وجهة نظر : لا للقيود على حرية الصحافة في ألمانيا !

كوننا أصبحنا نعيش في عصر المراقبة العالمية، هي واحدة من الأفكار المريرة التي ترافقنا كمستخدمي الإنترنت، على الأقل منذ تسريبات إدوارد سنودن. فمنذ أصبحنا نعلم أن الهاتف المحمول للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل كان قد تعرض للتجسس من قبل وكالة الأمن القومي الأمريكي، أصبحنا ندرك أنه لا أحد يستثنى من هذه المراقبة.

ومع ذلك، ففي إطار قضية التجسس تلك، لا يزال من غير الواضح ما مدى معرفة الحكومة الاتحادية بأنشطة تجسس وكالة الأمن القومي، وكيف سكتت عنها أو دعمتها. ولكن مجرد الشك في أن الحكومة تساعد جهة أجنبية تتجسس على شعبها، هو حادثة فضيعة يجب تنوير الناس بشأنها وبكل الوسائل.فالتحقيق الذي فتحه المدعي العام الاتحادي الألماني هارالد رانغِه بشأن قضية التجسس الأمريكي لم يكن مقنعاَ وتم وقف ذلك التحقيق بسرعة. والآن فتح المدعي العام الاتحادي تحقيقا جديدا وهذه المرة ضد صحفيين في مدونة “السياسة على الشبكة” (netzpolitik.org) بتهمة الاشتباه في خيانة البلاد. جاء ذلك بعد أن نشرت المدونة مقالين استعرضت فيهما بتفصيل خطط الدائرة الاتحادية لحماية الدستور (جهاز المخابرات الداخلية) لتمديد الرقابة على الإنترنت. واستند المقالان على مقتطفات من وثائق المخابرات الداخلية الألمانية، صُنفت على أنها سرية، حسب مكتب حماية الدستور.

اعتبار التحقيق الجديد فضيحة فعلية فقط هو وصف محتشم. إذا لم تقم دائرة حماية الدستور بأي إجراءات ضد أولئك المتجسسين على المواطنين الأبرياء (وكالة الأمن القومي الأمريكي)، بدلا من رفع دعوى قضائية ضد أولئك الذين يخرجون هذه القضية إلى الرأي العام. وهي بذلك لا تحمي فكرة سيادة دولة الحق والقانون، بل تعرضها للخطر. يجب الإشارة وبشكل صريح إلى أن حرمة الحياة الخاصة وحرية الصحافة ينتميان إلى دولة القانون في عام 2015. فإذا كان مكتب حماية الدستور ومكتب النائب العام الاتحادي يشنان حملة كبيرة جدا على الصحفيين، فذلك لايعني سوى هجوم واسع على حرية الصحافة.

هذه القضية أصبحت لها نكهة خاصة بسبب ربطها بجريمة الخيانة. وآخر قضية مشابهة شهدتها ألمانيا كانت قبل 50 عاماً، وكانت بسبب مقال نقدي نشرته مجلة “دير شبيغل” الألمانية فيما أصبح يعرف ب “قضية شبيغل”. وللتذكير ففي خريف عام 1962 نشرت مجلة “دير شبيغل” مقالا نقديا لسياسة تسلح الحكومة في ذلك الوقت، وتمت متابعة عدد من الصحفيين بتهمة الخيانة، وألقي القبض على بعضهم. وقضى رودولف أوغشتاين، ناشر المجلة في السجن 103 يوما.
وفيما كانت حكومة المستشار الأسبق كونراد أديناور تدافع عن تعامل القضاء الألماني مع “قضية شبيغل”، شهدت العديد من المناطق الألمانية احتجاجات ومظاهرات حينها منددة بالأحكام. وتمت إقالة اثنين بدرجة وزير دولة، بينما اضطر وزير الدفاع فرانز جوزيف شتراوس للاستقالة، كما تم بعد ذلك تعزيز حرية الصحافة في ألمانيا.

والآن يبقى الأمل قائما بأن تكون نهاية قضية مدونة “السياسة على الشبكة” نفس نهاية “قضية دير شبيغل”. (إذاعة صوت ألمانيا)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها