تقنيات ألمانية لاصطياد طائرات صغيرة بلا طيار
يمكن للطائرات الصغيرة بلا طيار أن تنقل 15 كيلوغراما بين مكان وآخر وهذا يعني إمكانية استخدامها لنقل مخدرات أو قنبلة كيميائية صغيرة أو سلاح، ولا بد حينها من تطوير تقنيات لاصطيادها.
ماجد الخطيب: اعتقل شاب ألماني قبل سنة ونصف لأنه نفذ “غارة جوية” لتصوير المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل باستخدام طائرة صغيرة غير مأهولة، بينما كانت تحضر ندوة سياسية في دريسدن في اطار حملتها الانتخابية.
فقد برزت الطائرة فجأة فوق رؤوس الحضور، ثم حول المنضدة التي كانت ميركل تجلس إليها برفقة وزير الدفاع السابق توماس دي ميزيير، الأمر الذي أثار بلبلة بين حرسها الذين يتعاملون مع الأجواء فوق رأس أنجيلا ميركل كمنطقة No Fly Zone.
ظاهرة مقلقة
ذكرت الصحافة الألمانية أن هذا الحدث دفع بالحكومة الألمانية للبحث عن آليات جديدة لرصد وملاحقة واسقاط مثل هذه الطائرات عند الحاجة، بعد أن تحول انتشارها إلى ظاهرة مقلقة.
وتقدر شركة “ديدرون” الألمانية، المختصة في صناعة الطائرات الصغيرة بلا طيار، المخصصة لمختلف الاستعمالات، بيع 300 ألف طائرة من هذا النوع على الصعيد العالمي شهريًا. وهي طائرات تختلف في أشكالها أحجامها وقدراتها، وفي مواصفاتها عمومًا، وتتطور تقنياتها باستمرار. وبعد أن دخلت هذه الطائرات الصغيرة ميدان اللهو، والتمتع بوقت الفراغ، بقوة صارت تقتحم ميادين البريد ونقل البضائع (أمازون) ورش المبيدات والرقابة على المنشآت، ناهيكم عن ميدان الجاسوسية، وميدان الجريمة المنظمة.
وفضلًا عن مشكلة تعريض أمن المطارات والأجواء الدولية للخطر، يمكن أن يستخدم بعض هذه الطائرات الصغيرة، القادرة على حمل 15 كغم، في نقل قنبلة صغيرة، أو نقل مخدرات عبر الحدود، أو استخدامها في عمليات ارهابية، أو ربما في خطف طفل صغير. وتنظر حكومات العالم بقلق إلى سرعة انتشار هذه الطائرات بين الناس، وتفكر السلطات الأمنية كثيرًا في طرق اصطيادها ومنع استخدامها في الجريمة والإرهاب.
سيناريو رعب
يمكن بعض هذه الطائرات أن ترتفع إلى أكثر من 50 مترًا، أن تبقى معلقة في الجو لعدة ساعات، وأن تنطلق بسرعة ترتفع إلى 17كم/ساعة، وذات مدى يصل إلى 50 كم. والأهم أن بعض التقنيين صار يستخدمها بشكل أسراب تتألف من عشرات الطائرات الصغيرة يمكن تنظيم عملها بحيث تكمل الواحدة عمل الأخرى، وهو ما يتيح استخدامها لمهاجمة هدف معين بالقنابل.
ورسمت صحيفة “دي يلت” الواسعة الانتشار سيناريو رعب يصور تجميع 50 طائرة صغيرة محملة بالمتفجرات، يجري تجميعها من قبل الإرهابيين في ضواحي برلين، ومن ثم توجيهها عن بعد لمهاجمة مبنى البرلمان الألماني أثناء جلسة كاملة في مبنى الرايخستاغ.
ويعترف يورغ لامبريشت، أحد مؤسسي شركة ديدرون، بأن مخاطر استخدام هذه الطائرات في عالم الجريمة والإرهاب تزداد يومًا بعد يوم، بدلًا من أن تتضاءل. ويرى لامبريشت، الذي يتخصص بالأنظمة الإلكترونية الدفاعية، أن طيران طائرة صغيرة من هذا النوع فوق ملعب بايرن ميونخ، ترش رذاذ ماء أو طحينًا على رؤوس المشجعين، يمكن أن يؤدي إلى حالة هلع تودي بحياة الكثيرين، إذ قد يعتقد البعض أن الطحين جرثومة ما أو أن الماء مادة بيولوجية سامة.
وسبق لحوادث معينة أن كشفت عن مخاطر استخدام الطائرات الصغيرة غير المأهولة في عالم الجريمة، مثل استخدامها لايصال هاتف جوال إلى داخل أحد السجون البريطانية، واستخدامها لنقل المخدرات عبر الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة.
لاقطات صوتية
استخدمت شركة “درون شيلد” أنظمة لاستراق السمع على حركة الطائرات غير المأهولة بهدف الكشف عنها. وطورت الشركة، المختصة في أنظمة الدفاع ضد هذه الطائرات، 200 نظام مختلف لرصد هذه الطائرات وكشفها، لأن أنظمة هذه الطائرات مختلفة ومتنوعة وتطلق “ضجيج” محركات من ذبذبات مختلفة. وتستطيع هذه الأنظمة كشف محاولات التجسس باستخدام مثل هذه الطائرات عن بعد 150 مترًا.
لكن استخدام هذه الأنظمة “الصوتية” في المناطق الضاجة، مثل الملاعب المكتظة، متعذر لأنها تعتمد في تقصياتها على الصوت، مع ملاحظة أن هناك نوعا من هذه الطائرات لا يطلق ضجيجًا يذكر ويسمى “الهامسة”. بل انتجت العديد من الشركات طائرات هامسة إلى حد انها صارت تستخدم في مراقبة وتصوير الطيور والحيوانات المرهفة السمع ، وفق ما افادت صحيفة إيلاف.
في الظلام
طريقة أفضل ابتكرتها شكة “درون لابز”، المختصة أيضا بالأنظمة الدفاعية، واستخدمت الشركة موجات راديو تلتقط الموجات المستخدمة في التحكم بالطائرة عن بعد. ويمكن لهذا النظام بالطبع أن يتدخل للتشويش على الطائرة ومنع وصولها إلى هدفها.
ويعمل هذا النظام في الظلام بغض النظر عن سرعة الريح، ولا تؤثر أصوات الطيور والأصوات الخارجية على عمله. والأهم هو أن طريقة موجات الراديو تتيح لمستخدمها تتبع مصدر موجات التحكم بالطائرة الصغيرة وصولًا إلى مستخدمها. وتقول مصادر الشركة إن موجات الراديو المذكورة تمارس عملها عن بعد يزيد قليلًا عن 700 متر. تبقى مشكلة هذه الطريقة انها لا تنفع في رصد الطائرات الصغيرة المبرمجة 100% نحو الهدف، لأن هذا يعني عدم حاجة المستخدم لأشعة التحكم عن بعد.
عمومًا، لا تبدو أنظمة الرقابة بالفيديو مناسبة لرصد وملاحقة الطائرات غير المأهولة، رغم انها تعمل على علو 1000 متر. وأهم معوقات هذه الأنظمة هي الحالة الجوية والظلام ثم ارتفاع كلفتها وحاجتها إلى خبراء حقيقيين لتشغيلها. تأتي بعد ذلك مشكلة عجز بعض أنظمة الرصد البصري عن التفريق بين طائرة صغيرة أو طير كبير، الأمر الذي قد يؤدي إلى بعض الملابسات.
اصطياد بالشباك
يرى الخبير يورغ لامبريشت أن اصطياد الطائرة الموجهة قبل وصولها إلى هدفها هو الأهم في أنظمة الدفاع، لكن اصطياد الطائرة المحملة بالمتفجرات يبقى خطرًا على السكان. ولذلك، ابتكرت شركة “مالو تكنيك” طريقة لملاحقة الطائرة الصغيرة غير المأهولة بطائرة مماثلة لها قادرة على اصطيادها بواسطة شبكة، وانزالها ببطء إلى الأرض. والطريقة ناجحة، لكنها تحتاج إلى مران طويل، خصوصًا وان العملية تجري بين طائرتين سريعتين جدًا.
ومن لا يمتلك مثل هذه الأنظمة الرادعة، بحسب لاميريشت، يمكنه استخدام طرق أسهل لطرد مثل هذه الطائرات أو تشويش مهماتها وأنظمتها. من الممكن استخدام أجهزة تطلق الضباب الكثيف أو خراطيم المياه للتشويش عليها، كما يمكن استخدام الأنظمة الأمنية الخاصة بسد النوافذ والأبواب والثغرات في الأبنية آليًا حال اقتراب طائرة تجسس من المبنى.
الحل الأمثل، بحسب رأي الخبير، هو تطوير أنظمة تتدخل في أنظمة هذه الطائرات الإلكترونية، تفرض نفسها على هذه الأنظمة وتتحكم بها، و من ثم انزال الطائرة في المكان المطلوب. وهناك العديد من الشركات التي تعمل بجد لتطوير مثل هذا النظام، لكن الطائرات غير المأهولة تتطور أيضًا بسرعة تطور التقنيات المضادة لها.
الطائرة وبناتها
وأبرز مثال على ذلك تبني وزارة الدفاع الألمانية مشروع إنتاج الطائرة الصغيرة غير المأهولة “الولودة” قبل سنتين. وهي أول طائرة تجسس صغيرة بلا طيار، قادرة على إطلاق طائرات تجسس أصغر من جوفها بهدف توسيع رقعة الرقابة.
ويمكن للمهندسين أن يستدعوا الطيارات الصغيرة مجددًا إلى جوف الطائرة الأم بانتظار “ولادة” مهمة تجسسية جديدة. والطائرة من إنتاج شركة “هيد أنهاند” وتحمل اسم Viewer Operation Control (VOC) وتتميز بمواصفات غير مسبوقة في مجال الطائرات غير المأهولة.
فالطائرة “الولودة” الأم مزودة كاميرات تتيح لها رصد الأجواء حولها بدائرة 360 درجة، ويتسع جوف نموذجها الأول لطائرتين صغيرتين بلا طيار مرصودتين لـ “المهمات الخاصة”، وبكاميرا خاصة تصور الأجواء المحيطة وتبثها كفلم على جسد الطائرة لجعلها غير مرئية. ولا شك في أن رصد مثل هذه الطائرة و”بناتها” يحتاج إلى تقنية غير عادية.[ads3]