” المواطنون الجيدون ” يرحبون باللاجئين في ألمانيا .. بلا خطة و لا حلول

بعد غياب طويل عاد السوريون أخيراً إلى احتلال مقدمات نشرات الأخبار وعناوين الصحف في ألمانيا. لم تكن لهذه العودة أسباب تتّصل باستمرار القتل في سورية منذ أربع سنوات، ولا لإيجاد حلول تنهي أكبر كارثة إنسانية في القرن الحالي، ولكن لأن الشظايا المتطايرة نتيجة تدمير المجتمع السوري بدأت تصيب ألمانيا، البلد الأوروبي الذي استقبل أكبر عدد من اللاجئين هذا العام.

تعيش ألمانيا اليوم، ما يُسمى «أزمة اللاجئين» التي ظهرت أعراضها الى العلن بعد هجمات متتالية نفّذها شبّان من اليمين العنصري على مراكز إيواء. وأطلقت هذه الحوادث سجالاً سياسياً واسعاً في البلاد، وأتاحت فرصة للمعارضة لم توفّرها للضغط على المستشارة الألمانية، التي اتُّهمت بادئ الأمر بالبطء والتساهل في مواجهة اليمين العنصري. في هذا المناخ، تسابقت الأطراف السياسية الألمانية إلى المزايدة في بازار استقبال اللاجئين واللهفة الى مساعدتهم. وليس من المبالغة القول إن الشباب العنصري ساهم من حيث لا يدري في خلق موجة مضادة من التعاطف مع اللاجئين، الذين كانوا سابقاً على هامش اهتمامات الألمان وأحزابهم.

الى ذلك، لعب الضغط الإعلامي الخارجي دوره في توجّه الألمان وحكومتهم الى العمل على تغيير الانطباع الذي ولّدته الاعتداءات العنصرية. فبعد تناول الألمان في شكل قاس في صحف أوروبا، صعد موضوع اللاجئين على سلّم أولويّات المستشارة أنغيلا مركل، لتتبنّى في وقت قصير مواقف قوية استهلّتها بهجوم عنيف على كل من يتعرض بالأذى الجسدي والمعنوي للاجئين. وفجأةً، تحوّل الألمان خلال أسابيع قليلة من كارهين للأجانب منكّلين بهم أو غير مكترثين لوجودهم في أفضل الأحوال، إلى مرحّبين بهم ومهلّلين لقدومهم. وهو ما انعكس بدوره إقبالاً ورغبة من اللاجئين أنفسهم على ألمانيا، وتفضيلها كمقصد رئيس لترحالهم متوّجين ذلك برفع صور ميركل في تظاهرات متفرقة، خصوصاً بعد إعلان الأخيرة تسهيلات لقدومهم عبر دول الجوار.

وتواجه ألمانيا التي استقبلت هذا العام قرابة مليون لاجئ، امتحاناً صعباً يبدأ بتأمين أماكن الإقامة بعد أن فاضت المهاجع على الأعداد. هكذا اضطرت الحكومة للمرة الأولى الى فتح أبواب صالات رياضية وثكنات عسكرية لإيوائهم ريثما يتم إيجاد حلول أفضل لهذه المعضلة. وفي كلّ يوم تتحطّم الأعداد السابقة للقادمين أمام أرقام قياسيّة جديدة. نذكر هنا «ميونيخ» على سبيل المثال، حيث استقبلت المدينة خلال الأسبوعين الأولين من شهر أيلول (سبتمبر)، حوالى 63 ألف لاجئ، أي ما يقارب خمسة آلاف يومياً. بعبارة أخرى، تستقبل ميونيخ يومياً «قرية» كاملة من النازحين. وعلى هذا النحو، سيكون عدد اللاجئين الذين استقبلتهم ألمانيا في أسابيع قليلة، أكبر من عدد الولادات فيها خلال 2015.

ولا يبدو أن لدى الحكومة الألمانية خطّة واضحة المعالم لمجاراة التضخّم المتسارع لأعداد اللاجئين. واللافت أن مبادرات مساعدتهم تم التقاطها من آلاف المواطنين العاديين من الألمان في شكل عفوي وطوعي. هؤلاء من أطلقت عليهم المستشارة الألمانية في خطابها الأخير تسمية «المواطنين الجيّدين»، تعبيراً عن امتنانها لهم لحمل العبء عن الدولة خلال الأسابيع الماضية. والجدير ذكره وفق دراسة أجراها معهد برلين المتخصص بأبحاث الهجرة واللجوء، أنّ معظم الفرق المتطوّعة للمساعدة تتألف من نساء ألمانيات متعلّمات وميسورات مادياً. ويتوزّع معظم المتطوعين والمتطوّعات على محطات القطار في المدن الكبرى، منهم من يحضّر الطعام ومنهم من يوفر العناية الطبية وآخرون ينظفون الحمامات ويوزعون الملابس.

وفي مقارنة سريعة لما كانت عليه الحال في تسعينات القرن المنصرم، يلحظ المرء تغيرّاً جذرياً في المزاج الشعبي العام تجاه اللاجئين والأجانب عموماً. فبينما كان ثلثا السكان آنذاك ضد قدوم المزيد من اللاجئين، أظهر مركز بحوث لاستطلاع الرأي والانتخابات في برلين أن ثلثي السكان اليوم لا يمانعون استقدام مزيد من اللاجئين، و85 في المئة منهم يطالبون بتوفير طرق شرعية وآمنة لإيصالهم إلى ألمانيا.

ويمكن تفسير التعاطف الحالي مع الوافدين بأمرين أساسيّين، أوّلهما وقْع صوَر وأخبار من خطفهم الموت في طريقهم بحراً أو براً الى بلدان اللجوء، والثاني كفّ الأوروبيين عن ممارسة ممانعة ثقافية يمكن وصفها بالقومية الوطنية، وانجرافهم نسبياً مع تيّار عولمي يسمح لأي فرد بالانتماء الى البلد الذي يعيش ويعمل فيه بغضّ النظر عن دينه وعرقه.

ويؤخَذ على الألمان معالجتهم قضية اللاجئين في شــــكل سطحي، إذ يتعاملون مع الأزمة وكأنها ولدت من العدم، فلا يتم الخوض في أسباب النزوح ولا تطرح حلول جذرية لمعالجتها، بينما تقتصر المعالجة على إزالة الأعراض.

وسيم كره بيت – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها