الأسد أعلن التقسيم.. اردوغان أعلن الحرب!

لم يكن في وسع بشار الأسد أن يقف في قصر الشعب ليعلن أخيرًا عن قيام «دولة الساحل»، أي دولة العلويين التي بدأ التخطيط لها منذ عام 1970، بعد وصول والده حافظ الأسد إلى السلطة، لكنه لم يتردد في إعلان وعده الخادع بالنصر مرة جديدة، ليمهّد ضمنًا للاعتراف بقيام الدولة العلوية، بما يدخل سوريا المرحلة الأخيرة من عملية التقسيم!

قبل الدخول في خلفيات كلام الأسد ومدلولاته، من الضروري أن نتوقف أمام الانقلاب المفاجئ في موقف رجب طيب إردوغان من تنظيم داعش وإعلانه الحرب عليه، بعدما كان يحظى منه بنوع من الرعاية غير المباشرة، عبر التغاضي عن تسلل مقاتليه عبر الحدود التركية، وحتى عبر شراء النفط منه، حيث كان جسر من الشاحنات ينقله إلى الداخل التركي.

ومن الضروري قراءة خطاب الأسد في ضوء نيران القذائف التي بدأت المقاتلات التركية تلقيها على مواقع «داعش»، وعلى مواقع «حزب العمال الكردستاني» أيضًا، فالحسابات التركية تتخوف أولاً من أن يشكّل قيام «دولة الساحل» مقدمة لترجمة الطموحات الكردية في الحصول على دولتهم، وخصوصًا بعد البسالة التي أظهروها في قتالهم «داعش» في كوباني وغيرها، وثانيًا من أن يثبّت «داعش» سيطرته على مناطق حساسة محاذية للحدود التركية التي تمتد مع سوريا مسافة 900 كيلومتر، وخصوصًا أن هناك أكثر من 300 تركي يقاتلون في صفوفه، وأن له خلايا نائمة داخل تركيا.

أعود إلى خطاب الأسد الذي يشكّل إعلانًا ضمنيًا صريحًا لتبرير القبول بالتقسيم، وخصوصًا في قوله إن «الانسحاب من مناطق إنما هو من أجل القدرة على الاحتفاظ بمناطق أخرى أكثر أهمية»؛ فمن البديهي أن تكون المناطق العلوية في الساحل السوري هي «الأكثر أهمية» عنده، لكنه عندما يعترف بأن جيشه يواجه نقصًا في عدده وطاقته البشرية وأنه «لا يستطيع المحاربة على كل الجبهات حتى لا يخسر المزيد من الأراضي، ونحن نتخلى عن مناطق من أجل مناطق مهمة نتمسك بها»، فذلك يعني صراحة اعترافًا بالهزيمة وبالتخلي عن المحافظات السورية في الجنوب والشمال والشرق.

صحيح أنه كرر وعده الواهم بالنصر، وهو ما يذكّرنا بأنه في العام الماضي كان قد أعلن أن النصر النهائي سيكون في نهاية 2014، لكنه عندما يتحدث عن الإحباط وعن «إننا في مرحلة مصيرية لا حلول وسطا فيها»، ويبرر الانسحابات إلى المناطق الأكثر أهمية لمصلحة الاحتفاظ بـ«دولة الساحل»، ثم عندما يرفض تكرارًا التسوية السلمية، التي يقال إن دي ميستورا والروس يعملون عليها بهدف عقد مؤتمر «جنيف – 3»، فإن ذلك يؤكّد تمامًا أن كلامه هو إعلان واضح لبدء المرحلة الأخيرة من عملية التقسيم.

ليس خافيًا أن إشادته بالدعم الإيراني وبدور «حزب الله» في القتال إلى جانب النظام، يمكن أن تشكّل مؤشرًا على أن طهران التي تيقّنت أخيرًا من أنها لن تتمكن من الاحتفاظ بنفوذها في سوريا الذي كلّفها الكثير منذ 35 عامًا، باتت الآن متمسكة بـ«دولة الساحل» كجائزة ترضية، وخصوصًا أنها تبقى لها وظائف استراتيجية، لأنها تشكل قاعدة الجسر لـ«الكوريدور» أو الممر الذي يربطها بمناطق نفوذ «حزب الله» في بعلبك والهرمل عبر الزبداني والقلمون، حيث دارت وتدور معارك عنيفة للسيطرة على التلال!

المثير أن الأسد في رفضه الحل السياسي بدا كمن يوجّه صفعة إلى حماته الروس، الذين يعملون مع الوفد الدولي ودي ميستورا على التحضير لمؤتمر «جنيف – 3» لترتيب آليات متفق عليها لعملية الانتقال السياسي، التي سبق أن اصطدمت دائمًا بعقدة مصير الأسد، وفي هذا السياق تقول تقارير دبلوماسية عليا، إنه عندما استدعى فلاديمير بوتين وليد المعلم إلى موسكو قبل أسابيع وضغط مطالبًا بأن يتعاون النظام السوري مع حكومات في الشرق الأوسط في إطار الحرب على «داعش»، وبعد رفض دمشق التي اعتبرت أن الأمر أشبه بالمعجزات، عاد السيناريو الروسي القائل إن موسكو لا تمانع في حل ينهي سلطة الأسد، ويبقي على هياكل النظام، وهو ما لا يناسب الأسد ولا داعميه الإيرانيين!

باختصار: بعد أربعة أعوام ونيّف من القتال الذي دمر سوريا، ها هو الأسد يقر بالنقص البشري في جيشه، ويعترف بالانسحاب من مناطق إلى مناطق أكثر أهمية يريد الاحتفاظ بها، ويتمسك برفضه الدائم لأي حل سياسي، فماذا يبقى إذن غير قيام دولة العلويين التي ستكون تحت السيطرة الإيرانية؟

رياح التقسيم لم تكن تحتاج إلى خطاب الأسد لكي تثير الهواجس الكردية والداعشية دفعة واحدة في أنقرة، ولا كانت عملية التفجير الإرهابي في سروج على الحدود التركية هي التي دفعت إردوغان إلى إعلان الحرب على «داعش»، الذي طالما حظي منه بالتغاضي وأحيانا بالرعاية، فمن المعروف أن تركيا شهدت أربع عمليات إرهابية في السابق ولم يتحرك إردوغان، لكن الوقائع تغيّرت، ورياح التقسيم في سوريا يمكن أن تعصف بطموحات الأكراد، ثم إن كيانًا داعشيًا ثابتًا على الحدود يمكن أن يضع تركيا على بركان!

لهذا لم يكن مفاجئًا اكتشاف أن إردوغان توصل إلى اتفاق موقّع مع أميركا في 7 من الشهر الماضي، أي قبل خطاب الأسد بعشرة أيام تقريبًا، على إقامة منطقة آمنة خالية من «داعش» داخل الأراضي السورية تمتد من جرابلس إلى مارع بطول 90 كيلومترًا وعمق 50 كيلومترًا، ولا كان من المفاجئ أن تبدأ المقاتلات التركية القصف والإغارة على مواقع «داعش»، لكن مع تركيز أعنف وأقوى على مواقع «حزب العمال الكردستاني» و«حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي»، فالهدف الأول عند إردوغان هو الأكراد، أما قصف «داعش» فيأتي في سياق صفقة واضحة مع أميركا فحواها: رأس «داعش» مقابل رأس الأكراد!

ومن الواضح أن إردوغان يصيب عصافير عدة بحجر هذه الصفقة الواحدة: فهي تعوّم وضعه الداخلي بعد خسارته في الانتخابات، وتصرف النظر إلى ما سيصوّره انتصارًا له، أي إقامة المنطقة الآمنة داخل سوريا التي طالما طالب بها، وهي ستسقط عنه تهم التعامل مع «داعش»، فها هو يقصف مواقعه بما يظهره أقوى من التحالف الدولي، وهي تعطيه الغطاء لقصف مواقع الأكراد، وهي تصحح علاقاته مع دول الحلف الأطلسي.

لكنها ستكون بالتأكيد صفقة متعبة، لأنها قرار بخوض حربين؛ واحدة ضد الأكراد، ولن تكون نزهة، والثانية ضد «داعش» المعششة خلاياه النائمة داخل تركيا!

راجح الخوري – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫7 تعليقات

  1. يصمم بعض مدعي الوقوف مع الثورة أو المحايدين و خاصة من طوائف الأقليات على ذكر سيرة التقسيم مرارا بحجة التحليل و الدراسة و لكنهم في الحقيقية يسوِّقون لذلك من خلال تعويد الجميع على سماع الفكرة أملاً في تخفيف حدتها و التقليل من استهجانها.
    سوريا لن تتقسم بإذن الله و سيتم تطهيرها من كل نصيري خائن و شيعي مجرم إن شاء الله و ستبقى حصن الإسلام الصحيح و شوكة في حلق كل أعداء الأمة.

  2. مع احترمي لكاتب المقال لكن نحن بحاجة لنسلط الضوء على أن معظم المعلومات المنقولة عن داعش فيما يخص عدد الأتراك الموجودين ضمن صفوف داعش هو أكثر من 3000 مقاتل ….

    النقطة الثانية هي بأن تحرك أردوغان نتيجة خطاب الاسد او ضد مشروع التقسيم هذا ايضا غير دقيق اذ لا بد من الاشارة إلى التغيرات الديموغرافية التي تعاون عليه نظام داعش مع الأحزاب الكردية في طرد مئات الألاف من التوركمان والعرب من الخطوط الحدودية السورية التركية المشروع الذي بورك من أمريكا بغرض عزل تركيا عن الشرق الأوسط بفرض ممر كردي عازل بين سوريا وتركيا وزرع حلم وردي كوردي يسمى كوردستان

    النقطة الثالثة والأهم يجب علينا ان لا نتغاضى عن موقف الحكومة التركية والشعب التركي المشرف من الشعب السوري على مدار الاعوام الاربعة الماضية وأن نختصر الموقف التركي باسبوع او اكثر مضى … بالمقارنة مع الدول الباقية عالميا ولا تقتصر المقارنة على الدول الاقليمية او العربية ….ولا ننسى ان تسريبات عن الاتفاقية الامريكية التركية بفتح قاعدة انجيرليك اما طائرات التحالف لضرب تنظيم داعش شريطة ان يتم فرض منطقة عازلة قد تكون ملجئ للكثير من السورين الذين لم يستطيعوا الخروج من سوريا ليكونوا في مأمن من القصف الطائفي الهمجي الممنهج ضد الشعب السوري ……

  3. ضربة اردوغان وانشاء منطقة امنة هي فجوة بين اراضي عربية يعيش عليها اكراد استاضفتهم سوريا بمراحل سابقة من التاريخ – بعد الخلاص من المجرم النظام سيكون الضرب على راس الاحزاب الصهيو كردية لانهاء احلامهم العسلية التي تسلقو بها على اشلاء ودماء السوريين وكأن السوريين ضحو بكل ما يملكون كي يعطو الاحزاب الصهيو كردية دولة هخخهخهخهخخهخهخهخهخهخهخهخهخهخه

  4. الاتراك وبقيادة أردوغان كلما تحركوا أزدادت رائحتهم. هم في الحقيقة أكثر المتضررين من الثورة السورية. لقد توهم الاتراك وصدقوا أنهم أصبحوا من الكبار فأرادوا أن يلعبوا كالكبار فانزلقوا وتزحلطوا وتمرمطوا وتبهدلوا وتورطوا وخير الله لقدام.

    1. أنا شايف ماحدا انزلق وتزحلط وتمرمط وتبهدل وتورط وأكل خازوق عثماني عيار 50 ملم غير شبيحة بشار وشبيحة البغدادي وشبيحة حزب العمال الكردستاني…

      آخر أيامكن يا مجرمين.

  5. مالك قد تركيا ياسيادة الرئيس بشار ورأي صار لازم تتنازل عن الحكم لأنو جيشنا أكل هوا ولوا حزب الله لكنا محاصرين في الساحل.. خلص بكفي كذب وكبر راس بقى!!

  6. في كلمة كل وسائل الاعلام ماتدولتها بخطاب بشار وهي انو التقسيم ما بيصير الا ازا الشعب اراد ذالك وهو دائما بيعتبر نفسو الشعب ان كان بالنتخابات ولا بغيرو