الحشد العسكري في منطقة الساحل: ماذا ولماذا وإلى متى؟
ليس صعباً تجميع قطع «البازل» السياسية والعسكرية التي يلعبها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سورية الآن، لكن الصعوبة التي تقارب الاستحالة تكمن في معرفة لماذا وكيف ومتى تطوى رقعة اللعبة هذه في النهاية… وليس في دمشق فقط وبالنسبة إلى مستقبل نظامها الذي فقد مقومات بقائه، وبالتالي التسوية التي يمكن أن تضع حداً لحرب الإبادة فيها، إنما في المنطقة كلها، فضلاً عن موسكو نفسها، وعلى مستوى قيادتها والدور الطموح الذي تحاول أن تلعبه في العالم.
لا بد أولاً من عدم إغفال أن التحشيد العسكري الروسي في اللاذقية وطرطوس يجري في الوقت الذي كانت قيادة موسكو تقوم حتى وقت قريب بحركة سياسية واسعة مع النظام والمعارضة السورية على اختلافها تحت عنوان أن لا حل عسكرياً في سورية. وقد كانت هذه الحركة، بغض النظر عن مدى نجاحها أو فشلها، لافتة فعلاً في الشهور الماضية، فضلاً عن أنها لم تكن بعيدة مما قيل إنه «ضوء أخضر» أميركي ولا من التشاور مع إيران التي تقاتل بجنودها وميليشياتها مع النظام، كما مع المملكة العربية السعودية التي تدعم المعارضة وتؤكد في كل مناسبة أن لا مستقبل لرئيس هذا النظام في سورية ما بعد الحل أو التسوية.
ذلك أنه إذا كان هدف التحشيد إنقاذ النظام، أو حتى مجرد إعادة التوازن على الأرض بينه وبين المعارضة بعد سلسلة الهزائم التي لحقت به أخيراً، فهو يتناقض مباشرة إذاً مع الحركة السياسية التي تقول إنها تستبعد الحل العسكري. أما إذا كان الهدف الوصول إلى حل ينقذ النظام، بدعوى أن البديل عنه الآن («داعش» و «جبهة النصرة» وأمثالهما) مرفوض من النظام والمعارضة معاً، كما من المجتمعين العربي والدولي، فهو إذاً مقطوع الصلة بالسياسة من ناحية، ولا علاقة له بسورية ومستقبلها وتطلعات شعبها من ناحية ثانية.
ماذا يريد فلاديمير بوتين من بنائه العسكري الجديد في سورية إذاً؟
إذا كان هدفه تعزيز القاعدة البحرية الروسية في مدن الساحل السوري، وحتى تحويلها قاعدة بحرية وجوية متقدمة شرقي البحر الأبيض المتوسط، مع ما يحمله ذلك من خطر قيام ما وصف دائما بـ «الدويلة العلوية» باعتبارها الخيار الأخير لرئيس النظام السوري بشار الأسد في حال فشله في الاحتفاظ بكامل الأرض، كما هي الحال الآن بعد حوالى 5 أعوام من التدمير والقتل والتنكيل بهذه الأرض وبأهلها، فلا حاجة للقول إنه لا يستعدي بذلك سورية وشعبها فقط، إنما أيضاً بلدان المنطقة العربية وشعوبها وما يقال فيها عن علاقات روسيا (والاتحاد السوفياتي السابق) التاريخية معها.
ذلك أن في الذهن العربي حقيقة واحدة، هي أن إسرائيل وحدها هي التي تحلم بمثل هذه «الدويلة العلوية»، ليس فقط للإبقاء على بشار الأسد ونظامه العائلي الذي لم يشكل تهديداً جدياً لها في يوم ولا أطلق رصاصة واحدة باتجاهها منذ عقود، إنما أيضاً وأساساً لأن استراتيجيتها تقوم على تفتيت العالم العربي وتقسيمه «دويلات» لا تختلف في شيء عن «دويلة» بشار الأسد/ فلاديمير بوتين الموهومة هذه.
وما في الذهن العربي كذلك، كما في ذهن بوتين من تجربة أسلافه في أفغانستان على الأقل، أن التدخل العسكري الخارجي في الشؤون الداخلية للشعوب لا يؤدي عملياً إلا إلى المزيد من رفض هذا التدخل والإصرار على قتاله ودحره، فضلاً عن استدعاء السلاح والذخيرة من كل مكان لهذه الغاية. وفي الحالة السورية، حيث لعبت روسيا بوتين دوراً عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً لا يختلف في قليل أو كثير عن دور الأسد وإيران التخريبي لكل ما في سورية التاريخ والجغرافيا، لن يمكن تصور نتيجة للتصعيد الروسي الجديد سوى تصاعد وتيرة الحرب وزيادة حدتها… وربما الالتفاف حول التنظيمات الإرهابية بدلاً من رفضها وحمل السلاح في وجهها كما كانت الحال حتى الآن.
هذا في ما يتعلق برد الفعل السوري والإقليمي العربي، أما دولياً فلا بد من عدم تجاهل حقيقة أن ما ينطبق أميركياً وأوروبياً على الموقف من أوكرانيا (وقبلها أوسيتيا وأبخازيا وجورجيا عموماً) ليس بالضرورة ولا بالسهولة حتماً أن يسري على سورية، على رغم الاعتراف الدولي بدور ونفوذ قديمين للكرملين في هذه الدولة. هناك ما يمكن اعتباره حديقة روسيا الخلفية، وحتى حاجات أمنها القومي والوطني، التي قد تتساهل فيها الولايات المتحدة والدول الأوروبية، لكن الاختلاف كبير في حالة سورية والتواجد العسكري الروسي فيها. الأمر هنا يتعلق بتركيا، العضو المؤسس في حلف شمال الأطلسي، وبقبرص وقواعد الانطلاق الأطلسية والبريطانية فيها، كما بلبنان وإسرائيل وحساسيتهما بالنسبة إلى الغرب، فضلاً عن الأحواض النفطية والغازية المنتشرة فيها بين شواطئ البحر المتوسط وشمال أفريقيا والخليج العربي.
قد تكون ذريعة الاشتراك الروسي في محاربة التنظيمات الإرهابية مقبولة لدى الغرب، لكنها تبقى موقتة، بدليل موافقة واشنطن بسرعة قياسية على «التشاور» الميداني الذي طلبته موسكو. وقد تمر بدورها الحجة الروسية التي تقول إن البديل من نظام الأسد في حال سقوطه الآن لن يكون سوى هذه التنظيمات. بل وقد يحتاج الغرب إلى قوة فاعلة على الأرض تكون موازية للقوة التي تشكلها إيران وميليشياتها اللبنانية والعراقية والأفغانية في سورية، وحتى تحسم منها على المديين المتوسط والبعيد. لكن تلك كلها شيء، وتحويل سورية، أو ما ينفصل عنها على شكل «دويلة علوية» على سواحل اللاذقية وطرطوس، قاعدة عسكرية روسية متقدمة ودائمة شيء آخر.
… وهذا، على الأقل، ما تنبئ به حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية في الأسابيع الأخيرة، وليس فقط على صعيد الحزب الجمهوري الذي ينتقد سياسات باراك أوباما في العالم، وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، بل أيضاً على صعيد الحزب الديموقراطي نفسه.
محمد مشموشي – الحياة[ads3]
الغرب و الروس و الحكام العرب و ايران و تركيا يريدون التخلص من التنظيمات الجهادية ثم الاتيان بنظام ( هجين ) من بقايا النظام و الائتلاف و هيئة التنسيق يكون عميلا لكل هؤلاء و محققا لمصالحهم و حاميا لحدود اسرائيل على حساب دماء و تضحيات الشعب السوري
مع العلم أن التدخل الروسي سيزيد الامور تعقيدا و سيلتف الناس اكثر حول الجهاديين و ستمتد نار الحرب الى كثير من دول العالم و التي تعتقد ان دماء السوريين رخيصة