السود في ألمانيا .. عائق اللون يضاعف صعوبة تقبلهم كلاجئين
حادثتني جارتي المسنة، البالغة من العمر الثمانين، عن قصة حب ابنتها، فقد وصلها الخبر، من خلال إحدى الصديقات، التي همست في أذن الزوج قائلة: «ابنتك تخرج مع أسود»، فأكفهرت ملامحه وانتابه غضب شديد، وفق ما تروي الجدة التي وعدته، بأن تحل المعضلة وتعرف حقيقة القصة، مقابل عدم فتحه الموضوع مع الابنة وخلق مشكلة قد تكون عواقبها كارثية. تقول الجدة، سألت أبنتي فأجابتني: أن شاربيه أسودان وكذلك عيناه فقط!! تضحك المسنة وتضيف «أنه أسمر وليس أسود، فرق كبير، ولكنا نحن الألمان اعتدنا أن نقول أسود، للإشارة الى كل من ليس أشقر. هذا كان قديماً، أخبرت زوجي بذلك، فتنفس الصعداء عندما عرف أنه من مقدونيا ليس إلا.
بين قصة جارتي بياتا وسيغلندا الصحافية البالغة من العمر ٣٤ سنة، جيل أو جيلان، سيغلندا التي تركت ألمانيا وعملت بين عامي ٢٠٠٨ و٢٠١٠ في مالي، تزوجت أفريقياً وأنجبت أيضاً صغيراً أفريقياً، لا تخشى أن تعبر عما يفكر به الألمان تجاه السود، على مسمع من ابنها، الذي لم يتجاوز الثلاث سنوات، فيستمع هو بدوره ويعلق ويضحك وأحياناً يكرّر ما تقوله أمه. فهي حتى الآن لم تعانِ من نظرة المجتمع الى ابنها الأسود، لم يشر أحد إلى لونه في الروضة، ولكن الاحتمال يبقى قائماً. في القديم كان الأولاد في ألمانيا وفق ما تقول سيغليندا يلعبون، ويصرخون من منكم يريد أن يكون الرجل المخيف، فيجيب أحدهم من منكم هو الرجل الأسود؟. تضيف سيغليندا «خلال عملي هناك في مالي، لامست آلام هذا الشعب بطريقة مختلفة، لا يمكن لي أن أنظر الآن إلى الأفارقة بهذا الشكل، عملت لسنوات مع اللاجئين الأفارقة هنا، ورغبة مني في معرفة المزيد عنهم، سافرت أليهم، همهم قوت يومهم بكل معنى الكلمة، وأهم مشكلة تواجهنا لإقناعهم بعدم الهجرة غير الشرعية الى أوروبا، ومحاولة توطينهم في بلدانهم من خلال برامج إنمائية، هي الصورة التي يتبنونها عن ألمانيا، فكانوا يقولون لي مثلاً، نعمل أي شيء، حارس مبنى، خادماً، أو جليساً مع الأطفال، المهم أن نصل الى ألمانيا، ولكن هذا النوع من المهن التي تأخذ معنى الخدم، ليست موجودة في ألمانيا، ليس لدينا حارس للبناء، ولدينا روضات أطفال لا تحتاج الى جليس، يدهشون عندما أحاول شرح ذلك ويسألون ماذا تعني رياض أطفال؟».
تجارب الأمهات الألمانيات
تعلّق الممرضة شتيفاني مولر، التي عملت وقتاً طويلاً في جنوب أفريقيا وتزوجت هناك، وأنجبت أيضاً طفلين، إن كل شيء مختلف، المستشفيات، نظام التعليم، الشوارع، وتضيف: «أقدّر حجم التحديات التي تواجه الآفارقة هنا في ألمانيا، فمعظمهم يأتون من دول تفتقر إلى الخدمات الأساسية والمبادئ الأولى للرعاية الصحية، يتوهون هنا في الشوارع، في نظام النقل والقطارات، وكلها أشياء جديدة كل الجدة عليهم، ولكني لا أبرّر نظرة مجتمعنا إليهم فعندما كان أولادي أطفالاً صغاراً، كان الجميع يسألني، هل يستطيعون تحدّث الألمانية، فأجيبهم إنهم ألمان، فمن حق المرأة الألمانية منح الجنسية إلى أبنائها، فيندهشون، رغم معرفتهم بهذا القانون، دهشة نابعة من أن أسود وألماني يطرحان صورتين متناقضتين، وحتى الآن يتعرّض آبنائي إلى العديد من المواقف المحرجة، ويتغيّر تعامل أصحاب المحال مثلاً معهم عندما أكون برفقتهم، خلال جولات التسوّق. السيدة ستيفاني الشقراء، تؤكد أن وجودها معهم، يمنحهم الكثير من الثقة ولكن يؤلمها من جهة أخرى.
ماريا أم لطفل أفريقي أيضاً، تضيف ضاحكة أصبح لدينا في ألمانيا تعصباً إيجابياً، فكثيراً ما أتلقى مجاملة من نوع، طفل أسود صغير، ما أجمله! أو كم أحب اللون الأسود والعيون السوداء، أنه زنجي ولكن يبدو رائعاً، حتى الملاطفات تحمل صور تعصّب.
بيئتان مختلفتان وعقليتان أيضاً
تؤكد الصحافية سيغليندا أن معاناة الأفارقة تشبه معاناة جميع المهاجرين. تعلّم اللغة وإيجاد عمل مناسب، وتعلّم نظام الحياة وطبيعة الحياة هنا، وتؤكد رغبة أكثر الأفارقة في الهجرة إلى فرنسا، لأنهم يتكلمون الفرنسية، فلا تقف اللغة حاجزاً أمامهم، وتوضح أن النظام في ألمانيا صارم ودقيق، فقد تعلّم الأوروبيون الشماليون أن الحياة لا يمكن أن تستقيم ولا يمكن إحراز النجاح إلا بكل هذا القدر من الانضباط، وفق سيغليندا وهذا يبدو أمراً صعباً.
ماذا يقول الأفارقة عن حياتهم هنا؟
«الألمان باردون، لا تعنيهم العلاقات الإنسانية، عمل عمل عمل، لا وقت لديهم للهو، للتسلية»، هكذا يرى الأفارقة المجتمع الألماني، في حين يرى الألمان أن التزامهم العمل وقدرتهم الاقتصادية هي التي مكّنتهم من استضافة هذا الكم من اللاجئين، وتقدمة كل ما يحتاجونه من رواتب وضمان صحي، فكل ما يحصل عليه أي لاجيء في ألمانيا هو من دافعي الضرائب وليس من مال السياسيين».
يقول مو كما يرغب أن يسمي نفسه، لا أشعر بالحرية في ألمانيا، كل ما أفعله مستهجن، الألمان يرسمون حدود الحرية للآخر، بينما هم يعيشون أحراراً كما يرغبون. الحرية حكراً لهم، عشت في أميركا وقتاً من الزمن، كنت فعلاً حراً. يضيف آخر: يطلب مني رجل الشرطة فتح حقيبتي، جواربي، التأكد من أني لا أملك مخدرات أو ما شابه، والحجة أن لهم تاريخاً طويلاً مع الغرباء الذين يهرّبون مثل هذه المواد، ويضيف تزوجت امرأة ألمانية، وأنجبنا طفلاً، لم أكن أعرف من قبل أني لن أحرم في حال طلاقنا من حضانة الطفل، فالحضانة حصراً للأم في ألمانيا، بخاصة إذا كان الأب غير قادر على تأمين متطلباته الأساسية، كنت أتمنى اصطحابه إلى بلدي، ليتعرّف إلى جذوره، أفريقيا هناك جذوره، حتى لو كبر ونما في ألمانيا، ولكن الأمر الآن مستحيل، فهو مع طليقتي.
مشكلة الأفارقة في ألمانيا، هي الحصول على فرصة عمل، حيث يرى كثر أن السبب الرئيس لعدم حصولهم على عمل هو لونهم، بينما يبرّر الألمان الأمر بأن مستوى الكفاءة لدى الأفارقة منخفض جداً بالمقارنة بكفاءة العامل الألماني، ما يجعل فرصته ضئيلة للغاية.
من جهة أخرى، يحاول كثيرون التعريف بمجتمعهم الأفريقي وإيجاد فرصة عمل خاصة بهم تساعدهم على توفير المال والاندماج وإيجاد الأصدقاء، من خلال تعليم الرقص الذي يلقى رواجاً كبيراً بين الجمهور الألماني، وكذلك إحياء حفلات لموسيقى الراب. وفي هذا الصدد يقول معلم الرقص الذي يطلق على نفسه اسم سيبو: « الأمر مختلف قليلاً في المدن الكبرى، حيث يوجد خليط كبير من كا الجنسيات وجيل الشباب الحديث، يرغب في الانفتاح على الحضارات والشعوب الأخرى وتعلّم فنونها، الأمر ليس على هذا النحو في المدن الصغيرة التي غالبية قاطنيها من المسنين».
الشعور بالوحدة أكبر هموم الأفريقي ويسبق همه المادي. تقول سيدة أفريقية «نحن في أفريقيا فقراء، ولكن نعيش في جو من الدعم الأسري والقبلي، عندما تحدث مشكلة، تعمد القبيلة إلى حلها والنقاش حولها، أما هنا، الجميع يلجأ إلى القانون، حتى في فضّ النزاعات الأسرية».
للسياسيين آراء أخرى
تختلف آراء السياسيين في ألمانيا بين حزب وآخر، تجاه قضايا المهاجرين بصورة عامة، والملونين بصورة خاصة، بين داعم ورافض لتدفق المزيد منهم. كرسيتينا ليدا، عضوة سابقة في البرلمان الألماني، وحالياً ممثلة لحزب الس بي دي في برلمان المدينة، قالت لـ «الحياة» :»نعم يوجد وضع إشكالي بالنسبة إلى المهاجرين بصورة عامة، والمهاجرين الملوّنين بصورة خاصة. توجد شريحة من السياسيين والناس الألمان الذين ينظرون إلى المهاجرين الأفارقة بصورة إيجابية، وبتقديري يشكلون فقط ثلث المجتمع الألماني، أما المنتمين الى حزب NPD فهم طبعاً ليس فقط لا ينظرون إلى المهاجرين بصورة إيجابية بل ينتهجون سياسات تحارب تدفقهم إلى المجتمع الألماني، وظلت سياسة ألمانيا تفتقد خطة اندماج واضحة للمهاجرين إلى وقت قريب، وفي عهد الحزب الديموقراطي الاشتراكي SPD وحزب الخضر (١٩٩٨-٢٠٠٥) وضعت للمرة الأولى سياسة واضحة لرعاية الاندماج والهجرة، وكان ولا زال شرط إتقان اللغة الألمانية أهم قواعدها، وأنا أتوافق مع هذا الرأي ولكن ليس إتقان اللغة الألمانية، كافياً للاندماج، يجب أن يشعر الآفارقة المهاجرون أن ألمانيا فعلاًٍ وطناً لهم، وهذا يتطلب عملاً دؤوباً من الجانبين، المهاجرين والألمان».
من جهة أخرى يرى سيبستيان هاوتش وهو عضو منتخب في برلمان مقاطعة تورنغن، ينتمي إلى حزب الخضر «أن الخوف من الآخر هو صلب المشكلة، نعم المجتمع الألماني يعاني من كراهية الأجانب فعلى سبيل المثال، مدينة مثل سالفيلد وردل شتات، يشكل المنتخبون من حزب النازيين الجدد ٧ في المئة منها وهم معروفون بمعاداتهم للأجانب، في حين أن نسبة الأجانب لا تتجاوز الواحد في المئة في هذه المدينة. إنه خوف أنشأته وسائل الإعلام، فكثير ممن يخافون من الأجانب ليست لديهم أي تجربة سيئة معهم، إضافة إلى أن هناك فروقاً في النظرة إلى الآجانب، فالقادم من آسيا ليس كالقادم من أفريقيا، حيث نسبة التعليم منخفضة وبالتالي التحصيل العلمي منخفض». ويؤكد هاوتش أن المشكلة تكمن في جهل الآخر ويضرب مثالاً آخر، فيقول: «هؤلاء الذين يكنّون الكره للمسلمين يعتقدون، بأن الإسلام سيدمّر المجتمع الغربي، ولكن في الحقيقة يجهلون مدى التقارب في كل الأديان السماوية، القادمة كلها بالأصل من الشرق، هناك اختلاف ثقافي نعم بين المرأة في الشرق والمرأة في ألمانيا، ولكن أنا بصفتي أنتمي إلى حزب الخضر، أرى أن التنوّع الثقافي في ألمانيا، أمر مهم للغاية. والذين يأتون من أفريقيا، يأتون من بلاد فيها حروب وفقر، علينا دعمهم».
التلفزيون في ألمانيا، لم يعمد الى تصوير الأفريقي على أنه الشرطي الفاضل ولا القديس النبيل، كما في الأفلام الهوليودية، ففي فيلم «الجدة» الذي عرض مؤخراً في ألمانيا، طفل من أصول أفريقية يسأل جدته، لماذا لا تحبيني يا جدتي؟ فتجيب: لأنك أسود. ويعمد الفيلم الى تقديم صورة الجدة بطريقة مضحكة وغريبة ومثيرة للسخرية، فلا يضخم صورة الأفريقي، بل يحجّم ويسخر من حالة الجّدة الألمانية.
يارا وهبي – الحياة[ads3]