هل يستطيع بشار إقامة دولة علوية ؟

سبب طرح التساؤل هو التدخل العسكري الروسي غير المسبوق في حجمه في سوريا، والأكبر منذ أن أنهى الرئيس المصري وجود الاتحاد السوفياتي على أرض بلاده في عام 1972. النشاط الروسي العسكري في سوريا معظمه في اللاذقية، ومنطقة الساحل حتى ميناء طرطوس جنوبًا، التي توصف بأنها مشروع محتمل لدولة علوية، في حال سقط النظام أو تم تفكيك الدولة السورية.

القوات الروسية، والطائرات المقاتلة، وعمليات التشييد على الأرض من مطارات وسكن ومستودعات في سوريا، تظهر واضحة في الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية الأميركية. وهي التي دفعت واشنطن إلى التساؤل رسميا عن أهداف الروس.

وعندما كتبت مقالي قبل أيام تعليقًا على رواية أن الرئيس السوري بشار الأسد يطلب الاستعانة بالروس، للتخلص من هيمنة حليفه الإيراني عليه، جاء ذلك في إطار نقاش هذا السيناريو الجديد لو كان صحيحا، والتطور الخطير بغزو الروس سوريا. طبعًا، لا بد من التشكيك في رواية خلاف الأسد مع الإيرانيين، وأنه سبب استعانته بالروس، لأسباب متعددة، فالإيرانيون أقوى من الروس في سوريا، ويحيطون بها عسكريا من العراق ولبنان. إنما تظل نوايا مجيء الروس مريبة، وستظهر حقيقتها بعد فترة ليست بالطويلة.

ولو أخذنا فرضية التقسيم، وأن الأسد يخطط للجوء إلى ساحل البحر المتوسط، ويبني هناك دولة علوية، بسبب تزايد هجوم المعارضة على العاصمة، فإن بناء دولة هناك، وحمايتها، سيكون أصعب كثيرا من الاحتفاظ بالحكم في دمشق. وقد تكرر الحديث عن تقسيم سوريا منذ بداية انتفاضة الشعب السوري المفاجئة في عام 2011، ويعود الحديث للواجهة الآن أكثر، بسبب مظاهر وجود الروس الكثيف في محيط اللاذقية، كبرى مدن الساحل، وكذلك طرطوس.

مفهوم التقسيم ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، فمعظم الحكومات تعارضه، لأن المبدأ ذاته خطير على كل دول المنطقة. وثانيًا، ثبت أنه يزيد من مشاكل المنطقة ولا ينهيها. وقد كذبت الوقائع روايات تقسيم العراق التي شاعت منذ عام 1991، وإلى الآن يعارض المجتمع الدولي فكرة حل تنازع العراقيين بالتقسيم، لأنه غالبا سيقسم العراق إلى عدة دول متحاربة. ولدينا تجربة الصومال، الذي مر بتجربة مريعة منذ انهيار النظام بعد وفاة رئيسه سياد بري. فالبلاد منذ أكثر من عشرين عامًا وهي في فوضى، ومقسمة على الأقل إلى ثلاث دويلات، إحداها سمت نفسها بجمهورية أرض الصومال، حيث أعلنت استقلالها منذ عقدين، ولها حكومتها، وشرطتها، وعملتها، لكن لا أحد يعترف بها.

وبالتالي لو فر الأسد من دمشق إلى اللاذقية أو القرداحة، وقرر بناء جمهوريته هناك، فإنه لن يضمن اعترافا دوليا بنظامه. والأخطر على الدولة العلوية عاملان، الحرب الأهلية التي ستلاحق الأسد حيثما رحل وحل في أي مكان في سوريا. وسيكون هدفا لكل السوريين الغاضبين، ولن يستطيع أن يؤمن لدولته حماية دولية دائمة. والعامل الآخر أن العلويين أنفسهم سيعتبرون الأسد عبئًا عليهم، وسبب كارثتهم. ولا ننسى أن معظم النخبة منهم غادروا البلاد بعد اندلاع الأزمة، إلى أوروبا والخليج، مدركين حجم الخطر الذي وضعهم فيه. ولا يوجد سبب يلزم أبناء الطائفة، التي تمثل عشرة في المائة من السكان، بالقبول بعائلة الأسد حاكمة عليهم. على الأقل كان حافظ الأسد، الأب، يستخدم شعارات وطنية وقومية لتوحيد السوريين تحت حكمه، أما ابنه بشار فقد دخل في حرب مع الغالبية من المواطنين، ومكّن فئة صغيرة من أقربائه من مراكز السلطة وإدارة موارد البلاد. والأسد يدرك أنه لا مكان له إن غادر قصره في دمشق، لهذا يرفض كل الطروحات الداعية لتخليه عن الحكم. وحتى يبقى، ضحى بربع مليون إنسان قتلوا، وأكثر من اثني عشر مليونًا هجروا من بيوتهم، وتسببت براميله المتفجرة في تدمير معظم المدن.

ببقاء الإيرانيين يقاتلون، وظهور طلائع القوات الروسية، يلعب الحليفان لعبة خاسرة بتمسكهم بالأسد. وهم الآن يجربون طرح أفكار، وإرسال المزيد من القوات، حتى يدوم في الحكم. السؤال: إلى متى سيتحملون الخسائر؟

عبد الرحمن الراشد – الشرق الأوسط[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫3 تعليقات

  1. إقامة دولة نصيرية في الساحل معناه توقف النصيرية عن سرقة سوريا و السوريين و التوجه نحو قتالهم بعضهم البعض و سرقتهم لبعضهم البعض و هو خيار قاتل بالنسبة لهم
    و الخيار العقلاني و الوحيد هو تسليمهم لشبيحتهم و قتلتهم الذين سبحوا في دماء شعب سوريا لمدة 40 سنة أو جعل هؤلاء الشبيحة يفرون الى اوروبا أو إيران او روسيا غير ماسوف عليهم ثم الاعتذار من الشعب السوري عن الجرائم التي ارتكبها الشبيحة و الرضا بحكم الاغلبية السنية مع مشاركة في الحكم بعيدا عن السلك الامني و العسكري

  2. نعم يستطيع الأهبل إقامة دولة علوية بمساعدة الروس والإيرانيين إذا توفر لذلك شرطان أساسيان : أولا أن يقبل بعض قادة الفصائل المقاتلة الكبيرة على الأرض ومن ورائهم داعميهم ذلك المشروع ويقومون بتصفية من يعارضهم هذا التوجه مقابل حصولهم على اعتراف دولي وروسي بدويلاتهم المستقبلية مع دعم مالي وعسكري لهم أيضا ، ثانيا أن يقبل من بقي من السوريين الخاضعين لسيطرة نظام الأهبل ( وهم ليسوا بالعدد القليل ) بقاؤهم خانعين تحت الحكم العلوي الإيراني الروسي دون أمل بأن تتغيير تلك المعادلة إلى يوم الدين ، مادون ذلك لن ينجح الأهبل و روسيا بإقامة دولة علوية حتى ولو اجتمعت الإنس والجن أجمعين .