تجاهل مصالح حلفائها سيؤجج سباقاً نحو التسلح النووي .. تحرك واشنطن في سوريا سيحدد المسار في الشرق الأوسط
وقعت الولايات المتحدة، قبل أسابيع، الاتفاق النووي مع إيران، ومع ذلك لم يغير هذا الاتفاق الكثير على الأرض، فالمرشد علي خامنئي لايزال يؤكد أن السياسات الأميركية تتعارض مع توجهات بلاده، في خطاب تخللته هتافات تنادي بـ«الموت لأميركا»، و«الموت لإسرائيل». أما قائد الحرس الثوري، فقد أبدى معارضة شديدة لتفاصيل الصفقة التي تتيح لجهات أجنبية الدخول إلى المواقع العسكرية السرية، وقال إن الاتفاق تخطى «الحدود الحمراء» و«إننا لن نقبله أبداً».
هذا ما لم يكن الدبلوماسيون الأميركيون يتوقعونه، وفي تعليقه على تلك التصريحات، قال وزير الخارجية جون كيري: «لا أعرف كيف أفسر ذلك حالياً، إلا أننا يجب أن نأخذ ذلك ظاهرياً، هذه هي السياسة»، مضيفاً «لكنني أعلم أن التعليقات عادة تطلق علانية، ويمكن أن تتطور الأمور بطريقة مختلفة، إنها السياسة، إنها مزعجة ومقلقة للغاية». فلازالت هناك طرق مختلفة، لتحويل إيران إلى الأحسن.
فلنفرض أن الاتفاق مع طهران سيدوم، وأن الكونغرس الأميركي لن يحصل على الأغلبية لإبطال «الفيتو» الرئاسي، السؤال الآن هو: ماذا بعد؟ وماذا يعني حقاً الاتفاق مع إيران؟ وهل وضعنا المسألة جانباً، من أجل التهيئة لاستراتيجية إقليمية، أكثر حزماً من أجل مواجهة التسارع الإيراني للهيمنة على الشرق الأوسط؟ أم أن الاتفاق النووي هو المسرحية الأولى في دراما الانسحاب الطويلة، والتخندق والركون، مع تسليم الولايات المتحدة مفاتيح الخليج لأصدقائنا «الشيعة» الجدد؟
هكذا هو النقاش المحتدم حالياً في أروقة السياسة الخارجية وزوايا الكونغرس المختلفة. يتحجج من يسعى إلى المراضاة، أو من يسعى إلى الركون، بأن اتخاذ موقف حازم من إيران الآن سوف يدفع طهران للتخلى عن الاتفاق النووي، وأن واشنطن ستكون وجهاً لوجهٍ مع خيار واضح، وأن إدارة الرئيس باراك أوباما عملت بجد، لتجنب تصنيع القنبلة النووية أو قصف إيران.
ويرى اللوبي المؤيد للاتفاق (في الكونغرس) أن المشكلة الحقيقية تكمن في إرهاب «المجموعات المسلحة» و«الحركة الجهادية»، لذلك نحن بحاجة للعمل مع النظام الإيراني وبشار الأسد، لسحق تنظيم «داعش» ومن يتبنى فكره ونهجه. وإذا كان هذا الطرح لا يرضي الطرف السني في المنطقة، فماذا إذاً؟ السعوديون ليسوا أصدقاءنا، والحركات الجهادية التي تنتشر في جميع أنحاء العالم العربي لا يمكن السيطرة عليها إلا بمساعدة من شريك إقليمي قوي مثل إيران. الروس مستعدون لدعم مثل هذا التحرك؛ وهم أيضاً يحبون أن يشاهدوا الولايات المتحدة تعقد صفقة إقليمية مع «الشيعة»، للمساعدة في حماية أصدقاء موسكو وحلفائها في سورية؛ والتعاون مع نظام الأسد وحزب الله وطهران عندما يتعلق الأمر بسحق المسلحين، الراغبين في الذهاب إلى منطقة القوقاز في روسيا (للقتال). روسيا وأصدقاء الرئيس فلاديمير بوتين سيرون أن هذه السياسة تشكل مثالاً نادراً للحنكة السياسية الأميركية.
من جهة أخرى، حلفاؤنا العرب وإسرائيل، سوف يتقبلون الاتفاق مع إيران بصورة أسهل، إذا كان مصحوباً بعزم صادق وعزيمة على معارضة طموحات إيران الإقليمية، وربما يبدي بعض الجمهوريين في الكونغرس، ممن يعارضون الاتفاق، شيئاً من اللين، وسوف يكون أكثر سهولة للديمقراطيين، مثل تشاك شومر، في أن يدعم الرئيس إذا كان بإمكانهم الإشارة إلى سياسة معارضة لإيران على أرض الواقع.
ويتعين على البيت الأبيض أن يدرك ذلك، وهذا لصالحه، وأن يشرع بجد وجهد في إقناع السنة بأن التعايش مع الاتفاق أمر ممكن. زار وزير الدفاع الأميركي، آش كارتر، الرياض قبل أيام، وناقش وفقاً لما جاء في التقارير التعاون مع السعودية، وتضمنت النقاشات مسائل مثل منظومة الصواريخ الدفاعية، والأمن البحري والإلكتروني، وذلك على الرغم من أنه لم ترد أخبار عن عقد صفقات للسلاح، كما ورد أن السعوديين أبدوا استعدادهم لدعم الاتفاق، لكن في كل مرحلة من مراحل المفاوضات الحالية، طغت على اللهجة التصالحية مجموعة من الرسائل التي تدل على عدم الرضا؛ وهذا هو أحد الأسباب التي توجب على الدبلوماسية الأميركية ألا تكون مبتهجة للتصريحات الرسمية في المنطقة. الحديث الجاري في واشنطن حالياً يدور حول شحنات ضخمة من الأسلحة، التي ستتجه إلى الخليج.
يتعين علينا أن نحافظ على العرب السنة على المركب، في حال أدركت دول مثل السعودية، أن الولايات المتحدة لا تدعمها فقط بل تساعد في الترويج لصعود إيران، لتكون القوة الأولى في المنطقة؛ فإن رد فعل تلك الدول لن يروق للمسؤولين في البيت الأبيض.
إضافة إلى ميلاد تحالفات جديدة في الشرق الأوسط، فإن بلداناً مثل السعودية وتركيا، سوف تسعى إلى امتلاك القوة النووية؛ ومن ثم سيبقى أوباما، في التاريخ، هو الرئيس الذي أسهم في تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة نووية.
كما أن غض الطرف عن تمويل «داعش» والتنظيمات الأخرى، سيصبح وارداً في الوقت الذي تفاقمت فيه ظاهرة التطرف، وحدة الحرب الطائفية.
اختبار نيات الإدارة الأميركية، بالنسبة للعواصم العربية، هو أحد الأمور التي لا يريد أن يقدم فيها أوباما شيئاً في سورية التي عمت فيها الكراهية الطائفية والفوضى، وارتكبت فيها الفظائع بجميع أشكالها، عندما تنظر الرياض وعواصم أخرى إلى خرائط المنطقة في غرف الاستراتيجية، فإنهم يرون نفوذاً شيعياً يمتد من المتوسط إلى أفغانستان، مع بؤرة ساخنة في اليمن.
إذا كان البيت الأبيض يسعى للحفاظ على علاقات قوية مع الحلفاء العرب (السنة)، فإن سورية هي المكان الذي تتلاقى فيه خيوط اللعبة، إذا تحالف الأميركيون سراً مع الأسد، وهاجموا «داعش» وحلفاء «القاعدة» من بين المعارضة الأخرى، في حين لم يتعرضوا لقوات النظام السوري؛ فإن النخبة في البلدان العربية والرأي العام كذلك، سوف يدركون أن الأميركيين قد خانوهم. من ناحية أخرى، إذا أظهرت الولايات المتحدة بالقول والفعل أنها ترى إيران وحلفاء الأسد على الأرض هم أعداء، تماماً مثل تنظيم «داعش»، فإن تحالفاتنا (مع البلدان العربية) سوف تبقى متينة على الأرجح.
لدى البيت أيضاً إرادة في تجنب القطيعة الكاملة مع العرب، في الوقت الذي يسعى فيه للتقليل من أي التزامات تجاه الوضع في سورية أو حتى العراق. ويبدو أن أوباما وجد أنه لا يملك خياراً سوى إظهار الحزم ضد «داعش»، لكنه لا يبدو حريصاً على الشروع في حروب جديدة في المنطقة، أكثر مما كان عليه في السابق.
ولتر راسل ميد محلل سياسي أميركي – ذي أميركن إنترست – ترجمة : الإمارات اليوم[ads3]