ما هي خطط بوتين في سوريا و ما هي خيارات أمريكا ؟
دخول روسيا مباشرة الحرب السورية هي آخر التحولات الدراماتيكية في نزاع مستمر منذ أربع سنوات ونصف سنة ولا ينفك يدخل منعطفات خطيرة تبتعد به عن الحلول أكثر وأكثر.
ولعل هذا التحول الاخير يكتسب أهمية أكبر من سابقاته، كونه يضع قوتين كبيريين، هما روسيا وأميركا، وجها لوجه في سماء سوريا من دون أن يعني ذلك بالضرورة أن المواجهة بينهما ستكون حتمية.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة أخيراً ما الذي يخطط له بوتين في سوريا. الى أين ينوي الذهاب أبعد من دعمه نظام الرئيس بشار الاسد ومماحكة الولايات المتحدة؟.
في اليوم الثالث لبدء التدخل الروسي العسكري في سوريا، سألت “النهار” ورصدت مواقف 12 خبيراً في الشأنين الروسي والسوري، عن الاهداف البعيدة المدى للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا.
مساران عسكري وديبلوماسي
الزميل الزائر في “تشاتهام هاوس” في لندن والباحث غير المقيم في “مركز كارنيغي” في موسكو نيكولاي كوزانوف يقول ل”النهار” أن الروس في سوريا اليوم لا يحيدون عن استراتيجيتهم المعلنة القائمة على مسارين: هم يعزّوزن مواقعهم عسكريا مع افساحهم المجال للديبلوماسية أن تعمل وفقاً للشروط التي يحددونها. يحاولون اضعاف “الدولة الاسلامية” ولكن ليس هذا التنظيم فحسب، وإنما كل المجموعات التي يمكن أن تضعف النظام السوري، بما فيها “جبهة النصرة” و”جيش الفتح”.ويجب عدم استبعاد وجود مسلحي “داعش” في المناطق التي يقصفها الروس، فالارض تتغير في استمرار.كذلك، يجب أن يكون واضحا أن المجموعات الاخرى التي تقصفها روسيا لا تقل خطرا على النظام من “داعش”. يحاول الروس جاهدين للمحافظة على النظام وتعزيز موقعه في اية مفاوضات لاحقة مع المعارضة مع الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية.وبالتالي يفرضون على المجتمع الدولي التعامل مع الاسد مع ضمانهم نفوذ الكرملين على اية تسوية مرتقبة.
دعم النظام
الباحث في “أتلانتيك كاونسيل- مركز رفيق الحريري” فيصل عيتاني حدد هدفا رئيسياً لبوتين في سوريا وهو السعي الى الحفاظ على النظام السوري:علينا أن نحلل السلوك الروسي كله من خلال هذه الصورة.هذا الهدف قد يتطلب (وقد لا يتطلب) استهداف “الدولة الاسلامية” ، ولكن الهدف ليس القضاء على التنظيم بذاته، وإنما تحييد أي تهديد يشكل خطرا حقيقيا على النظام في في معقله الاساسي في في شمال غرب سوريا وممر دمشق-حمص. المقاتلون الموجودون قرب هذه المناطق ليسوا من “داعش”، وإنما من المعارضة الاخرى ومن “جبهة النصرة”. لذلك، ستواصل روسيا استهدافهم.
الانتشار الروسي في سوريا جعل التدخل الاميركي أكثر خطورة، ولكنه صار في المقابل، صار أكثر الحاحاً وأهمية.والخيارات المتاحة تشمل جهداً جدياً واسعاً لتدريب مقاتلين سوريين وتسليحهم على الارض في سوريا، وانشاء مناطق حظر طيران في محافظات مثل حلب ودرعا، وتزويد مجموعات معينة أسلحة مضادة للطيران يمكنها تعقيد الغارات الجوية لروسيا والنظام السوري، وخصوصاً اذا حاولت استهداف حلفاء سوريين للولايات المتحدة.
من هو صاحب القرار؟
الباحث في مركز”كارنيغي” المتخصص في الشأن السوري أرون لاند يقول ل”النهار” أن جبهة حماة-الغاب ومنطقة حمص وطريق الامداد الى حلب ستشهد مزيدا من الغارات في الاسابيع المقبلة: استراتيجية روسيا الطويلة المدى ليست واضحة.أبعد من دعم الاسد واحباط التطلعات الاميركية ، ليس معروفاً ما اذا كان الروس نفسهم يعرفون ما يريدون في سوريا. بعد ثلاثة ايام من القصف بالكاد يمكن رسم نمط واضح، ويجب عدم القفز الى استنتاجات ، ولكن يجب أن يكون واضحا أن الكرملين لا يقصر هجومه في اي شكل على “الدولة الاسلامية”.على العكس، يستهدف أكثر الغارات حتى الان مجموعات أخرى.وعلى رغم تكرارها مقولة مكافحة الارهاب، تركز روسيا خصوصاً على تعزيز موقع الاسد.واذا كان هذا هو الهدف في النهاية، فسيتطلب ذلك استهداف مجموعة واسعة من الجماعات المعارضة الاخرى. ولمساعدة الاسد على الحفاظ على المناطق الاساسية والمناطق الاقتصادية المفيدة لسوريا، سيكون عليه التركيز على جبهة حماة-الغاب ومنطقة حمص وطريق الامداد الى حلب. وهذا يعني أننا سنرى مزيدا من الغارات الروسية في هذه المنطقة في الاشهر المقبلة.
دخول روسيا الحرب بهذا الشكل جعل في سوريا أكثر من ائتلاف دولي واحد، وهذا هدف بوتين أصلا.أعتقد أن الائتلاف الدولي الذي تقوده واشنطن سيواصل القيام بما كان سيفعله مع محاولة تجنب الاشتباك مع الجهود الروسية المرتبطة بالاسد وايران.ولكن السؤال المنفصل الذي يفرض نفسه هو كيف ترد الولايات المتحدة على ما يمكن اعتباره صفعة روسية لاوباما.هل سيبتلعون هذه الاهانة ويبحثون عن طريقة لجعل الامور تسير على نحو منتظم ويتقاسمون المسؤوليات في سوريا، أو سيردون بطريقة ما لاظهار من هو صاحب القرار.
بوتين يفوز ونحن نخسر
ادوارد لوكاس نائب رئيس المركز لتحليل السياسات الاوروبية، ومقره واشنطن وفرصوفيا يقدم استنتاجاً “كئيباً” عن الوضع:روسيا فازت.الفوز الروسي توج أسبوعاً كارثياً من الديبلوماسية الغربية والقيادة الاميركية. خطاب بوتين أمام الجمعية العمومية الذي أبرز فيه اهتماماً حقيقيا بالسلطة ووبخ فيه الغرب على ضعفه وتردده، قابله الرئيس الاميركي باراك أوباما بمظهر زعيم يستبدل السياسة بالخطاب.أما لقاء الرجلين فقد اعتبر على نطاق واسع دليلاً على انتهاء العزلة الدولية لبوتين.
ومن الديبلوماسية، انتقل الروس مباشرة الى التنفيذ.أعطوا الاميركيين ساعة لاخلاء الاجواء السورية.وبذلك لم يشكلوا تحدياً مباشراً للسلطة الاميركية فحسب، وإنما مزقوا ايضاً قواعد الديبلوماسية العسكرية.
ومع أن فرص النجاح في سوريا ضئيلة ،الا أن اخطاء الغرب كبيرة الى درجة أن بوتين يبدو الان رجل دولة مسؤولاً نلجأ اليه سعيا الى الحصول على المساعدة”.
ورقة مساومة
اليك لون الذي يكتب لمجلة “بوليتيكو” من موسكو يرى يعتبر الوجود الروسي في سوريا على المدى البعيد ورقة للمساومة: الغارات الجوية ستساعد الاسد على البقاء في السلطة، ولكن على المدى البعيد يبدو أن الوجود الروسي هناك هو ورقة مساومة.أنهى بوتين الوجود العزلة الدولية لروسيا بسبب أوكرانيا ونجح في الحصول على لقاء مع اوباما.وهنا يتساءل لون: على ماذا أمكن الاتفاق خلف الابواب الموصدة؟هل حصل على اقرار بمصالح روسيا في أوكرانيا؟على موعد لانهاء العقوبات؟.كل ذلك صار فجأة على الطاولة.
سوريا مقابل الدونباس
بن جوده مؤلف كتاب:”كيف وقعت روسيا في حب بوتين وخرجت (منه) ” يقول إن بوتين يسعى الى مبادلة سوريا بالدونباس ورفع العقوبات:الكرملين مقطوع عن الديبلوماسيين والصحافيين والمحللين الغربيين أكثر من أي وقت منذ ليونيد بريجنيف.وحتى افضل الاستخبارات الغربية لا تعرف كثيرا عمن ينصح بوتين.الاصوات الصادرة من الكرملين تفترض أن بوتين قد يكون مستعدا لمبادلة مناطق بمناطق أخرى:سوريا مقابل الدونباس ورفع العقوبات.
الاسد ليس مجرد فكرة
ماشا غيسن، مؤلفة كتاب “الرجل بلا وجه:”الصعود غير المحتمل لفلاديمير بوتين”، ترى أن الدافع الاول لبوتين هو فرض روسيا على الغرب ومنع ابعادها من اية محادثات: تثبيت روسيا كقوة عظمى من طريق استخدام قواعد اللعبة القديمة من الابتزاز والعضلات.ورسالتها الاساسية هي: ستصغون الينا ولن تستثنونا من الحديث.وهي موجهة خصوصاً الى الويات المتحدة.الدافع الثاني أيضاً هو التأكيد أن الاسد أكثر من مجرد فكرة في الكلام الروسي، وأن هناك تماهيا عميقا مع الاسد هنا، إن لم يكن تعاطفاً شخصياً.
طفرة جهاديين
أندرو ويس،نائب الرئيس للدراسات في مركز “كارنيغي اندومنت” يستبعد أن يكون لدى بوتين خطة بعيدة المدى: بوتين ارتجالي وانتهازي من الطراز الاول. صحيح أنه يحاول ملء بعض الفراغ في الشرق الاوسط وسوريا مع خفض الولايات المتحدة تورطها العسكري في المنطقة، ولكن في الوقت نفسه أشكك في أنه يفكر خطوتين أو ثلاث الى الامام. الحرب في سوريا ستزيد الاوضاع سوءا وهو يغرق روسيا فيها.سيكون الامر مجرد وقت قبل أن نرى طفرة لنشاط الجهاديين الذين يستهدفون الروس في سوريا وأيضا في شوارع موسكو.الخطوات الروسية ستقوي نظام الاسد وتحفز قوى الجهاد العالمي.
جدار العزلة الدولية
مارك غاليوتي ، المتخصص في شؤون الامن الروسي والجريمة المنظمة يحدد ثلاثة اهداف لروسيا في سوريا ومحاربة “داعش” هي آخرها: الدليل ان العملية العسكرية الاولى استهدفت “الجيش السوري الحر” الذي يهدد النظام السوري. وهو يريد أيضاً دعم نظام الاسد أو على الاقل توفير متنفس له لاعادة رص صفوفه وفي الوقت نفسه ضمان تأثير لموسكو في مستقبل البلاد وفي اي نظام قد يخلف الاسد.سوريا بذاتها ليست مهمة بالنسبة اليه، وهدفه أوسع من ذلك الا وهو فتح فجوة في جدار العزلة الديبلوماسية والاقتصادية حول روسيا.
تحالف روسي-شيعي يحرج اميركا
أندرس أسلاند، الباحث الكبير في “اتلانتيك كاونسيل” الذي كان مستشاراً اقتصاديا للحكومات الروسية بين 1991 و1994، يرى أهدافا متعددة لبوتين في سوريا: طوال العام الماضي، كان يسعى الى الانتصار في حرب قصيرة بعدما تبين له أن حربه في الدونباس لم تكن لا نصرا ولا قصيرة.بعد محاولات وأخطاء عدة، يبدو أن خياره وقع على سوريا حيث تفتقر اميركا الى سياسة واضحة وتعجز أوروبا عن مجرد التفكير في سياسة لسوريا بعدما غرقت باللاجئين. ان تحالفا روسيا-شيعياً مع العراق وايران يمكنه احراج الولايات المتحدة.يمكن بوتين أن يقصف المقاتلين الروس ال2200 الذيم يحربون مع “الدولة الاسلامية” وبالتالي دفع أميركا وأوروبا الى تواصل أكثر وثوقاً معه.ولكن لهذا التكيك أوجه قصور خطيرة. فالغرب قد لا يكون أكثر لطفا مع روسيا بعد مغامرتها السورية التي تنطوي على أخطار نزاع عسكري مباشر مع الولايات المتحدة.والحرب في سوريا مع أسلحة عصرية قد تكون مكلفة جداً في الوقت الذي يتجه الناتج الاجمالي الروسي الى التراجع بنسبة 4 في المئة على الاقل هذه السنة.الروس لا يريدون خوض حرب في الشرق الاوسط ، لذا تبدو السياسة السورية الجديدة لبوتين خطيرة وقد تؤدي في النهاية الى زعزعة الاستقرار في روسيا.
تقويض خطط أميركا وانقاذ الاسد
كيث غيسن الصحافي المولود في روسيا يستخدم تعبيرا روسيا لوصف خطة بوتين، قائلا إنه “يخلط المسلي والمفيد”: من المسلي تقويض الخطط الاميركية الضعيفة، ومن المفيد انقاذ أحد الحلفاء القليلين لروسيا من الانهيار. وهو على غرار الاميركيين يقصف من السماء آملا في قتل أكبر عدد من الناس ليتمكن أصدقاءه من النجاة بأنفسهم.
شعبية بوتين
غريغوري فايفر مؤلف كتاب “روس: الناس وراء السلطة” يلخص هدف بوتين في سوريا بأنه رفع التأييد الشعبي له: هدفه الرئيسي زيادة الوضع تعقيدا على الارض من أجل احتلال الصدارة في الساحة الدولية. بدعمه الاسد دفع القوى الغربية الى التحزر في شأن دوافع الكرملين وترك البعض يعتقد أن روسيا صارت أساسية للسلام في الشرق الاوسط.
موناليزا فريحة – النهار[ads3]