بعد ضربات الاحتال الروسي .. نازحون سوريون جدد يهرعون بحثاً عن مأوى
تزاحمت الأسرة وسط غرباء في خيمة صغيرة متهاوية في سوريا قرب الحدود مع تركيا.. لكن محمد موسى أمضى الليل خارج الخيمة وسط الأوحال التي خلفها المطر المنهمر.
قبل أسبوع واحد فر موسى (24 عاما) وزوجته وابنه وأبواه وأخوته من دارهم بمحافظة حلب الجنوبية لا يملكون غير ملابسهم التي حملوها على ظهورهم بعد أن قصفت الطائرات الحربية الروسية وطائرات الهليكوبتر التابعة لقوات الأسد قريتهم في غارات لم يروا مثل شدتها طيلة سنوات الصراع الأربع.
ومن مخيم للنازحين بمحافظة إدلب وصف موسى خلال مقابلة أجرتها رويترز عبر الإنترنت الظروف التي مر بها. وقام عامل إغاثة سوري بإرسال صور وتسجيلات فيديو من المخيم.
انضمت أسرة موسى إلى 120 ألف سوري تقول الأمم المتحدة إنهم نزحوا عن ديارهم خلال أربعة أسابيع بدأت حين انضمت القوات الجوية الروسية للحرب إلى جانب بشار الأسد.
وفرت الضربات الروسية غطاء للحملات البرية التي تقوم بها قوات الأسد وحلفاؤه بمن فيهم مقاتلو جماعة حزب الله اللبنانية ووحدات إيرانية وأصابت في معظمها معارضين مسلحين منهم من ينتمي لفصائل مدعومة من الخارج في غرب البلاد وشمال غربها.
والأوضاع المزرية التي استجدت على حياة موسى وأسرته حيث يفترشون مشمعاً خفيفاً على أرض سبخة في مخيم رث في العراء تظهر كيف أن المدنيين هم أكثر من يدفعون الثمن.
قال موسى “لا نملك شيئا .. لا نملك مقومات الحياة.”
أسرته المكونة من تسعة أفراد فرت من قرية كفر عبيد إلى الجنوب من محافظة حلب المجاورة -وهي منطقة تسيطر عليها المعارضة – وهي تتشارك في الخيمة مع 15 شخصا آخر. وفي المساء يفترش الرجال السماء خارج الخيمة ليفسحوا المكان داخلها للنساء والأطفال.
قال موسى “الوضع صعب جدا. لا توجد خيام كافية ونقيم في العراء. المطر كثيف ونخيم في الوحل.”
وبصوت منهك ويائس قال “لا نعرف أين نذهب. سنبقى هنا طوال الشتاء على الأرجح. لا نعرف إن كنا سنحاول التوجه لتركيا أو أوروبا أو غيرهما. أنا فعلا لا أعرف. مازلت لا أعرف.”
والمكان يحوي عددا من الخيام يؤوي سوريين نزحوا عن ديارهم خلال مراحل سابقة من الصراع. وقال عامل إغاثة إن مئات يقيمون بها والأعداد تتزايد كل يوم.
* مستوى جديد من القصف العنيف
تقول الأمم المتحدة إن الهجمات الجديدة تسببت في نزوح 120 ألف سوري على الأقل في حلب وإدلب وحماة خلال شهر أكتوبر تشرين الأول وحده لينضموا إلى ما يزيد بوضوح عن ستة ملايين سوري باتوا بلا مأوى داخل بلادهم.
وفر أكثر من أربعة ملايين آخرين إلى الخارج معظمهم إلى دول مجاورة بينما يتوافد مئات الآلاف على أوروبا.
ويقول عمال إغاثة وسكان إن التدخل الروسي الذي بدأ في 30 سبتمبر أيلول جلب معه قصفا من أعنف أنواع القصف منذ بدء الصراع.
وقال فادي الديري من جماعة (يدا بيد لنبني سوريا) التي يقع مقرها في بريطانيا وتنقل مساعدات إغاثة داخل سوريا “هناك قصف عنيف عشوائي من جانب الروس والقنابل التي يستخدمونها مختلفة تماما. إنه أشبه بالقصف الشامل.”
وقال في اتصال تليفوني من تركيا “الناس لا يعرفون الاستراتيجية الروسية هنا لهذا يتحركون الآن في مختلف الاتجاهات… هم لا يعرفون أي طريق يسلكون.. جنوبا.. شمالا .. شرقا… المدنيون ليست عندهم أدنى فكرة عما ينبغي أن يفعلوه.”
ونفت روسيا تقارير ذكرت أن قصفها تسبب في خسائر بشرية بين المدنيين. وتقول وزارة الدفاع إنها تتبع سياسة صارمة تتمثل في عدم توجيه ضربات جوية إطلاقا في المناطق المأهولة بالسكان. كما تقول إنها تبذل جهودا قاسية لاختيار الأهداف الصحيحة ولا تعطي أوامر بالمضي في توجيه ضربات إلا حين تتلقى معلومات مؤكدة تفيد بوجود متشددين.
وقالت ماريا زخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية في إفادة صحفية في موسكو يوم الخميس “المواقع المدنية ليست بأي حال أهدافا للعملية العسكرية الروسية.”
وشكلت الزيادة الحادة في أعداد النازحين ضغوطا على هيئات الإغاثة التي تبذل جهودا لتوفير خيام على الوافدين الجدد. وقال الديري “هذا يتجاوز الإمكانات كثيرا… وكالات الإغاثة مضغوطة بقوة. معظمها لا يملك خياما… لا تتوافر في تركيا خيام يمكن شراؤها في الوقت الحالي.”
وقال موسى إن نطاق الضربات الروسية أحدث صدمة بين السكان في قريته والقرى المحيطة.
وأضاف “فوجئنا بشدة القصف… النظام (السوري) ضرب مناطقنا من قبل لكن الضرب كان أقل كثيرا مما يحدث الآن. كانت طائرة أو هليكوبتر تجيء كل بضعة أيام .. تقصف ثم تعود. لكن هناك الآن قصفا عنيفا من جانب الطائرات الروسية والبراميل المتفجرة التي تسقطها طائرات الهليكوبتر (السورية)… أحيانا تكون هناك عشر طائرات تضرب في نفس الوقت.”
وقالت روسيا الأسبوع الماضي إنها نفذت 934 طلعة جوية ودمرت 819 هدفا للمتشددين في سوريا.
وتحدثت الأمم المتحدة عن وفاة ثلاثة أطفال على الأقل هذا الشهر نتيجة سقوط قنابل عنقودية. ونفت موسكو تقارير أمريكية بأنها تستخدم في مناطق سكنية هذه القنابل التي تنثر قنابل أصغر على منطقة واسعة ويمكن أن تشكل خطرا بعد فترة من الهجوم نتيجة وجود قنابل صغيرة لم تنفجر.
وقال موسى “الطائرات تضرب بقنابل عنقودية. وعندما يعود السكان إلى المنطقة بعد الانفجارات تكون هناك قنابل لم تنفجر منثورة على مساحة تغطي حوالي 100 متر مربع.”
* لا ملاذ ولا مهرب
تقول الأمم المتحدة إن الضربات أصابت مستشفيات ولم تحمل أحدا بعينه المسؤولية.
وقال ناشط موال للمعارضة في محافظة حلب إن مستشفيين بالمنطقة التي فرت منها أسرة موسى أصيبا.
وبدون ذكر أرقام قال يامن خطيب “استهدفت الضربات الجوية اثنين من المستشفيات الميدانية الرئيسية في الريف الجنوبي. كانت هناك بعض الإصابات… توفي أصحابها جميعا.” وأضاف “تدميرهما حرم المنطقة من أي منشآت طبية.”
وأحصت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أكثر من 100 مدني قتلوا في أول أسبوعين من الحملة الروسية.
ومن المتوقع ارتفاع عدد الضحايا مع احتدام القتال وبخاصة في حلب حيث تتواصل الهجمات المدعومة بغطاء جوي روسي وحيث قطع القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية طريق إمداد رئيسيا.
قال موسى “الأسرة فقيرة. الحياة كانت صعبة حتى قبل أن نغادر. مع الحرب أنت لا تعرف متى ستسقط قتيلا… وازدادت الأمور سوءا بعد التدخل الروسي”.[ads3]