سوريا الروسية – نديم قطيش

لم يتضح بعد لكثير من العواصم كيف سيتطور الدخول الروسي الى سوريا، بعتاده وطائراته ونحو الفي عنصر ضمن قوة مقاتلة تم نشرها في محيط اللاذقية.

مع ذلك ثمة شيء لافت في إنخفاض مستوى التوتر رداً على خطوات موسكو. رد الفعل الاميركي “متفهم” على شيء من “الحذر”. الموقف الاوروبي مشابه. الرئيس التركي رجب طيب اردوغان زار موسكو للنقاش المباشر مع فلاديمير بوتين. مثله فعل رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو ونجح في إنتزاع “تطمينات روسية” ما لبث أن إمتحن جديتها بالامس بغارات على مواقع للجيش السوري في الجولان من دون إثارة ردود فعل روسية سوق لها ممانعون ومقاومون.

خليجياً بدا “التحفظ” الذي عبرت عنه تصريحات خجولة لمسؤولين ووزراء في دول مجلس التعاون منسجمة مع مناخ إنتظار ما ستستوي عليه الخطوة الروسية في سوريا. أحد المسؤولين الخليجيين أجابني عن سؤالي حول الموضوع بسؤال ونصف إجابة. قال: “هل من المفيد أن يزداد الدور الروسي العسكري في سوريا؟ من الواضح أننا أمام بداية شيء جديد”. الإجابة المعبرة تؤكد مناخ الانتظار وعدم اتضاح الرؤية وبالتالي عدم وجود تنسيق متكامل يحيط بما تقدم عليه موسكو.

مع ذلك حرص بوتين على الإتصال بعدد من زعماء المنطقة ومنهم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لإطلاعه على ما يقوم به في سوريا.

بهذا المعنى يقدم بوتين على نصف مغامرة يحميها بنصف تنسيق، مستفيداً من بعض الغموض المحيط بخياراته وتحركاته لتحقيق الهدف الاستراتيجي الروسي الدائم وهو انتزاع الاعتراف بالكرملين كقوة اساسية في الجيوبوليتيك الدولي والتعامل معها على هذا الاساس. فعلها في أوروبا عبر أوكرانيا ويفعلها اليوم في الشرق الاوسط عبر سوريا.

ثمة عوامل كثيرة شجعت بوتين على خطوته السورية ومنها التنافس بين مكونات المحور الواحد. فهو لن يسمح لإيران بالاستمرار في ضرب بنية الدولة السورية وتفتيت الجيش لصالح المليشيات الشيعية التي يرعاها الحرس الثوري. الدولة السورية بالنسبة لطهران هي بشار الاسد بشخصه ولحمه ودمه. الدولة السورية بالنسبة لموسكو هي الجيش النظامي الذي وصل الى لحظة الإنهيار التام وبإعتراف موارب من بشار الاسد.

التنافس مع تركيا سبب آخر وهو ما تعكسه السرعة في نشر صواريخ ارض جو تلغي إحتمال إنشاء منطقة حظر طيران في الشمال السوري من دون الاتفاق مع روسيا. غير ذلك الكثير من الاسباب التكتيكية.

لكن يبقى السبب العميق هو القرار الاستراتيجي الذي إتخذه باراك أوباما بسحب الولايات المتحدة من الشرق الاوسط. يخطىء من يعتقد أن واشنطن في موقع من تلقى صفعة روسية. ويخطىء أكثر من يعتقد أن البيت الابيض أخذ على حين غرة. فلا توجد دولة، أي دولة، دع عنك الولايات المتحدة، راغبة وجادة في لعب دور في حرب كالحرب السورية وتكتفي بتدريب سبعين مقاتل!! هذا العنوان الهزلي للتدخل العسكري الاميركي في سوريا هو عنوان انسحابها من حرائق الشرق الاوسط!

الحقيقة أن واشنطن إنتظرت كثيراً أن يتقدم اللاعبون “الورثة” لملء الفراغ. إنتظرت موسكو ولا زالت تنتظر الصين التي توسع اهتماماتها في الشرق الاوسط الكبير من أفغانستان الى السودان.

خطوة بوتين السورية هي خطوة نحو هذا الارث. وبقدر ما هي خطوة تقاربها المنطقة بحذر يقاربها الروس بكثير من التهيب لأن وقعها التغييري على سلوك روسيا ليس اقل من ما ستحدثه من متغيرات في الاقليم.

القلق والانتظار، ناجمان عن عدم معرفة ما ستنتجه اعادة التشكل الجديدة في العمارة الاستراتجية في الشرق الاوسط، قلق وإنتظار مشروعان لا سيما عربياً وخليجياً، أما علاجهما فيتم من خلال كثافة الاتصالات والاتفاقات والتفاهمات الحاصلة والمرشحة للتزايد بين موسكو ودول مجلس التعاون.

الانتظار ليس ضعفاً. والمغنون للدور الروسي الجديد ليسوا بالضرورة فرحين به. ثمة مثل روسي يقول: الحكيم لا زال يفكر أما الأحمق فقد أخذ قراره.

المرحلة شيقة بلا شك.[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها