إنقسام روسي بشأن التدخل العسكري بسوريا
مع بدء الحملة الجوية الروسية في سوريا أصبحت تلك العملية من المواضيع الأكثر تداولا في الداخل الروسي، وقد تباينت آراء المحللين والخبراء في تقييم مبرراته وآثاره، في حين انقسم الشارع بين مؤيدين لقرار القيادة الروسية وآخرين يرون التدخل العسكري مغامرة غير محسوبة العواقب، وقد يجر البلاد إلى ما يشبه السيناريو الأفغاني.
وبررت روسيا قرار التدخل في سوريا بنيتها القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، لكنها واجهت سيلا من الانتقادات من الولايات لمتحدة وحلفائها بأن الطيران الحربي الروسي شن خلال الأيام الماضية غارات على مدن سورية لا يوجد فيها تنظيم الدولة، واستهدف بدلا من ذلك مواقع تابعة للمعارضة السورية المسلحة، موقعا قتلى وجرحى في صفوف المدنيين, في محاولة لإنقاذ نظام الرئيس بشار الأسد ومنعه من الانهيار.
يقول الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط أندريه ستيبانوف إن الشعب الروسي يعارض التدخل الروسي في سوريا، مستندا إلى استطلاع للرأي أجري في الداخل قبل نحو شهرين أظهر أن ما يزيد على 69% من المشاركين عارضوا التدخل العسكري بالشأن السوري وعارضوا إرسال قوات إلى الخارج تحت أي ذريعة كانت.
وأضاف ستيبانوف أن الإعلام الروسي يمارس التضليل والكذب العلني تجاه ما يحدث في سوريا، ولا يقدم صورة حقيقية للجرائم التي يرتكبها النظام السوري بحق المدنيين العزل، ولهذا لدى كثير من المواطنين الروس صورة مغلوطة عن حقيقة الوضع المأساوي هناك، ولا يبقى أمام الكثيرين سوى مواقع الشبكة العنكبوتية للاطلاع على حقيقة ما يحدث.
لكن -في المقابل- أكد المستشرق الروسي عضو أكاديمية العلوم فيكتور ميخين أن غالبية الشعب الروسي يؤيدون قرار التدخل العسكري بسوريا تأييدا مطلقا، ويرون أنه ضروري كخطوة استباقية لحماية أمن روسيا من “الإرهاب” ومن إمكانية وصول تنظيم الدولة الإسلامية إلى جمهوريات آسيا الوسطى، ومنها إلى الجمهوريات المسلمة بالاتحاد الفدرالي الروسي، ولمنع تكرار ما حصل في الشيشان.
وقال ميخين أيضا إنه من خلال نقاشاته مع المسلمين الروس لمس لديهم قبولا وتفهما لدوافع التدخل العسكري المباشر في سوريا.
وأضاف أن الغارات الروسية تستهدف معاقل وتجمعات من سماهم “الإرهابيين من تنظيم الدولة الإسلامية” ومخازن السلاح والذخائر، وأن هناك تنسيقا استخباريا روسيا كاملا مع العراق وسوريا وإيران من خلال مركز تبادل المعلومات في بغداد, مشددا على عدم جدية الولايات المتحدة في حربها على “الإرهاب”.
أما أستاذة الاقتصاد بجامعة موسكو إيرينا فيليبفا، فترى عدم صوابية قرار التدخل العسكري الروسي في سوريا لما تمر به البلاد من أزمة اقتصادية خانقة وعقوبات غربية مفروضة، والأزمة الأوكرانية التي استنزفت وما زالت تستنزف الخزينة الروسية.
وترى فيليبفا أن “التدخل العسكري يتطلب زيادة إنفاق للمجهود الحربي الجديد، وتقليص الإنفاق على قطاعات أخرى كالصحة والتعليم، وخطط التحديث التي اتخذتها حكومتنا الحالية، وبرامج الاستغناء عن الاستيراد” مما يؤدي إلى “تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالمجتمع الروسي”. وأضافت “نحن في غنى عن التورط في نزاعات خارجية، بل يجب العمل على النهوض باقتصاد بلادنا”.
في حين يرى نائب رئيس مركز النانوتكنولوجي أن تدخل روسيا العسكري في سوريا تأكيد لدورها وحضورها على مسرح السياسة الدولية، وكسر هيمنة القطب الواحد، وأن لروسيا مصالح يجب أخذها في الحسبان.
وأضاف أرمن تادوفسيان أن قرار التدخل العسكري اتخذ بعد أن تم التصويت عليه بمجلس الشيوخ (الغرفة العليا) مشيرا إلى أن 86% من الجمهور الروسي أعربوا عن ثقتهم بسياسة الرئيس فلاديمير بوتين “وهذه أعلى نسبة ثقة تمنح لسياسي”.
افتكار مانع – الجزيرة[ads3]