التصريحات الإيرانية الروسية حول سوريا.. تلاقي أم تضاد ؟

تصريحات روسيا وإيران في الآونة الأخيرة حيال الأزمة السورية وطرق معالجتها تثير الكثير من التساؤلات، لاسيما وأن البعض رأى فيها تباينا يعكس اختلاف رؤى موسكو عن طهران، بينما يرى البعض الآخر هذه التصريحات تحمل اختلافاً ظاهرياً يقتصر على لغة الدبلوماسية ومفراداتها، لكن هناك اتفاق مبطن من حيث المضمون.

يتبادر إلى الأذهان سريعا، تصريح وزير الخارجية الروسية سيرجي لافروف خلال شهر أغسطس عام 2013 الماضي، عندما قررت الولايات المتحدة الأمريكية شن عدوان على سوريا، وقتها قال لافروف: إن روسيا لن تدخل في حرب ضد أحد حال التدخل العسكري في سوريا، معربا عن معارضة روسيا لأي تدخل بدون قرار من مجلس الأمن الدولي، مشيراً إلى أن الدول الغربية لم تقدم أي أدلة بشأن استخدام  الجيش السوري للسلاح الكيميائي في سوريا.

وفي الموقف ذاته، كان هناك تصريح قائد فيلق القدس قاسم سليماني بشأن العدوان الأمريكي المحتمل على سوريا قال فيه: إن بلاد الشام هي معراجنا إلى السماء وستكون مقبرة الأمريكيين، مشدداً على أن أي جندي أمريكي ينزل من طائرته أو يغادر بارجته إلى سوريا عليه أن يحمل تابوته معه.

تصريح روسيا وإيران وقتها يبدو للبعض وكأنهما مختلفان في المضمون وليس الشكل فقط، خاصة وأن التصريح الإيراني شديد اللهجة وحاسم بكل تأكيد، بينما التصريح الروسي يحمل في ظاهرة طابع اللامبالي، وهو غير ذلك، بدليل أن الدفاعات الروسية أسقطت الصاروخين الباليستيين اللذين أطلقا في البحر المتوسط وتضاربت وقتها الأنباء عن مسؤولية وطبيعة وأهداف عملية الإطلاق بين أمريكا والكيان الصهيوني، حيث في ذلك الوقت أبلغت روسيا واشنطن أن ضرب دمشق يعني ضرب موسكو، وهو ما أدى إلى إرباك إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وتراجعه عن قراره والقبول بالمبادرة الروسية، وبالتالي الحرب الأمريكية المحتملة على سوريا بدأت وانتهت لحظة إطلاق الصاروخين الباليستيين اللذين بقيا محل تضارب في المعلومات بين نفي إسرائيلى وتأكيد روسي.

التصريحات السياسية سواء الإيرانية أو الروسية لم تكن بعيدة أبدا عن المناورات الدبلوماسية، خاصة في وقت الأزمات الكبيرة والعاصفة، وبما أن الطرفان شريكان في اللعبة السياسية وكل منهما يمسك بطرف الحبل في الأزمة السورية، فلا بد من أن يراعي كل منها شروط اللعبة التفاوضية فإذا شد طرف الحبل بقوة على الطرف الآخر أن يرخي.

تشدد روسيا دائما على ضرورة الحفاظ على سوريا كدولة مؤسسات بجيشها، وأن مصير الرئيس السوري يقرره الشعب السوري، وهو أمر لا يتناقض مع تصريحات إيران المتمسكة ببقاء الرئيس السوري في أي تسوية سياسية، مع الحفاظ على سوريا كدولة مؤسسات، لكن التناقض الظاهري في التصريحات نابع من خصوصية كل دولة ووضعها الدولي والإقليمي في المنطقة، فبروز روسيا في الآونة الأخيرة وسعيها لاستعادة ثنائية القطبية، يحتم عليها انتقاء مفردات تتناسب مع هذا الوضع، لاسيما وأنها تتعامل مع منظمات عالمية واتحادات وهيئات حقوقية وإنسانية وبالتالي يكون موقفها من سوريا مبني على أساس مؤسساتي وبعيداً كل البعد عن شخصنة الأزمة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى روسيا الآن طرف أصيل في دعوة أطراف الأزمة بسوريا سواء من الحكومة أو المعارضة إلى طاولة الحوار على عكس إيران، وبالتالي يتوجب على روسيا استخدام مفردات مبهمة ومطاطة تستطيع من خلالها خلق أرضية مشتركة بين الأطراف المتصارعة في سوريا.

الحديث خلال الفترة الراهنة بتخلي روسيا عن “الأسد” غير صحيح لأسباب عديدة، فالخلاف الظاهري بين إيران وروسيا في الأساس غير موجود، وليس هناك تباين في الموقف الإستراتيجي الروسي أو الإيراني حيال الأزمة السورية، بل تلاقي حتى وإن بدا ظاهريا مختلفا، لكنه لا يؤثر على الرؤية الإستراتيجية لطبيعة موقف موسكو وطهران من الأزمة السورية، خاصة وأن التدخل العسكري الروسي أصبح مباشرا في سوريا لدعم الجيش السوري والحفاظ على مؤسسات الدولة، كما أن روسيا بحاجة لتواجد عسكري على الأرض وهو ما يتوفر عبر إيران وحزب الله بجانب الجيش السوري، أضف إلى ذلك أن فكرة التخلي عن الرئيس بشار الأسد، خاصة في ظل الفترة الحالية التي تميل فيها الكفة لصالح الجيش السوري وتحقيقه إنجازات ميدانية كبيرة أمر غير مقبول منطقيا.

الحديث حول تخلي روسيا عن الأسد قد يكون من الممكن مناقشته أو القبول به في حال خسارة الجيش السوري للمعركة، أو أنه لا يتمتع بظهير شعبي، في وقتها من الممكن الحديث عنها كمخرج مشرف للرئيس الأسد، أما أن يتم طرح الأمر الآن، فهو من باب الترف الإعلامي لاستغلالها من قبل وسائل الإعلام المعادية لسوريا بما يخدم مصالحها وأهدافها فقط.

بعيدا عن كل ما سبق، فإن روسيا بحاجة إلى الأسد اليوم أكثر من أي وقت مضى، لأن دعمها لسوريا يحتاج إلى تواجد بري من قوات الجيش السوري، وهو ما يضمنه الرئيس السوري بشار الأسد كونه القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، كما أن الحديث عن التخلي عن سوريا وقائدها قد يسبب خلل في معنويات الجيش السوري وثباته بأرض المعركة، أضف إلى ذلك بأن روسيا ومع اقترابها من زعامة العالم كقطب ثاني تريد أن ترسل رسالة واضحة إلى جميع الدول، بأنها لا تتخلى عن حلفائها في المنطقة بسهولة وتدافع عنهم بكل قوة، على عكس النموذج الأمريكي الذي سرعان ما يتخلى عن حليفه، وهو ما يحتم عليها الثبات يف الرؤية والموقف الاستراتيجي من الأزمة السورية، بغض النظر عن المفرادات الدبلوماسية التي تستخدمها موسكو لأجل حلحلة الأزمة وتسويتها سياسيا.

خالد عبد المنعم – صحيفة البديل المصرية

[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

2 Comments

  1. نفس الكلام المكرر دائما عن موقف روسيا وإيران من سوريا وهو يتخلص بجملة واحدة : الاثنان تورطا في الحرب السورية والاثنان سيأكلان خرا نتيجة تورطهما وتماديهما في دعم الأهبلوف ولعدم تخلصهما منه في الوقت المناسب (ربما كان الوقت الأنسب لهما لفعل ذلك هو بعد تحرير إدلب) .