تهجير السكان و توطين ” الإرهابيين ” تمهيداً لمحو البلد عن الخريطة !
في نهاية عام 2012، رد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على سؤال عن «البعد الإنساني لمشكلة السوريين الذين لجأوا إلى لبنان وتركيا والأردن»، قائلاً إن «كل حرب تسفر عن معاناة إنسانية، ومشكلة اللاجئين الفلسطينيين مثلاً باتت مزمنة، عمرها أكثر من ستة عقود».
أثار الجواب دهشة بعض الحاضرين في المؤتمر الصحافي للوزير بسبب «ضعف البعد الإنساني لدى رئيس الديبلوماسية الروسية»، وسخرية آخرين أبدوا مخاوف من أن تكون روسيا متجهة إلى إطالة الأزمة السورية حتى تبلغ عقوداً، على غرار القضية الفلسطينية.
لا يبدو تعليق الوزير «المحنّك» الذي أدار جانباً مهماً من الصراع في سورية بعد ذلك، مجرد زلّة لسان أو «سقطة أخلاقية» عابرة، لأن التعامل مع الشق الإنساني للمأساة السورية حافظ كما أثبتت الأحداث على النهج ذاته. يكفي أن موسكو ظلّت تصر على مدى سنوات الأزمة على عدم وجود كارثة إنسانية في سورية، وهو ما دلّت عليه رسائل الرفض التي تلقّاها من طلبوا اللجوء إلى روسيا في غالبيتهم، وقوبلوا بعبارة: «لم تجد إدارة الهجرة أسباباً كافية لمنح اللجوء، وتعتبر أن مُقدِّم الطلب يسعى إلى تحسين ظروفه الاقتصادية»، كما دلّت رسائل رفض اللجوء التي حصلت «الحياة» على بعضها… علماً أن اللجوء إلى روسيا، خلافاً للوضع في أوروبا، لا يشتمل على منح مستحقّه سكناً أو راتباً أو تسهيلات اجتماعية أو صحية، بل «يقنّن» إقامته ويجنّبه الاحتجاز بتهمة مخالفة الإقامة.
ووجهت موسكو مساعداتها «الإنسانية والطبية» طوال الفترة السابقة، إلى الحكومة السوريّة ورفضت التعامل مع «الممرات الإنسانية»، مع اقتناع كامل بأن مساعداتها «توزّع بعدل على مستحقيها في المناطق المنكوبة». كما واظبت على التعامل مع المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، باعتبارها «بؤراً إرهابية» ولم تُقِم لسكانها وزناً.
هذا الملف عاد إلى الواجهة بسبب انشغال العالم الآن بملف اللاجئين، وجاء رد الفعل الروسي على خطين، واحد رسمي على مستوى الخارجية يدعو الغرب إلى «التعلُّم من روسيا في مجال استقبال اللاجئين وإكرامهم»، والثاني برزت فيه «عضلات» وسائل الإعلام الحكومية.
تسابقت محطات التلفزة الرسمية في تقديم حوارات مطوّلة، واستضافة محلّلين وخبراء تناولوا مشكلة تدفق اللّاجئين باعتبارها مؤامرة قطرية – تركية مدعومة من واشنطن لإحراج أوروبا ونقل الفوضى إليها، كما قال يفغيني ساتونوفسكي مدير مركز دراسات الشرق الأوسط عبر شاشة القناة الأولى الأوسع مشاهدة.
ويقدّم اللاجئ السوري في وسائل الإعلام الحكومية الروسية بصفته «كسولاً لا يحب العمل»، و «يُخلِّفُ أطناناً من القمامة في مكان إقامته» و «يسعى إلى كسب المال السهل من دافعي الضرائب في أوروبا»، و «يستغل أزمة بلاده»، كما تشير بإصرار تقارير مراسلي قناة «فيستي» الواسعة الانتشار، ناهيك عن كون اللاجئ «إرهابياً أو متطرفاً يحاول التسلُّل إلى أوروبا لبث سمومه»!
أما قناة «روسيا اليوم» الموجّهة إلى العرب، فرأت أن قوام المؤامرة الغربية «إفراغ سورية من سكانها بهدف إحلال الإرهابيين فيها، تمهيداً لمحوها عن الخريطة». وظل غياب «العنصر الإنساني» السمة الأبرز في تغطيات القنوات الرسمية الروسية طوال سنوات الحرب السورية، وجاء متكاملاً دوماً مع تشكيك الديبلوماسية الروسية في وجود مشكلة إنسانية، و «برهنت» برامج تحليلية كثيرة في صيف 2013، أن صور ضحايا الهجوم الكيماوي في ريف دمشق «مفبركة». وعندما انتشرت عالمياً صور أرغفة الخبز الملطخة بدماء وأشلاء ضحايا قصف مخبز في حلفايا نهاية 2012، أرسلت «روسيا اليوم» فريق تصوير كاملاً تنقّل بين أحياء المناطق الآمنة، ونقل إلى المشاهدين صوراً هادئة لمواطنين سوريين يصطفّون في طوابير لشراء خبز «نظيف لا دماء عليه»، كما تُردّد «الدعاية الغربية الكاذبة».
رائد جبر – الحياة[ads3]