واشنطن بوست : لاجئو ألمانيا .. البعض يتلقى دروساً في الرقص و آخرون ينامون في الشوارع
بعد استقبالها ما لا يقل عن 800 ألف طالب لجوء هذا العام، تسجل ألمانيا واحدة من أكبر الاستجابات للطوارئ منذ الحرب العالمية الثانية. وبينما تحاول إيواء اللاجئين في الخيام، والمراكز الرياضية، وحتى على أرض معسكر اعتقال نازي سابق، تواجه الدولة المعروفة بكفاءتها صعوبات عدة في استيعاب اللاجئين.
خارج مركز تجهيز اللاجئين الرئيسي في برلين، يعاني طالبو اللجوء من جحيم البيروقراطية، حيث يخيم العشرات على أرصفة الطريق في البرد لمدة أسابيع أحيانا، وهم ينتظرون ظهور أرقامهم على شاشة داخل أحد المراكز للحصول على مساكن مؤقتة. ويمثل كل يوم مغامرة جديدة بالنسبة لهم. وعند حلول وقت إغلاق المركز بعد الظهر، يعود مئات طالبي اللجوء يجرجرون أذيال خيبتهم، أمثال الشاب السوري أحمد حماديش، الذي عاد إلى بطانيته لقضاء ليلة أخرى على الرصيف. يقول حماديش، وهو شاب في 27 من عمره، إنه قضى 22 ليلة بانتظار ظهور رقمه «U64» على الشاشة، موضحا: «ننام في الشوارع في البرد الشديد منتظرين ظهور أرقامنا. نستيقظ في الصباح لنخوض المعاناة نفسها من جديد».
ونجح 527 ألف طالب لجوء في الوصول إلى ألمانيا هذا العام، ربع هذا العدد تقريبا وصل خلال آخر شهر فقط، ما أثار استجابة هائلة لإيوائهم ومساعدتهم، بتكلفة تتجاوز 11 مليار دولار. ويقول المسؤولون الألمان إن استجابة بلادهم ارتفعت لنفس مستوى التحدي، بمساعدة جيش وطني من المتطوعين.
في المقابل، يوفر أحد المراكز في برلين، مقام على أرض مركز الألعاب الرياضية ويبعد عشر دقائق بالحافلة عن مركز التجهيز الذي تتم فيه دراسة الملفات، أسرة وطعاما طازجا لطالبي اللجوء، حتى غنه يقيم دورات تدريبية في رقص «الزومبا»، وحفلات موسيقية بالبيانو لتهدئة الأعصاب. لكن لا تتاح حافلات لإعادة اللاجئين إلى مركز التجهيز كل صباح، فيضطر الكثيرون إلى الاحتماء من البرد ليلا تحت البطانيات خارج المركز. وذكر حماديش، الذي كان يعمل في مختبر في العاصمة السورية دمشق: «قرأت عن مدى اجتهاد ونجاح الألمان، لكن هذا (وهو يشير بيديه إلى اللاجئين العالقين لليلة أخرى على الرصيف) غير مجد».
وتسعى ألمانيا لتوزيع اللاجئين على ولاياتها ومدنها وبلداتها استنادا على تعداد السكان والإيرادات الضريبية. فقررت أن تستقبل برلين، مثلا، أكثر من 5 في المائة من إجمالي عدد القادمين. وتحاول السلطات إيواء أكثر من تسعة آلاف طالب لجوء وصلوا خلال الأسابيع الثلاثة الماضية فقط. وامتلأت مراكز الإيواء لدرجة أن السلطات قدمت سندات صرف لبعض اللاجئين للإقامة في فنادق صغيرة. ويوضح عمال الإغاثة التطوعية أن تأخر برلين في الدفع جعل معظم هذه الفنادق لا تقبل سندات صرف اللاجئين.
من جانبها، تسارع جهات حكومية وطنية ومحلية لتوظيف الآلاف من ضباط الشرطة والموظفين الجدد لإدارة أزمة اللاجئين. وفي غضون ذلك، تبحث المدارس بشدة عن مدرسين جدد لمساعدة نحو 300 ألف طالب جديد. وقالت إيرينا ويسمان، مديرة مدرسة «آن دير بيك» الابتدائية في برلين، إنه لا يوجد أي مدرس كفء متاح للعمل. ومع استقبال مدرستها 20 طالبا لاجئا جديدا، وضعف هذا العدد بحلول نهاية العام الحالي، تخشى ويسمان اكتظاظ الفصول، علاوة على المشاكل التي قد تبرز عند الأطفال المصابين بصدمات نفسية.
وكان مانفريد شميت، رئيس المكتب الاتحادي الألماني لشؤون الهجرة واللاجئين، قد قدم استقالته الشهر الماضي، حيث تلقى انتقادات لعدم تقييمه الأزمة بشكل دقيق، وعدم تكثيف الجهود للتعامل معها.
في سياق متصل، تنتشر المزاعم بالاغتصاب في مراكز اللاجئين خارج العاصمة برلين. وفي وسط مدينة غيسن، يحقق المسؤولون في أربع حالات اعتداء جنسي في ملجأ إيواء مؤقت واحد. وتقول جماعات مدنية إن الفصل بين الرجال والنساء في الملجأ ليس دقيقا. وفي وقت تسيء فيه فضيحة شركة «فولكسفاغن» لسمعة ألمانيا كبلد يتسم باحترامه الشديد للقانون، فإن التوترات التي تخيم على أزمة اللاجئين تمثل تحديا للصورة الموجودة في أذهان الكثيرين بالكفاءة الوطنية للألمان.
وقالت ليلى الأبكه، متطوعة مع جماعة مساعدة اللاجئين «موابيت هيلبس»، إنه «من الواضح أن الدولة لا تفرض سيطرتها على أي شيء هنا». وفي المساء، تحاول الأبكه إرشاد بعض اللاجئين في الشوارع إلى المنازل الخاصة بأشخاص يرغبون في توفير مأوى لهم خلال الليل. وتابعت: «إن لم يكن هناك الكثير من المتطوعين، لن يفلح الأمر أبدا، وكل شيء سينهار».
في المقابل، صرح مسؤولون ألمان أنهم يبذلون قصارى جهدهم لمعالجة هذا الوضع الاستثنائي، ومن المعجزة أنهم تمكنوا من مساعدة وتسكين مئات الآلاف من طالبي اللجوء بهذه السرعة. وفي مقابلة أجرتها صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية معه الأسبوع الماضي، صرح وزير الداخلية الألماني توماس دي مايتسيره، بأن ألمانيا تدير الأزمة «لكن مع وجود صعوبات». وأشار إلى أنه يتعين على بلاده طرح عملية ضخمة لإيواء طالبي اللجوء «في غضون أسابيع». ومضى وزير الداخلية الألماني يقول: «بطريقة أو بأخرى، لا يمكن للاجئين أن يشتكوا من أنهم يصطفون هنا في طوابير، وهم يرفضون الذهاب إلى أماكن أخرى». ومن أجل التعايش مع الوضع، تحاول مدن مثل برلين التفكير بإبداع، مع قدوم المواطنين والمتطوعين في كثير من الأحيان لتوفير الدعم. ولإيواء القادمين الجدد مؤقتا، بدأ المسرح الألماني في برلين إيواء اللاجئين في غرف تغيير الملابس الخاصة بالممثلين هذا الأسبوع. وتكمن المشكلة الأكبر في كيفية إيواء اللاجئين على المدى الطويل. ويدرس أحد أحياء برلين مقترحا لإيواء اللاجئين في المتاجر الفارغة، فيما اقترحت جهات في منطقة فريدريش – كريوزبرغ الاستحواذ على الشقق الفارغة للمضاربين العقاريين بهدف إسكان طالبي اللجوء. أما على المدى القصير، فيستخدم المسؤولون أربعة مراكز رياضية ومدينة من الخيام لتوفير مأوى مؤقت.
من جانبه، يقول حسين خضير، ميكانيكي عراقي عمره 23 عاما، اصطحب شقيقه الأعمى إلى مركز الإيواء هذا الأسبوع، إن ما يريدونه حقا هو تسريع إجراءات الإيواء حتى يتمكن شقيقه من تلقي العلاج الطبي. وأضاف خضير: «لا أعرف ما إذا كان ينبغي علينا الشعور بالتفاؤل أم لا، فلا أحد يخبرنا بأي شيء».
واشنطن بوست – صحيفة الشرق الأوسط[ads3]