فرنسا : اللاجئون في كاليه مقبلون على شتاء صعب في ” الغابة “

 
في مخيم كاليه الذي تفوح منه روائح البراز واحتراق المخلفات البلاستيكية فتطغى على هواء البحر المنعش يقوم رجل يرتدي ملابس واقية من المطر بتشغيل دراجة واقفة لإدارة مولد كهرباء من أجل شحن هاتف محمول.

ومن بين 700 ألف شخص وصلوا إلى أوروبا هذا العام وهم يتطلعون للعيش في سلام وهناء لكنهم لا يملكون الأوراق اللازمة للبقاء يعيش ستة آلاف في منطقة التلال الرملية على الساحل الشمالي الغربي لفرنسا أملا في الوصول إلى بريطانيا.

وربما كان هؤلاء أكثر المهاجرين تصميما وأوسعهم حيلة.

لكن مجرد العيش في جو دافيء وبصحة جيدة والحفاظ على التواصل مع الأحباب يمثل تحديا مع اشتداد برد الشتاء على المقيمين في الخيام والأكواخ.

ويضم المخيم أسرا وأطفالا ومعاقين وبعض من يحاولون كسب الرزق في المنطقة التي أصبحت معروفة باسم “الغابة”. ولا يجرب الكل حظهم بمحاولة فتح ثغرة في الأسيجة أو القفز على الشاحنات أو القطارات أو محاولة السير عبر النفق الذي يمر تحت مياه البحر وصولا الى بريطانيا.

ويقول بروا العراقي ذو السبعة عشر عاما القادم من كركوك والموجود في الغابة منذ أربعة أشهر إنه الوحيد من بين أفراد أسرته الذي يحاول الذهاب إلى بريطانيا كل ليلة.

وفي خيمته يعيش والداه وشقيقته وزوجها ورضيعة عمرها عام واحد اسمها علية.

يقول بروا “نستخدم الغاز لتدفئة الخيمة والكل يريد أن يبقى داخلها. البنت تظل دائما تحت البطاطين وكيس النوم.”

أما خازن (27 عاما) الذي هرب من كركوك في العراق في سبتمبر ايلول الماضي فهو كفيف البصر ويتنقل بمساعدة أصدقائه.

ويقول خازن “كثيرون يصابون بالبرد. ونحن نلبس ملابس ثقيلة. عندنا مدفأة نحرق فيها الخشب والبلاستيك أيضا… لكن هذا ليس صحيا كما تعلم.”

ويحاول المقيمون في المخيم الوصول إلى بريطانيا العضو في الاتحاد الاوروبي لكنها ليست عضوا في اتفاقية شينجن التي تتيح التنقل الحر عبر حدود الدول الاوروبية الاعضاء. وهم يعتقدون أنهم سيجدون فيها حياة أفضل مقارنة بدول الاتحاد الاوروبي الأخرى.

وحلت بيوت متنقلة تبرع بها بعض المتعاطفين مع سكان المخيم من أهل المنطقة محل الخيام. وتعيش أسرة عراقية لديها طفلان في الخامسة والسادسة من العمر في واحد من هذه البيوت المتنقلة. ويقول سكان إن المخيم به الآن خمسة مساجد وثلاث كنائس. وشاهد مراسل لرويترز عملية بناء مسجد خشبي ليحل محل مسجد أقيم باستخدام قماش الخيام. كما ظهرت أيضا متاجر مؤقتة.

وتنامت علامات الدوام هذه منذ الصيف لكن التوترات تنامت أيضا مع تزايد الأعداد.

ولم يشأ الرجل الذي كان يدير الدراجة لشحن الهاتف اجراء حوار معه أو تصويره. وكتب على لافتة على أحد المتاجر القريبة “ممنوع التصوير”.

ورفض الباكستاني عزيز خان (42 عاما) أن يفسر سبب تعليق لافتة “فندق” على الخيمة التي يقيم فيها.

ويقول متطوعون إن اشتداد البرد وتشديد الأمن زاد التوتر في المخيم. وعلى هذه الشاكلة أصبحت العلاقات بين مختلف الجنسيات التي جمعت بينها محنتها المشتركة.

ويقول محمد (27 عاما) القادم من السودان ويعيش في الغابة منذ أربعة أشهر “السودان ضد أفغانستان معركة دائرة. كل الأمور التافهة أحيانا. لأنني لا أفهم ما تقول وهو لا يفهم ما تقول.”

ويمثل السودانيون أكبر جنسية في المخيم وفقا لما يقوله العاملون في مجال الإغاثة والمساعدات. ويقول متطوعون إن الأفغان يديرون الكثير من المتاجر التي تباع فيها المشروبات وبطاقات الهواتف المحمولة والأمواس.

* رحلة قاتلة

وتتواصل المحاولات المحفوفة بالمخاطر للركوب فوق أسطح السيارات والقطارات أو السير عبر نفق القنال الانجليزي إلى بريطانيا رغم تشديد إجراءات الأمن ورغم أن 16 شخصا لقوا حتفهم في هذه المحاولات منذ يونيو حزيران الماضي.

ويقول ديار (24 عاما) العراقي الذي هرب من تنظيم الدولة الاسلامية في الموصل “خلال الليل نحاول ركوب الشاحنات والقطارات وكل شيء.”

أما الباكستاني خان فيقول إنه وصل إلى الغابة قبل نحو شهرين بعد أن أمضى عامين مسافرا عبر ايران وتركيا وبلغاريا وصربيا والمجر والنمسا وايطاليا ثم فرنسا.

وقال إنه كان يعمل مهندسا جويا وخدم في سلاح الجو الباكستاني لمدة 18 عاما. وعلى قدميه بدت آثار الرضوض والكدمات.

وأضاف “كنت أعبر السياج للذهاب إلى القطار. فعلينا أن نعبر السياج ونختبيء من الشرطة. بعض الناس تنكسر أرجلهم أو أذرعهم.”

وتقول كلودين أندريه التي تدير موقعا لمنظمة أطباء بلا حدود في المخيم إن الإصابات بالكسور والتمزق العضلي وغيرها من الجروح من بين 90 إلى 100 حالة يعالجها فريقها يوميا إلى جانب حالات عدوى الجهاز التنفسي والجرب بسبب الأوضاع غير الصحية التي يعيش فيها المهاجرون.

وتضيف “الاحتياج الطبي سيتزايد لأن المرضى سيصابون بالبرد. ربما تحدث حالات إلتهاب رئوي. نحن نحاول تحسين الظروف الصحية من خلال جمع القمامة لكن الحاجة ستتزايد. ولابد من إعادة النظر في الأمر. فأعداد الخيام في تزايد.”

وأعلنت فرنسا خططا في أغسطس آب الماضي لبناء ملاجيء أفضل لعدد 1500 مهاجر وكان ذلك قبل أن يتضاعف العدد الرسمي لسكان المخيم إلى ستة آلاف.

وتقول فابيان بوتشيو رئيسة الإدارة المحلية في كاليه إن هذه الملاجيء ستأخذ شكل حاويات الشحن المستخدمة لأن الطبيعة الرملية للمنطقة لا تقبل إقامة أساسات تقليدية. وفي حالة وجود موجة برد قالت إنها تستطيع استغلال قاعة للألعاب الرياضية أو مبنى آخر.

ومهاجرو كاليه مجموعة صغيرة وسط الطوفان البشري الباحث عن مأوى يقيه شرور الحرب والفقر ويدخل أغلبه الاتحاد الأوروبي من حدوده الشرقية والجنوبية بينما يقبع آخرون في مخيمات خارج حدود الاتحاد.

لكن مخيم كاليه أصبح محور اهتمام فرنسا وبريطانيا حيث تساعد المخاوف من أن يستهلك المهاجرون موارد عامة ويطغون على الثقافة المحلية في نمو شعبية الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة.

وفي الأسبوع الماضي أظهر استطلاع للرأي أن مارين لو بان زعيمة حزب الجبهة الوطنية الذي يمثل تيار أقصى اليمين في فرنسا ستفوز بسهولة برئاسة منطقة كاليه في الانتخابات الاقليمية التي تجري في ديسمبر كانون الأول.

وفي بريطانيا تمثل الهجرة قضية رئيسية في استفتاء على البقاء في الاتحاد الاوروبي أو الانسحاب منه من المقرر إجراؤه قبل نهاية عام 2017.

وامتنعت الحكومتان الفرنسية والبريطانية عن اتخاذ أي إجراء من شأنه أن يشجع المزيد من المهاجرين على التوجه إلى كاليه. ومع ذلك تعرضت الأوضاع في المخيم للانتقاد في البلدين باعتبارها غير انسانية.

وقال مقال افتتاحي في صحيفة لوموند يوم الأحد “هذا الوضع لا يليق ببلد مثل فرنسا. وهو لا يليق بالقدر نفسه ببلد مثل المملكة المتحدة ولا بتكتل مثل الاتحاد الاوروبي.”

ويوم السبت ألقيت قذائف على الشرطة خارج المحطة التي تمثل نهاية خط القطارات القادمة من فرنسا في شارع كينجز كروس في لندن خلال احتجاج نظم لتسليط الضوء على محنة المهاجرين.

وفي الغابة يقول العراقي بروا إن له عما يملك متجرا للبقالة في ليفربول.

والروابط الأسرية من بين الأسباب التي تدفع المهاجرين لمحاولة الوصول إلى بريطانيا. ومن الأسباب أيضا اعتقاد أن العثور على عمل أسهل في بريطانيا منه في بقية دول أوروبا.

وقال ديار “مازال هدفي انجلترا. فأنا أتحدث الانجليزية لذلك يمكنني أن أروي حكايتي. الناس بحاجة لتفهم أننا لسنا هنا لغزو أي بلد. بل لكي نحيا.” (رويترز)[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها