والسياسي فيما بينها على المدى البعيد. وهكذا هو الحال على المستوى الاستراتيجي الإقليمي، فمن الصعب الافتراض، أن بلورة تحالف الدول السنية ضد استمرار نظام الأسد وضد الهيمنة الإيرانية على سوريا والمنطقة بأكملها، سوف تستمر لفترة طويلة من الوقت.
وأضافت أنه من أجل مأسسة التعاون فيما بينها، يتوجب عليها التغلب على الخلافات العميقة في العديد من المواضيع وتنحية الخصومات الأيديولوجية، الدينية والسياسية جانبا. العنصر الرابح من استمرار وتعاظم الخصومة، هو تنظيم “داعش”، الذي يستغل كل فرصة من أجل فرض سيطرته على المناطق التي تتواجد فيها قوات الأسد، وفي المقابل قوات المعارضة، تتقاتل فيما بينها.
وختمت الصحيفة تحليلها بأنه وعلى ضوء الاتجاهات المتبلورة في سوريا والى جانب عدم اليقين تجاه عواقبها، التوصية هي بأن تستمر حكومة إسرائيل بالامتناع عن المساعدة المباشرة لقوات المعارضة السورية المتخاصمة. وفي المقابل، وعلى المستوى الاستراتيجي، فمن السليم أن تعمل إسرائيل على بناء منظومة تنسيق مع “محور الدول السنية”، وبالخصوص من اجل منع التطورات السلبية وتمدد الأحداث إلى حدودها في هضبة الجولان وجنوب لبنان.
وطالب التحليل إسرائيل بالاستمرار في مساعدة الأردن وبوساطتها من أجل التوصل إلى تفاهمات استراتيجية مع تركيا والعربية السعودية، فيما يتعلق بوقف تمدد وانتشار التأثير الإيراني في المنطقة، وفي نفس الوقت في منع الوصول إلى وضع يتمكن فيه تنظيم الدولة من استغلال الوضع في سوريا لتوسيع سيطرته وتأثيره.[ads3]