أردوغان يواجه روسيا في سوريا ؟
بات واضحاً وبعد أيام قليلة على الانخراط العسكري الروسي المباشر في الحرب السورية وان جواً حتى الآن على الأقل، أنه أزعج كثيراً لا بل أقلق وأخاف قوى اقليمية عدة معادية لنظام الرئيس بشار الأسد ومتعاطفة مع الثائرين عليه وراغبة من أعماق القلب في رؤيته منهاراً، وان على أيدي تنظيمات تتخذ الاسلام الأصولي ذريعة لممارسة الارهاب. لكن تأثير مشاعر الانزعاج والقلق والخوف عليها ليس بالحجم نفسه.
فالدول غير المجاورة لسوريا كالمملكة العربية السعودية والأردن تتأثر بالانخراط المذكور أعلاه أقل من الدول المجاورة له وفي مقدمها تركيا رجب طيب أردوغان التي لم تخفِ كرهها للنظام المشار اليه ورغبتها في تنحِّي سيِّده، ولم تترك طريقاً الاّ وسلكتها من أجل دفعه الى اتخاذ قرار بذلك. فتركيا هذه يخوض رئيسها، و”حزب العدالة والتنمية” الاسلامي الذي أسسه والذي يحكمها منذ نحو 12 سنة، معركة انتخابات نيابية شرسة بعد أشهر قليلة من الانتخابات السابقة، التي لم يحصل فيها على ثلثي عدد النواب ولا على غالبيتهم المطلقة. ويخوض في الوقت نفسه حرباً شرسة على “حزب العمال الكردستاني” التركي تكاد أن تتحوَّل حرباً أهلية طاحنة، ويستعملها في الوقت نفسه ضد “حزب الشعوب الديموقراطي” الكردي في الانتخابات المذكورة. وهدفه الوحيد هو خفض تمثيله النيابي إذا لم يتمكن من إلغائه في حال عدم حصوله على النسبة المئوية من الأصوات المحدَّدة قانوناً للحصول على تمثيل. وهو يخوض ثالثاً حرباً معلنة ضد الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه، كما أنه لم يوفِّر وسيلة تمكِّنه من التخلُّص منهما باستثناء العمل العسكري المباشر.
أما غير المباشر فقد مارسه في حرية مطلقة مع جهات اقليمية أخرى. انطلاقاً من ذلك كله يتساءل كثيرون في المنطقة اذا كان الانخراط العسكري المباشر لروسيا في سوريا سيتسبَّب بخسارة أردوغان وحزبه للانتخابات النيابية (أي بعدم نيل الحزب الغالبية المطلقة في مجلس النواب على الأقل)، أو اذا كان سيستدرج تركيا “العدالة والتنمية” الى عمل عسكري مباشر في سوريا ضد الأسد أو ضد طيرانها وقوتها البرية الموجودة على الأرض السورية، وان بأعداد قليلة حتى الآن، أو اذا كان سيفاقم حرب الدولة التركية على الأكراد ويحوِّلها حرباً أهلية.
هل من أجوبة عن تساؤلات كهذه وعن أخرى كثيرة غيرها؟
يعطي اسلاميون قريبون من أنقره “حزب العدالة والتنمية” الاسلامي أجوبة تنمّ عن اطمئنان لقدرة أردوغان على اجتياز الامتحانات الصعبة التي يخوض حالياً. فيقولون إنه قرَّر، ومنذ نحو ثلاثة أشهر، أن “يروق” أي يهدأ، وأن يعمل بعقل وحكمة بغية الفوز في الانتخابات. ذلك أنه يدرك أن بلاده تستضيف نحو مليوني لاجىء سوري فُتحت أبواب العمل أمامهم، وكلّفوها حتى الآن سبعة مليارات دولار. وهذا أمر أثار تذمراً شعبياً تركياً جرّاء المنافسة في الأعمال على تنوُّعها مشابهاً للتذمُّر الذي يشعر به اللبنانيون. ويعرف أنه قرّر ضرب “حزب الشعوب الديموقراطي” الكردي في الانتخابات بطريقة “ديموقراطية”. وانطلاقاً من ذلك فإنه يُجري حساباته بدقة، وذلك من أجل مواجهة آثار الانخراط العسكري الروسي في سوريا. وفي اطار هذه المواجهة يرجِّح الاسلاميون أنفسهم أن يتابع سلوكه العملي والفعلي حيال التنظيمات التي تقاتل الأسد، والتي تتدفق على سوريا من الحدود التركية.
ويعني ذلك عدم التعرُّض لـ”داعش” التي لا علاقة له بـ”خلقها” وتحسين العلاقة مع “جبهة النصرة” وكانت سابقاً نصف علاقة، وذلك يتم بفتح الباب أمامها للعودة الى مناطق سورية حدودية مع تركيا كانت أخلتها بناء لطلبه. ويعني أيضاً دعم “الجيش السوري الحر” أو ما تبقى منه وتعزيزه من المليونين من اللاجئين السوريين الى تركيا، وارساله الى سوريا. وبذلك تتعزَّز الجبهات العسكرية المفتوحة على الأسد وتصمد، على رغم الضربات الجوية الروسية. ويعني أخيراً احتمال اقدام أردوغان على حماية المنطقة الآمنة (التركية) داخل سوريا بطيرانه الحربي، على رغم وجود الطيران الحربي الروسي في أجوائها.
طبعاً قد تكون أجوبة الاسلاميين متفائلة أكثر من اللازم. ذلك أنها تثير أسئلة أخرى من نوع: هل تقبل أميركا سياسة هجومية تركية في سوريا وعلى روسيا وهي التي يفترض أن تحمي تركيا؟ وهل يقبل حلف شمال الأطلسي ذلك أيضاً؟ وهل تنشب حرب عالمية بالوكالة انطلاقاً من سوريا؟
سركيس نعوم – الحياة[ads3]