ماذا ينتظر الروس عسكرياً في سوريا؟

يبدو التواجد العسكري الروسي المباشر في سورية أساسياً لتحقيق أربعة أهداف رئيسية، هي إنعاش الجيش السوري وإنهاضه على قدميه باعتباره النواة المركزية للدولة التي يُراد المحافظة عليها، ومحاربة وإضعاف الفصائل المقاتلة التي تسعى لاقتلاع النظام في شكل جذري وخفض سقف مطالبها، والاستغناء عن المعاونة الإيرانية المباشرة من خلال الميليشيات لإعطاء انطباع جديد عن الصراع ينأى به عن الانقسام الحاد السني الشيعي لتخفيف حدة العداء للنظام في الإقليم، وأخيراً لضمان تنفيذ التزامات موسكو بإزاحة الأسد، وهو ما لن تكون قادرة على فرضه على عائلة الأسد ما لم يكن لها وجود مقرر على الساحة السورية.

نحن إذاً أمام انخراط عسكري روسي في سورية سواء قبلت خطة بوتين أو رفضت، فسيد الكرملين المبشر باستعادة روسيا دورها القطبي في العالم لن يتراجع عما صرح ولوح به مهما كانت العواقب. فماذا ينتظر قواته على ضفة المتوسط الشرقية؟

ستلاقي القوات الروسيّة على تخوم مناطق سيطرة النظام نحواً من مئة ألف مقاتل يؤلفون بضع عشرات من التشكيلات المسلحة، التي لا تخضع لقيادة موحدة أو مرجعية مركزية، وتخوض حرب عصابات متعددة البؤرة منذ نحو أربع سنوات، اكتسبت خلالها كافة أنواع الخبرات في هذا النمط من الصراعات، ويشكل افتقارها إلى بعض الأسلحة النوعية وعدم انتظام الدعم المالي أبرز العقبات على طريق استكمال عملها لإسقاط النظام، ويمكن للآلة العسكرية الروسية أن توجه ضربة عنيفة بالأسلحة الاستراتيجية لتدمير البنية المادية وقواعد هذه التشكيلات، والقيام بهجمات محورية بالسلاح الثقيل على خطوط التماس لاختراق الجبهات العنيدة وتشتيتها، كما أن بمقدورها أن تقوم بعمليات إنزال مجوقل أو مظلي، في العمق الاستراتيجي للفصائل الإسلامية المعتدلة أو في مناطق سيطرة «داعش»، وانتزاع هدف سهل غير محصن، يترافق مع بروباغندا إعلامية كبيرة. وماذا بعد؟!

إن جهل القوات الروسية بأرض المعركة، وغربتها الثقافية والاجتماعية، سترغم قواتها على التمركز في معسكرات معزولة ومحصنة، تحوم حولها الذئاب الجريئة، ذات الخبرة الطويلة في استغلال الثغرات والتسلل عبرها وتوجيه الطعنات التي ستكون مهما قل شأنها عظيمة الأثر إذا ما نظر إليها من زاوية التصعيد الدعائي لقوة ومنجزات المؤسسة العسكرية الروسية في أول عمل لها خارج إقليمها الأوروبي الشرقي، وستهزّ هذه العمليات مع تواترها بعد استيعاب الصدمة الأولى، الإيمان بالعملية السياسية المرافقة والمتوخاة، ما سيدفع الروس لتثبيت موقفهم عبر الانخراط أكثر فأكثر في حرب أفراد، ستشكل مجزرة محققة للجنود الروس بسبب عدم خبرتهم أو استعدادهم لهذا النوع القديم، لكن المحدث جداً، من أنواع القتال الذي تتقنه الفصائل المعارضة، والذي أعجز مئات الألوف من جيش النظام السوري والميليشيات المتمرسة التي حاربت معه.

وفي حال تلكأ بوتين أو راوغ في إنجاز تعهداته بإزاحة الأسد، أو تعنت الأخير وتمسك بالسلطة، فإن مأزق القوات الروسية سيتفاقم لأن بين خصومهم من مقاتلي المعارضة السورية من سيحصل عند ذاك على دعم متصاعد، سيكون بمثابة أداة ضغط لإرغامهم على الالتزام بتعهداتهم، وسيتحول الجنود الروس في الشرق رهينة في المفاوضات بين روسيا وخصومها الكثر.

من ناحية أخرى، ستواجه روسيا مشكلة التدافع مع إيران التي اكتفت في كافة مراحل الصراع بدعم وصناعة قطاع الميليشيات في سورية، أداتها المفضلة في اللعب إقليمياً، من لبنان إلى العراق فاليمن، وستواصل من دون شك عملية استقطاب عناصر النخبة بين مؤيدي النظام لمصلحتها، مما يعرقل ويفرغ جهود روسيا لإعادة بناء قطاع الجيش النظامي. ومع تعثر عملياتها العسكرية، سيتسرب عناصر ذلك الجيش لمصلحة الميليشيات التي يهيمن عليها اللوبي الإيراني، ولن تتمكن بالتالي من إنشاء سند محلي قوي كما كانت تتوقع، وستبقى منفردة في الميدان وسط انشغال أنصارها بالصراع على النفوذ في المرحلة التالية.

وبخلاف ما تعلنه روسيا اليوم، فإن الحرب على التنظيمات المتطرفة كـ «داعش» و «النصرة» لن تستحوذ على نصيب كبير من اهتمامها، وسينصب جهدها العسكري في الحقيقة على محاولة تنظيف الساحة من الفصائل المعتدلة التي تمثل المنافس السياسي للنظام، ولإخراج المشهد السوري في النهاية على أنه ميدان صراع بين الإرهابيين والنظام.

لذلك ستتلقى الفصائل المحيطة بدمشق تحديداً أقسى وأعنف الضربات، بواسطة الأسلحة الاستراتيجية الثقيلة، لإحداث نوع من الصدمة والترويع في صفوفها تدفعها للانهيار السريع، وستكون قدرتها على الصمود بعد تلقي الضربات الأولى، وتحويل الصراع تالياً إلى اشتباكات بالمجموعات الصغيرة والأفراد، نقطة الانقلاب في معطيات المعركة، وإعادتها إلى سياقها العام وهو نمط حرب العصابات، حيث لا نتائج حاسمة فيه، وعندما لا يحسم الروس فهذا يعني أنهم هزموا.

وستدفع وضعية مواجهة الآلة العسكرية الروسيّة الضخمة جميع الفصائل للتوحد أو التنسيق تحت شعار وطني هو مقاومة الغزو الروسي، ما سيعزز مكانتها السياسية والشعبية ويمنحها شرعية لم تستطع تحصيلها حتى اليوم بسبب التباس صراعها بالبعد الديني المذهبي.

بلا أدنى ريب، سيمنح التدخل الروسي بشار الأسد مزيداً من الوقت في السلطة ولا شك، لكنه في الوقت عينه حدد موعد رحيله الذي سيعمل الكثير من الأطراف على التعجيل به، وهو لحظة مغادرة الطائرات الروسيّة سماء سورية.

عبدالناصر العايد، كاتب سوري في صحيفة الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد

  1. بعض المغردين القوقاز على تويتر اطلقوا تغريدات مخيفة عما سيحصل يقولون ان الحرب المقدسة ضد الروس قد تجددت عبر سوريا سنشهد في الايام القادمة عمليات داخل موسكو و المدن الروسية و ستكون الشرارة التي ستندلع بها مواجهة سورسية اسلامية داخل روسيا بما تكون احد اسباب تفكك روسيا