شروط حزب الحركة القومية و احتمالات التحالف
من الواضح أن رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان لن ينتظر حتى الانتهاء من اختيار رئيس جديد للبرلمان التركي كي يكلّف أحداً بتشكيل الحكومة، بل سيقوم بتكليف رئيس حزب العدالة والتنمية “أحمد داود أوغلو” بتشكيل الحكومة اعتباراً من الرابع والعشرين من الشهر الجاري، أي بعد أداء النواب لليمين الدستوري.
وأعتقد أنّ في استعجال الرئيس أردوغان بهذه الخطوة، فائدة للدّولة التركية. فالاجواء العامة الان توحي وكأنّ تركيا يحكمها نوع من الازمة الخانقة التي يصعب الخروج منها. وإنّ حالة عدم الاستقرار وإن كانت موجود الأن، فإنّها وليدة النظام البرلماني الذي أصبح لا يستطيع مواكبة التطور الحاصل في تركيا. فعندما لا يستطيع أحد الأحزاب السياسية من الحصول على القدر الكافي من الأصوات التي تخوّله تشكيل الحكومة لوحده، عندها يصعب تشكيل الحكومة في ظل الاستمرار بالنظام البرلماني. وإذا كانت الأحزاب لم تتبنّى بعد ثقافة التحالفات، فإنّ نظام الحكم في البلاد يدخل تعقيدات لا يمكن حلها. وعندما يتذكر الشعب معاناته من حكومات التحالفات السابقة، فإنّ نوعاً من عدم الاستقرار والارتباك يبدوا واضحاً في الرأي العام.
على الرغم من انّ الدستور التركي خوّل رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان بتوكيل من يشاء من النواب الجدد لتشكيل الحكومة، إلّا أنّ أردوغان لن يخالف ما جرت عليه العادة وسيقوم بتكليف أحمد داود أوغلو بمهمة تشكيل الحكومة الجديدة. وبناء على ذلك فإنّ الجولة الأولى من مناقشات التحالفات سوف يقوم بها داود أوغلو.
لكننا شهدنا في السنوات الماضية زعماء وقادة خالفوا ما هو معهود عليه منذ عقود. فقد قام الرئيس الراحل سليمان ديميرال بتكلف النائب البرلماني “ياليم أيزير” بتشكيل الحكومة عام 1998 على الرغم من أنّ أيزير لم يكن رئيسا لأي حزب. والان هل يتكرّر التاريخ؟ لا ندري.
لكن تقاسم الأحزاب للمقاعد البرلمانية والتصريحات الصادرة عن قادة تلك الأحزاب وأعضائهم، يوحي بأنّ مرحلة صعبة تنتظرنا خلال الفترة القادمة.
حزب الحركة القومية أغلق كافة الأبواب لاي احتمال يوجد فيه حزب الشعوب الديمقراطية. كذلك حزب الشعب الجمهورية وحزب الشعوب الديمقراطية أيضاً أغلقا الباب للتحالف مع حزب العداة والتنمية وهذا واضح من المطالب التي يطلقونه. وفي هذه الحالة، فإنّ احتمال تشكيل أحزاب المعارضة للحكومة الجديدة تكاد أن تكون معدومة.
العرض الذي تقدّم به رئيس حزب الشعب الجمهوري لحزب الحركة القومية من أجل تشكيل حكومة من أحزاب المعارضة مقابل أن يتولّى دولت بهتشلي (رئيس حزب الحركة القومية) رئاسة الوزراء، دفع بالاخير إلى السخرية من هذا العرض وهو الشخص الذي لم يعرف عنه بأنّ يسخر من مثل هذه العروض.
الوعد الذي قطعه حزب الشعوب الديمقراطية حول تقديم الدعم لحكومة إئتلافية بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري، لم يأخذه أحد على محمل الجد. لان حزب الشعب الجمهوري أغلق الأبواب أمام التحالف مع العدالة والتنمية. ولنفرض أنّ حزب الشعب الجمهوري فتح أبوابه للعدالة والتنمية، فإنّ مجموع مقاعد الحزبين يساوي 390 مقعدا، فعندها أصلاً لا يحتاجون إلى دعم أحد.
لم يبقى سوى تحالف الحركة القومية مع العدالة والتنمية:
إذا ما اطلعنا على ما يُكتب في الصحف، نجد أنّ هذين الحزبين اتفقا على كل شيئ وحتّى أنهما تقاسما الوزارات فيما بينهما. لكن بالمقابل عندما ننظر إلى الشروط التي اشترطها قادة حزب الحركة القومية من أجل التحالف مع العدالة والتنمية، نستنتج أن عقد تحالف بين هذين الحزبين ليس بالأمر السهل كما يظنّه البعض. فتصريحات رئيس حزب الحركة القومية التي أدلى بها لإحدى الصحف المحلية توحي بأنّ مرحلة المفاوضات بين الحزبين ستكون عسيرة للغاية.
فعلى سبيل المثال فإن الحركة القومية تطالب بإخلاء رئيس الجمهورية للقصر الرئاسي الجديد والعودة إلى القصر القديم، إضافةً إلى ذلك فإنّ حزب الحركة القومية يطالب بإلتزام رئيس الجمهورية ضمن نطاق الصلاحيات الدستورية الممنوحة له. كما يطالبون بإعادة فتح ملف الوزراء الأربعة الذين تمّ اتهامهم باختلاس الأموال العامة خلال أحداث 17 – 25 ديسمير الشهيرة، علاوةً عن إيقاف مسيرة المصالحة الوطنية مع الاكراد والتي يعتبرها قادة حزب الحركة القومية بمسيرة الإهانة لسيادة الدولة التركية.
وإذا ما نظرنا إلى هذه الشروط من منظار العدالة والتنمية، نجد أنّ قادة العدالة والتنمية لا يهتمّون إلّا بشرط مسيرة المصالحة الوطنية وقضية إعادة فتح ملف الوزراء. أمّا الشروط البقية لا تعيق العدالة والتنمية في طريق تشكيل الحكومة مع حزب الحركة القومية. وفي حال موافقة حزب العدالة والتنمية لهذين الشرطين، يكون قد أنكر كل المبادئ التي أطلقها خلال فترة تفرّده بالسلطة.
لكن على الرغم من كل هذه المصاعب، هل بإمكان هذين الحزبين التحالف من أجل تشكيل الحكومة الجديدة؟ نعم يمكن لهذين الحزبين أن يشكّلا تحالف ويبنيا الحكومة الجديدة، لكن لا أحد يستطيع أن يتكهّن عمر هذه الحكومة.
رسول طوصون – صحيفة ستار – ترك برس[ads3]