زلزال فولكسفاغن : هل يودع الخليجيون ألمانيا ؟
وسط التحذيرات الحادة للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، وتهديدات بعض عملاء فولكسفاجن البريطانيين بمقاضاتها، ومطالبة فرنسا وإيطاليا بضرورة إجراء تحقيق أوروبي شامل حول سلامة سياراتها، واستقالة مارتن فنتركورن، الرئيس التنفيذي السابق للشركة، واستبداله بماتياس مولر، والاستعدادات لرحيل كريستيان كلينغر،عضو مجلس الإدارة ورئيس قسم المبيعات والتسويق، يتوارد إلى الأذهان مصير الاستثمارات الخليجية في صناعة السيارات الألمانية التي راهنوا عليها منذ سنوات طوال.
فرغم الاستثمارت المربحة بأسهم شركات تصنيع السيارات الألمانية وخاصة دايملر وفولكسفاغن، تحول الربح إلى خسارة فادحة حين انهارت أسعار أسهم شركة فولكسفاغن عقب فضيحة تزويرها لتقرير انبعاثات الغازات من سياراتها العاملة بالديزل في الولايات المتحدة الأمريكية أواخر الشهر الماضي حيث قدرت تقارير وكالة بلومبرج الاقتصادية خسارة صندوق الثروة السيادي القطري بأكثر من 4.5 مليار دولار مع هبوط أسهم الشركة بنحو 30 % خلال أسبوع.
وتعد قطر القابضة، إحدى الشركات التابعة لجهاز قطر للاستثمار، أكبر مساهم في فولكسفاغن التي تملك فيها 17 %من الأسهم العادية و13 % من الأسهم المميزة، فيما تملك بورشه 52.2 %، ولولاية ساكسونيا السفلى، التي يقع فيها مقر الشركة، حصة قدرها 20 %. وتقدم الأسهم الممتازة عائداً أعلى لقطر ولكن لا يحق لها التصويت في إدارة الشركة.
كما كلف التأثير السلبي للفضيحة حاملي أسهم فولكسفاغن خلال يومي 21 و 22 أيلول الماضي لوحدهما حوالي 25 مليار يورو إلى جانب ما خسرته قطر، وبدورها خسرت البورصات الأوروبية عشرات المليارات من قيمة الأسهم المدرجة على لوائحها، يضاف إلى ذلك تعويضات قد تصل إلى 18 مليار يورو يتوجب على الشركة دفعها في الولايات المتحدة الأميركية، وتكاليف أخرى بالمليارات ستأتي نتيجة تعويض الزبائن وسحب ملايين السيارات المزودة ببرامج التزوير من السوق.
ومع هذا الحجم الهائل من خسائر جهاز قطر للاستثمار وتوابع الفضيحة المدوية، يطرح سؤال هام نفسه بقوة: هل تودع الاستثمارات الخليجية صناعة السيارات الألمانية؟
وللإجابة على هذا السؤال، يرى عبد العزيز المخلافي، أمين عام الغرفة التجارة العربية الألمانية، أن المستثمرين الخليجيين سيحتفظون بأسهمهم فيها رغم الخسائر، لأن غالبيتها استثمارات طويلة الأجل كما هو الحال بالنسبة للاستثمارات الكويتية التي احتفلت مؤخراً بمرور أربعين سنة على استثماراتها في شركة دايملر المنتجة لسيارات مرسيدس الشهيرة.
وتمتلك الهيئة العامة للاستثمار الكويتية، التي تأسست في العام 1953، حصة قدرها 6.8 % في دايملر، وتستثمر قرابة 18 مليار دولار في ألمانيا، وتضاعفت استثماراتها في المارد الألماني ثلاث مرات بالسنوات العشر الماضية، لترتفع نحو 80 % في العام 2010.
كما نفت الكويت سابقاً ما تردد حول تخفيض أو زيادة حصتها الحالية في دايملر، مبينة أن أصل الحصة يبلغ 12 % إلا أنه عندما اشترت شركة دايملر بنز شركة كرايسلر، أصدرت أسهماً إضافية لمساهمي كرايسلر وعليه انخفضت النسبة نتيجة زيادة عدد الأسهم وبالتالي لم يحصل تخفيض لحصة الكويت.
وهنا لا يتوقع المخلافي انسحاب صناديق الثروات السيادية الخليجية من صناعة السيارات أو الصناعات الألمانية الأخرى التي لا تخضع عادة للتقلبات الوقتية بل تبقى مستقرة و «رأينا هذا الاستقرار في استثمار الهيئة العامة للاستثمار الكويتية التي بقيت رغم التقلبات في شركة دايملر وتأثر أسهمها بعد شراكتها مع كرايسلر وانفصالها عنها.»
ووفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن المعهد العالمي لصناديق الثروات السيادية لشهر نيسان الماضي، ضمت القائمة 19 صندوقاً سيادياً عربياً من أصل 78 على مستوى العالم شملت صندوقاً لكل من الكويت، وقطر، والبحرين، وليبيا، والعراق، وفلسطين، وموريتانيا، مقابل صندوقين لكل من السعودية وعمان، و7 صناديق للإمارات.
وحل جهازأبوظبي للاستثمار في المركز الثاني عالمياً والأول عربياً إذ وصلت قيمة أصوله المدارة إلى 773 مليار دولار، في حين جاء صندوق مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) في المركز الثالث عالمياً والثاني عربياً وبلغ حجم أصوله المدارة 757.2 مليار دولار، بينما حلت الهيئة العامة للاستثمار الكويتية في المركز الخامس عالمياً والثالث عربياً بحجم أصول مدارة وصلت 548 مليار دولار، واحتل جهاز قطر للاستثمار المرتبة التاسعة عالمياً بموجودات بلغت نحو 256 مليار دولار.
وأوضحت بيانات المعهد أن مجموع أصول صناديق الثروات السيادية في العالم بلغت 7.2 تريليون دولار، وشكلت صناديق الشرق الأوسط 37.1 % من الأصول، فيما تصل حصة القارة الأوروبية إلى 16.7 %، وأميركا 2.9 % فقط، وآسيا 39.1 %، واستحوذ قطاع النفط والغاز على الحصة الأكبر من ثروات الصناديق السيادية، إذ بلغت نسبته 59.5 %.
ومع هذا الحجم الهائل من الثروات السيادية الخليجية، وفي ظل قوة الاقتصاد الألماني قائد القارة العجوز، يشير المخلافي إلى ضرورة عدم اقتصار الاستثمارات العربية على قطاع الخدمات وصناعة السيارات فقط، فعليها التوسع إلى قطاع الصناعة الذي تحتاجه دول الخليج لتنمية قطاعاتها، والذي يضم أيضاً العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تبيع بالمليارات.
وساهم قطاع الصناعة في الناتج القومي الألماني بنسبة 22.3 % في العام 2014 مقارنة ببريطانيا وفرنسا، التي ساهم في كل منها بنسبة 9.4 % و11.4 % على التوالي في نفس الفترة، فيما تساهم صناعة السيارات في قطاع الصناعة بـ17.5 %، وتستحوذ السيارات على 18 % من إجمالي الصادرات الألمانية التي تستأثر بـ46 % من الناتج القومي الألماني. وتصل توقعات نمو الاقتصاد الألماني نسبة1.8 % في العامين 2015 و 2016
إلى ذلك، وفي خطوة اعتبرت محورية لتخطي مخلفات فضيحة التزوير، أعلنت مؤسسة بورشه إس أي، المستقلة عن شركة بورشه لصناعة السيارات، رفع حصتها في شركة مجموعة فولكسفاغن للسيارات، إلى 52.2 % لتستحوذ على أغلبية رأس مالها بعد أن قامت بشراء حصة شركة سوزوكي اليابانية التي تفوق 4 ملايين سهم بقليل، أي 1.5 % من أسهمها ، وتحتوي مجموعة بورشه إس أي، العاملة أساساً في مجال الاستثمار بشركة فولكسفاغن، عدداً من المستثمرين الأفراد والمؤسسات، وأغلبهم يمثلون ورثة عائلتي بورشه وبيشه، المؤسستين لشركة فولكس الديزل.
وهنا ينصح المخلافي المساهمين العرب بضرورة شراء أسهماً من الأسواق بشركة فولكسفاغن، إن أُتيحت فرصة حالية لذلك، خصوصاً بعد أن ارتفعت حصة بورشه في ملكية الشركة مع إعلانها الأخير، ما قلص حجم الأسهم المتاحة بنسبة 10.8 %، لتصبح الحصص الكبرى محسومة كالآتي؛ 20 % لولاية سكسونيا السفلى، و52.2 % لبورشه، و17 % لقطر، و12.3 % لمستثمرين آخرين.
ويضيف:«ستعود أسهم فولكسفاجن إلى التعافي بعد فترة تأثر قصيرة المدى، أي في غضون أسابيع، فيما ستتمكن فولكسفاغن من تجاوز تبعات الفضيحة على المدى المتوسط والطويل أي على فترة تمتد من 2 إلى 5 سنوات.»
ويرى المخلافي في إمهال الهيئة الفدرالية للنقل الألمانية لشركة فولكسفاغن حتى 7 تشرين الأول فرصة لشرح طريقة إصلاح الخطأ الذي ارتكبته وتعديل محركات الديزل المخالفة بما يتلاءم مع مقتضيات التشريعات البيئية الألمانية، ما سيعيد الثقة بين العملاء، ويُبين الجدية الواضحة للشركة التي ستقوم حتماً بحلها.
ورغم ثقة المخلافي في قدرة فولكسفاغن على تجاوز الأزمة، أوردت صحيفة بيلد إم سونتاغ الألمانية، إحتمالية تعرض الشركة لعقوبات موجعة أهمها حظر سير سياراتها من الأصناف المعيبة في ألمانيا، فيما أضاف خبراء متخصصون في صناديق التوفير الألمانية، بحسب تصريحاتهم لدويتشه فيله، أن الفضيحة تكشف عن كثير من الضعف والفشل في عمل مؤسسات الرقابة الحكومية الألمانية، كما تعكس النفوذ الكبير لصناعة السيارات على صنّاع القرار السياسي في ألمانيا.
فحسب رأي كريستيان هازه، الخبير بمجموعة بنوك صناديق التوفيرالألمانية، سيؤدي هذا النفوذ إلى التغاضي عن تجاوزات وعمليات فساد وتزوير تقوم بها شركات السيارات في ألمانيا وخارجها.
ففولكسفاغن ليست الشركة الوحيدة التي تقوم بعمليات التزوير لأهداف عدة تشمل تخفيض النفقات وزيادة الأرباح على حساب الزبائن، وفق قوله، كما يسمح نظام الشركات الألماني للشركات بتقديم علاوات إضافية ومغرية إلى قياداتها مقابل نجاحها في زيادة المبيعات والأرباح، ولا يخضع ذلك للرقابة والتدقيق من أجل التأكد من تنفيذه بطرق سليمة أو ملتوية.
وفعلياً، تُعتبر مجموعة فولكسفاغن من الشركات المنتجة لسيارات عالية الجودة تحمل اسم المجموعة وأسماء شركات أخرى تابعة لها مثل آودي وبورشه وسكودا، كما أنها أكبر شركة لصناعة السيارات في القارة الأوروبية بحجم أعمال زادت قيمته على 200 مليار يورو في العام 2014، أي ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي لدولة قطر.
وخلال العام الماضي، باعت الشركة، التي تشغل أكثر من 600 ألف موظف في ألمانيا وخارجها، أكثر من 10 ملايين سيارة عالمياً متجاوزة بذلك مبيعات شركة تويوتا التي تربعت لسنوات طويلة على عرش قائمة الشركات الأكثر مبيعاً للسيارات.
وتوفر صناعة السيارات الألمانية نحو خمس الوظائف بألمانيا، وساهمت، وفق إحصائيات دويتشه بنك، بنسبة 17.9 % من إجمالى الصادرات الألمانية البالغة 1.1 تريليون يورو العام الماضي، وحققت صادرات القطاع نمواً فوق المتوسط منذ العام 2009.
وتُعد صناعة السيارات في ذات الوقت محرك الإبداع والابتكارحيث تُنفق نسبة 30 % من مجمل ميزانيات الشركات على البحث والتطوير في قطاع صناعة السيارات، ومن خلال عمالقة تصنيع السيارات الألمان، فولكسفاغن وأودي وبي إم دبليو ودايملر وبورشه وأوبل، تعتبر ألمانيا، إلى جانب اليابان والصين والولايات المتحدة الأمريكية، من أكبر منتجي السيارات العالمية، وتحتفظ لنفسها بدور كبير وحصة مهمة في سوق فئتي السيارات المتوسطة الكبيرة والكبيرة الفارهة.
ومنذ أزمة المبيعات العالمية التي أصابت أيضاً منتجي السيارات الألمان آبان الأزمة المالية العالمية في العام 2008، ومن أجل الاستعداد للمستقبل، عمل منتجو السيارات الألمان بشكل مكثف على تطوير محركات وتقنيات أكثر صداقة للبيئة، وخاصة محركات هوبرايد، أي تلك التي تجمع بين تقنية الاحتراق والتقنية الكهربائية، والمحركات العاملة بالديزل.
انعدام الثقة في مصنعي السيارات بيد أن كل هذه المجهودات لم تفد وقد لا تجدي نفعاً مع الإساءة لسمعة الصناعة الألمانية وضرب الثقة بها، في ظل عدم اتضاح الصورة عند نشوبها واعتراف الشركة فيما بعد بتحايلها على اختبارات انبعاثات عوادم سياراتها، التي طالت 11 مليون سيارة من بينها 2.8 مليون في ألمانيا نفسها.
وتقوم عدة جهات تنظيمية وحكومية حالياً بإجراء تحقيقات لتحديد ما إذا كانت شركات أخرى سيطالها الشك فيما يتعلق بنتائج اختبارات الانبعاثات، ما دفع شركات فورد، وبي إم دبليو، ورينو- نيسان، التأكيد على إنها لا تستخدم «جهاز خداع اختبارات الانبعاثات» أو «defeat device» فيما لم تصدر شركات أخرى أي استجابة أو رد فعل للأزمة، وأخرى قالت إنها تلتزم بالقوانين.
وأوضحت جمعية صانعي وتجار السيارات البريطانية أن الاتحاد الأوروبي يستخدم نظاماً مختلفاً لاختبار السيارات المقرر بيعها في الولايات المتحدة الأميركية مع إجراء اختبارات انبعاثات متوافقة مع الشروط الصارمة للقانون الأوروبي وتحت إشراف وكالة حكومية مستقلة مكلفة بالتصديق على النتائج. ومع قدم اختبارات الانبعاثات المطبقة، تعمل المساعي حالياً على استصدار اتفاقية من قبل المفوضية الأوروبية لاستحداث طرق جديدة.
ومع كل هذا أو ذاك، يتوقع الخبراء أن يتعرض سوق سيارات الديزل إلى ضربة جديدة، فعلى مدار العشر سنوات الماضية، ضخت شركات السيارات استثمارات هائلة في تلك الفئة علاوة على تلقيها دعماً من قبل حكومات عدة، اعتقاداً منها أنها أفضل للبيئة، لكن أدلة علمية توفرت في الآونة الأخيرة رجحت أن هذا ليس صحيحاً، مما أدى إلى ظهور اتجاه نحو الحد من سيارات الديزل في عدة مدن.
وكانت مبيعات سيارات الديزل قد بدأت في التدهور بالفعل حتى قبل أزمة فولكس فاغن وقد تتراجع بشكل أكبر حالياً، حيث لم تمثل سوى 1 % فقط من مبيعات السيارات الجديدة، وهو ما يجعل الزيادة في تلك المبيعات أمراً غير متوقع على المدى المتوسط، بحسب رأي الخبراء.
ومن الممكن أن تشهد مبيعات سيارات الديزل في أوروبا أثراً سلبياً مضاعفاً لفضيحة فولكسفاجن، ما قد يؤدي إلى تحول قطاع كبير من مستخدمي السيارات إلى استخدام سيارات البنزين.
وبالفعل، ظهرت بوادر الأزمة مع الحظر المؤقت الذي أعلنته سويسرا بخصوص وقف بيع سيارات فولكسفاغن العاملة بالديزل، وهي خطوة قد تشمل 180 ألف سيارة لم تُبع أو تُسجل بعد في فئة الانبعاثات الخاصة بمعايير يورو5 ، بحسب ما اوردت صحيفة ارابيان بيزنس .
وأوضح مكتب الطرق الاتحادية السويسري أن السيارات المزودة بمحركات فولكسفاغن سعة 1.2 لتر و1.6 لتر و2.0 لتر -من بينها أودي وسيت وسكودا- قد يشملها الحظر الذي لن ينطبق على السيارات التي دخلت إلى الخدمة الفعلية أو السيارات المزودة بمحركات ضمن معايير يورو5 الخاصة بتقليل نسبة التلوث.
وتستعد سويسرا لإجراء تحقيق شامل في الأمر إلى جانب عدد من الدول تضم المملكة المتحدة وألمانيا، فيما تراقب استراليا الموقف الحالي قبل اتخاذ أي إجراء. ومن الممكن أن يتعرض عملاق السيارات الألماني للمزيد من الخسائر حال لجوء العملاء وحاملي أسهم الشركة إلى القضاء للحصول على تعويضات، علاوة على تكهنات تشير إلى إجراء وزارة العدل تحقيقاً جنائياً في تلك الأزمة.
ووفق عدة تقارير، بدأت فضيحة ديزل فولكسفاغن في الولايات المتحدة الأميركية قبل انتقالها إلى دول أخرى شملت بريطانيا، وإيطاليا، وفرنسا، وكوريا الجنوبية، وكندا، وبالطبع ألمانيا، إلا أن الوضع لا يزال غامضاً بالنسبة لمنطقة الخليج ومنطقة الشرق الأوسط، التي ينتشر فيها استخدام سيارات فولكسفاغن بمحركات الوقود بشكل أكبر، بيد أن الشركة لم تخطر أحداً حتى الآن بوضع الأسواق العربية، كما لم تقم أياً من السلطات المعنية في المنطقة بأكملها بفتح أية تحقيقات أو إثارة أية تساؤلات للوقوف عند حقيقة الموقف.[ads3]