روسيا ” الخيار الأخير ” لأوباما لحلّ الأزمة السوريّة ؟
مع إخفاقات برنامج التدريب والتجهيز الأميركي للمعارضة السورية، وانحسار أرقامه بأربعة مقاتلين فقط، وفي ضوء استمرار تحفّظ إدارة باراك أوباما عن التصعيد العسكري ضد النظام، وحصر «الأولوية» بمحاربة تنظيم «داعش»، عادت الإدارة الأميركية الى الرهان على الخيار الروسي، لعلّ رئاسة موسكو لمجلس الأمن قريباً ووساطة زعيم الكرملين فلاديمير بوتين قد تفضيان إلى حلّ سياسي للأزمة السورية المستمرة منذ ربيع العام 2011.
وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت، قالت في محاضرة أمام معهد السلام الأميركي ليلة الجمعة – السبت، أن واشنطن «في إمكانها، ويجب عليها، أن تبحث في الملف السوري مع روسيا من دون أن ننسى ماذا فعلت روسيا بأوكرانيا». ويلفت مسؤولون أميركيون إلى تحسّن كبير في تصرّف روسيا في أوكرانيا في الآونة الأخيرة، وتراجع الانفصاليين إلى درجة جعلت الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يقترح رفع العقوبات عن موسكو. وفي مقابل التهدئة في أوكرانيا، صعّدت روسيا في سورية من خلال نشرها تعزيزات عسكرية في اللاذقية على الساحل السوري، وهو أمر تحاول الإدارة الأميركية اليوم احتواءه وليس مواجهته.
الحديث عن مفاوضات عسكرية بين أميركا وروسيا حول سورية «أمر إيجابي»، كما قالت أولبرايت التي اعتبرت أنه «إذا كان بوتين قادراً من خلال وجود عسكري أقوى في سورية، على دفع (الرئيس السوري بشار) الأسد الى وقف البراميل المتفجرة والعمل على مواجهة داعش»، ففي ذلك مصلحة أميركية وروسية، كما أضافت. ومن اللافت أن ضربات النظام السوري زادت في الأيام الأخيرة ضد أهداف لـ «داعش» في الرقة وتدمر، كما توقفت واشنطن، من جهتها، عن الدعوة إلى تنحّي الرئيس بشار الأسد، وانتقلت إلى تبنّي عبارة «عدم إمكانية وجوده لوقت طويل الأمد لحصول تسوية»، وفق تصريحات وزير الخارجية جون كيري في لندن أول من أمس، وهي تصريحات كررها أمس خلال مؤتمر صحافي مع نظيره البريطاني فيليب هاموند. فقد قال كيري عن قضية تنحّي الأسد، أن هذا الأمر سيكون نتيجة للمفاوضات و «ليس من الواجب أن يحصل في اليوم الأول أو الشهر الأول» لحصول اتفاق على حل سياسي.
ولا يبتعد ستيفن هادلي، المسؤول الجمهوري السابق ومستشار الأمن القومي خلال أيام جورج دبليو بوش، من موقف أولبرايت الديموقراطية، وهو اقترح في المحاضرة نفسها، التعاون مع روسيا وإقامة «مناطق آمنة غير عسكرية في سورية وفقط لاستيعاب المدنيين»، وبغرض التخفيف من حدة أزمة اللاجئين. فالحديث عن منطقة حظر جوي اليوم «غير واقعي»، كما قال هادلي. وتساءل: «هل نترك الأزمة أربع سنوات أخرى أو نقيم مناطق إنسانية آمنة حتى لو أنه لا يتم فيها تدريب المعارضة السورية وقد لا توقف البراميل المتفجرة ؟».
هذا التبدل الأميركي لا يدور في فراغ إقليمي، بل يلي ما وصفه البعض في الإدارة الأميركية بـ «نافذة حل» لسورية بعد الاتفاق النووي الإيراني. وفي هذا الإطار، قالت مصادر أميركية رفيعة المستوى لـ «الحياة»، أن موسكو اقترحت بعد الاتفاق الإيراني «نموذجاً تفاوضياً مشابهاً للدول الخمس زائداً واحداً لحل الأزمة السورية»، في إشارة إلى المفاوضات مع إيران، والتي قامت بها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا.
وهذه ليست المرة الأولى التي تعوّل فيها واشنطن على ثقل موسكو في سورية، فهي نقلت رسالة مشابهة للحلّ في العام 2012، حملها المسؤول السابق فريديريك هوف إلى الروس، لكن الواقع السياسي والميداني كان مختلفاً يومها.
ما تغيّر اليوم في تقدير الأميركيين، هو ورقة التطرّف وتنظيم «داعش» في سورية، والذي تعتبره واشنطن أخطر من تنظيم «القاعدة». كما تحاول الإدارة توظيف المناخ الإيجابي مع إيران بعد الاتفاق النووي لنيل تنازل في سورية. والرهان في حال نجاح المبادرة فيه، حل لأزمة إنسانية ومؤججة للإرهاب وإنقاذ لشرعية باراك أوباما من «رواندا شرق أوسطية»، في حين أن الفشل يعني إطالة الأزمة الحالية وانتظار الرئيس الأميركي المقبل في 2017.
جويس كرم – الحياة[ads3]