المهاجرون .. كالمستجيرين من الرمضاء بالنار
تعددت زوايا تناول الصحف البريطانية والأميركية للتدفق غير المسبوق لجحافل المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا، لكن المشكلة تبقى واحدة.
غير أن اللافت هو تباين اهتمامات صحافة الطرفين الغربيين بأزمة الهجرة غير النظامية. فبينما ركزت الصحف البريطانية على جوانب الأزمة بدا الأمر وكأنه لا يعني الإعلام الأميركي كثيراً فغابت مقالات الرأي والتحليل في معظم الصحف الكبيرة.
فقد خصصت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية افتتاحيتها لتناول قرار ألمانيا الأحادي بالتراجع عن إعادة طالبي اللجوء السوريين إلى أول ميناء دخلوا عبره إلى منطقة الاتحاد الأوروبي. ورأت الصحيفة أن قراراً كهذا له “تداعيات بعيدة الأثر” ليس على أزمة المهاجرين غير النظاميين فحسب بل على علاقة بريطانيا بباقي أوروبا.
ومع أن الألمان قد ينظرون إلى قرار مستشارتهم أنجيلا ميركل بأنه بادرة تنطوي على قدر من “الإيثار”، فإن من شأنه أن يشجع مزيداً من المهاجرين على أن ييمموا وجوههم شطر أوروبا ولا سيما الهاربين من أتون الحرب الأهلية في سوريا.
وقالت الصحيفة إن السوريين الذين سترحب بهم ألمانيا سيكون بمقدورهم التنقل لأي مكان يشاؤون داخل منطقة شينغن في أوروبا حيث أُلغيت ضوابط الهجرة إلى الدول الأعضاء فيها. فإن تمكنوا من الوصول إلى بريطانيا التي تحتفظ بحدودها الوطنية دون سائر دول اتفاقية شينغن، فإن من شأن ذلك أن يصبح قضية رئيسية في المفاوضات القادمة بشأن مستقبل بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.
وفي مقاله بالصحيفة ذاتها، يرى الكاتب دانيال جونسون أن ميركل تواجه “خياراً قاسياً” بين أن تتصرف الدول بمفردها فيما يتعلق بقضية الهجرة غير النظامية أو أن تجنح تلك الدول إلى الانكفاء على نفسها ومن ثم إحياء مصطلح “أوروبا الحصينة” الذي أطلقه الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر على المناطق التي احتلتها قواته في القارة العجوز إبان الحرب العالمية الثانية.
ومن بين مقالات الرأي القليلة بشأن موضوع الهجرة غير النظامية إلى أوروبا في الصحافة الأميركية، مقال في مجلة (فورين بوليسي) تحدث عن أولئك المهاجرين الذين يفرون من دول أفريقية تنعم بقدر من التقدم مثل إريتريا.
تقول كاتبة المقال، ميشيلا رونغ، إن المهاجرين غير النظاميين ليسوا كلهم من الدول التي ترزح تحت نير العنف والاقتتال كسوريا والصومال، بل إن قسماً كبيراً منهم يأتي من بلدان أفريقية لا تشهد اضطرابات مدنية ولا تعصف بها حروب.
فدولة مثل إريتريا على ساحل البحر الأحمر -التي ينتمي إليها العدد الأوفر من المهاجرين إلى أوروبا بعد سوريا- تحقق نتائج جيدة في سعيها لتحقيق أهداف الألفية الثالثة للتنمية التي حددتها الأمم المتحدة كمعيار لنجاح الدول.
ووصفت رونغ إريتريا بأنها دولة “آمنة ونظيفة ورخيصة، وبها أفضل طرق في أفريقيا كما أن بها مناظر خلابة وعاصمة هي الأجمل” في القارة.
لكن كل ذلك لم يحل دون هروب الإريتريين من بلدهم. فإريتريا -والرأي لكاتبة االمقال- تفتقر إلى وسائل إعلام مستقلة ومعارضة سياسية، وتضيق على الحريات الدينية. كما أن الدستور لم يجد طريقه إلى الحياة العامة قط، ولا تجرى في البلد انتخابات رئاسية.
أما صحيفة (ذي كريستيان ساينس مونيتور) الإلكترونية فقد أفردت مقالاً آثرت كاتبته استقاء الدروس والعبر واستقراء السمات من أزمة المهاجرين إلى أوروبا.
فقد حصرت سارة إيلانا في مقالها الدروس في خمس سمات رئيسية، وهي أنه مهما فعلت الدول الأوروبية من إجراءات للحد من موجات اللاجئين، فإن محاولات المهاجرين للوصول إلى البر الأوروبي لن تتوقف.
وثاني تلك السمات أن معظم دول أوروبا ترى في المهاجرين مشكلة تخص الآخر. فاليونان وإيطاليا هما من تواجهان حشود الواصلين إلى شواطئها أكثر من غيرهما. بيد أن ألمانيا والسويد وبريطانيا هي الدول التي ينشدها المهاجرون.
ثم إن هذه الأزمة كشفت عورة نظام الهجرة في دول الاتحاد الأوروبي. فنظام استقبال المهاجرين يعتريه الخلل، بحسب الكاتبة.
وعلى الرغم من أن الأزمة أعلت من نبرة الكراهية حيث شرعت المجر -على سبيل المثال- في بناء جدار حاجز وأعلنت سلوفاكيا أنها ستقبل بالمهاجرين السوريين المسيحيين دون سواهم من المسلمين، فإنها أظهرت كذلك شهامة ونبل بعض الأوروبيين في الترحاب بالمهاجرين حتى أنهم قدموا لهم المساعدات الإنسانية.
وتخلص الكاتبة إلى القول إن الهجرة غير النظامية هي أزمة إنسانية في المقام الأول. (Aljazeera)[ads3]