صحيفة ” غارديان ” البريطانية : لا تلعبوا لعبة بوتين في سوريا

دعت الكاتبة الصحفية ناتالي نوغاردي في عمودها بصحيفة الغادريان البريطانية، الغرب لـ “مقاومة لعبة بوتين في سوريا”، مشيرة إلى أن هذه اللعبة ستؤدي لاستمرار الوضع الكارثي في سوريا.

وبدأت نوغاردي مقالها بسؤال وزير الخارجية الأمريكي الشهير هينري كسينجر عام ١٩٧٥ لوزير الخارجية التايلندي بعد المجزرة في كمبوديا، إذ قال له: “كم ألفا قتل الخمير الحمر؟ عشرات الآلاف؟”، قبل أن يضيف له: “أخبرهم أننا سنكون أصدقاؤهم، فمع أنهم عصابات مجرمة، لكننا لن نسمح بأن يقف هذا في وجهنا”.

وتابعت المحررة السابقة في “لي موند” الفرنسية بالقول:” هذه تماما هي الرسالة التي كان يرسلها لنا بوتين بينما يستعد للحديث في الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر: لنتحالف جميعا مع بشار الأسد، وإن كان مجرما، فإن هذا لن يقف في وجهنا”، مشيرة إلى أن هذه الرسالة هي المعضلة الأكبر لصناع القرار في الغرب أمام الأزمة السورية.

وأوضحت نوغاردي أن أولوية كيسنجر عام ١٩٧٥ كانت استخدام “الخمير الحمر” كقوة مضادة لفيتنام الشمالية، بينما تمثل أولوية بوتين الآن إبقاء الأسد كقوة ضد تنظيم الدولة، ووضع روسيا كقوة مركزية في الإستراتيجية الدولية تجاه سوريا، مشيرة إلى التحركات الروسية السريعة “لإظهار جديتها”، إذ بدأت تدخلا عسكريا في الساحل، مما استفز المسؤولين الغربيين.

وحول سؤال: ما الذي تسعى إليه روسيا؟ قالت الصحفية إن بوتين يستعد لسوريا ما بعد الأسد، باتفاق سلام، إذ أنه يملك اعترافا سياسيا دوليا يمكنه من ذلك، استطاع به أن يساعد أوباما على المراوغة بالتزاماته في ٢٠١٣ بالضربات الجوية، مقابل التخلي عن السلاح الكيماوي.

وأضافت نوغاردي أن الإنهاك من الحالة السورية في الدوائر الغربية يعطي بوتين الفرصة ليظهر على أنه: “الرجل صاحب الخطة”، مستخدما التحالف لقتال تنظيم الدولة كغطاء، قبل أن تستدرك أن هذه تحديدا هي المشكلة، إذ أن “الفشل الغربي في المنطقة هو شيء، وقدرة الرئيس الروسي على حل الأزمة شيء آخر، بل قد يكون النقيض”، بحسب تعبيرها.

وتابعت: “بعيدا عن التفكير الساذج والحالم، لا توجد إشارات واضحة في أن بوتين يرغب بالتخلي عن الأسد واستبداله، ولم يكن هذا موجودا في أي يوم من الأيام”، موضحة بالقول: “في صيف ٢٠١٢، عندما اجتمعت القوى العظمى في جنيف لتباحث حكومة وحدة وطنية، أصرت روسيا على أن لا يشمل ذلك رحيل الأسد، بالإضافة لحمايتها الرجل بشكل ثابت في المحافل الدولية”، مشيرة إلى أنه يمثل لها موطئ القدم الأخير في المنطقة بعد سقوط القذافي، والفرصة الأمثل لإظهار الضعف الغربي.

وأشارت الصحفية إلى ملهم السياسات الروسية في الشرق الأوسط بالنسبة لبوتين هو: يفكيني بريماكوف، رئيس الوزراء السابق، وراسم سياسات المخابرات الروسية في المنطقة، إذ لعب بريماكوف، الذي مات في وقت مبكر هذا العام، دورا مهما في توثيق الصلات بين المخابرات السورية والروسية.

وقالت نوغاردي إن بريماكوف أوضح في كتابه “روسيا والعرب” كيف يمكن أن يعكس الدور الروسي الحالة الدولة، والقدرة على مواجهة التأثير الأمريكي، مشيرة إلى أنه انتقد “الربيع العربي” معتبرا إياه مخططا غربيا لتغيير الأنظمة، ويجب الوقوف في وجهه.

واستدركت الصحفية في مقالها أن بوتين نفسه هو خير من يصف نواياه، إذ أوضح مؤخرا في مقابلة له أن “العملية السياسية” التي يرغب بها تعني: “إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وتأسيس علاقات مع ما يسمى المعارضة الصحية، وإشراكها في إدارة البلاد”، أو بمعنى آخر، بحسب تعبير الصحفية: انتخابات مزيفة، وتحالفا حكوميا زائفا، في بلد متفكك مزقته الحرب.

وأوضحت أنه من المهم عند الحديث عن “مكافحة الإرهاب” توضيح الكلمة، إذ أن الغرب يقصد بها تنظيم الدولة، في حين يعني بها الأسد، مدعوما من موسكو، أي معارضة سياسية لحكمه، إذ أنه قتل تحت هذا المسمى (مكافحة الإرهاب) عشرات الآلاف من السوريين، وسوى مدنا وأحياء كاملة بالأرض، ليس بعيد عما قام به بوتين في الشيشان، متسائلة باستنكار: “هل هذا هو شكل الحرب الذي يرغب الغرب بالانضمام لها في تحالف مع روسيا والأسد؟”.

وقالت الكاتبة مع “الغارديان” إنه: “إذا كان بوتين مهتما بما يدعوه الغرب مكافحة الإرهاب، فإن إيقاف القنابل البرميلية وانتهاكات الحكومة السورية ستكون بادرة جيدة للبدء”، موضحة أن الآلة العسكرية للأسد هي السبب الرئيسي للضحايا في سوريا، وهي مدعومة الآن من روسيا، وتغذي تنظيم الدولة، إذ يهتم الأسد بإظهار سوريا – كما ينظر لها الغرب الآن – على أنها صراع بينه وبين القوى المتطرفة، في حين أن تنظيم الدولة قادر على التجنيد لأنه يدعي حماية السنة ضد القتل العشوائي على يد جيش الأسد.

وأضافت أن “المنطق الروسي بدعم نظام يغذي، بدل أن يقلل، العنف المتطرف يمكن اعتباره تناقضا”، موضحة أن روسيا نفسها لديها مخاوف من التطرف على حدودها الجنوبية”، مشيرة إلى المكاسب السياسية لبوتين من استغلال حليف، وإظهار الصمود، واستعراض النفوذ الروسي في المنطقة – حيث يتخبط الغرب – تتجاوز هذا التناقض الظاهري، فلو سقط الأسد أو قتل أو سجن في يوم ما، فإن روسيا الآن ستكون أظهرت صمودها.

واختتمت بالقول: “اقتراح بوتين على الغرب تأييد الأسد وهم سيؤدي لمزيد من الدم في سوريا، ولن يحل أزمة اللاجئين”، مضيفة أن ذلك يهدد بتحويل سوريا لجحيم أكبر، داعية لرفض هذا الاقتراح بنفس الاشمئزاز لدى استعراض تعامل كيسنجر مع الخمير الحمر، وترك نتائجه حتى يومنا هذا. (ترجمة : Islam Today)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد