مرحلتان انتقاليتان لسوريا
صحيح أن البند الثامن من البنود التسعة لبيان اجتماع فيينا الجمعة الماضي نصّ على أن «سورية هي التي تملك وتقود العملية السياسية والشعب السوري هو من يحدّد مستقبل سورية»، إلا أن ممثلي الدول الـ17 التي حضرت الاجتماع، إضافة الى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، يدركون أن المرحلة الانتقالية التي نصّ عليها بيانهم تتطلب إدارة دولية لها.
فما معنى اجتماع هذا الحشد الدولي لو أن العملية السياسية ممكنة بين السوريين أنفسهم ولولا أن الصراعات الدولية والإقليمية جعلت من بلاد الشام ملعباً للصراعات المتعددة الخلفيات والنتائج؟
والنتيجة الرئيسة لاجتماع فيينا الأول هي تسليم الدول المشاركة بأن تحقيق الهدفين المتلازمين، اي محاربة الإرهاب والقضاء على «داعش»، وإرساء أسس الحل السياسي بإقامة نظام جديد يرتكز على تحقيق بعض مطالب المعارضة، يتطلب إدارة خارجية لعملية الانتقال الى تنفيذ الهدفين.
ثبت بعد التدخل الأميركي بالقصف الجوي إثر ظهور «داعش» قبل سنة ونصف السنة، وبعد الاندفاع الروسي الى التدخل الجوي الكثيف وصولاً الى إقامة قواعد جوية وتوسيع التواجد على الأراضي السورية، أن هذين التدخلين لم ولن يحققا أياً من أهداف مواجهة الإرهاب.
قبل اجتماع فيينا كانت واشنطن وموسكو «تديران» الاحتراب السوري الداخلي، والحرب بالإنابة التي تخوضها القوى الإقليمية على المسرح السوري. وبعد اجتماع فيينا، يمكن القول إنهما سلمتا بوجوب قيام إدارة دولية لهدفَي محاربة الإرهاب، وإرساء الحل السياسي، بعدما ساهم الاستخفاف الأميركي بأرواح السوريين على مدى 4 سنوات ونيف، وجموح الطموحات الروسية في النفوذ الإقليمي بإفشال المحاولات السابقة لإدارة الحل السوري، التي كان سعى إليها الموفد الدولي كوفي أنان عام 2012، ثم خلفه الأخضر الإبراهيمي عامي 2013 و2014.
فالمبادئ المطروحة للحل السياسي في فيينا، لا تختلف في الجوهر عما سبق أن طرحاه. لكن العامل الإضافي هو ظهور «داعش» وتوسعه، وعجز النظام السوري عن حسم الوضع الميداني لمصلحته على رغم المساعدة الإيرانية الضخمة والروسية الهائلة، اللتين لم تلغيا حقيقة أن الجيش السوري أصيب بالإنهاك، ومؤسسات النظام اتجهت الى التفكك والانهيار، هذا فضلاً عن تعاظم عامل آخر ضاغط هو فيض اللاجئين الى أوروبا.
يحتاج تشكيل الإدارة الدولية للمرحلة الانتقالية في سورية إضافة إلى التنازلات المتبادلة، الى إجماع دولي، تشكل الـ17 الحاضرة في فيينا نواة له، حتى يتبلور في صدور قرار جديد من مجلس الأمن يستند إلى مبادئ بيان جنيف – 1 عام 2012 الذي نصّ على قيام «هيئة الحكم الانتقالية الكاملة الصلاحية» والتي حال الفيتو الروسي والصيني دون تحقيق أقلّ منها، مثل وصول المساعدات الإنسانية إلى المحاصرين من السوريين، وإطلاق السجناء… الخ.
وإذا كانت حجة واشنطن في السنوات الماضية، لتبرير تلكؤها في السعي إلى وقف الحرب السورية، إما بتعديل ميزان القوى ميدانياً، أو بالإقبال على تسوية سياسية مع موسكو وطهران، نتيجة حؤول تحالفهما دون حصول إجماع دولي على هذا الحل، فإن حجة القيادة الروسية في تبرير تأخّر الحلّ السياسي، بالتدخلات الخارجية في سورية التي أدّت الى نمو الإرهاب سقطت هي الأخرى. فالإرهاب لم يخسر، بل ربح أكثر من تدخّل الآلة العسكرية الروسية، إذ لا تتوقف الإحصائيات الغربية عن التأكيد أن غارات الجيش الروسي تطاول ما نسبته 85 في المئة من المعارضة المعتدلة بدل «داعش»، بل إن مقاتلي الأخير حين نجحوا في الأسابيع الماضية في الاستيلاء على مناطق شمال سورية عادوا فانسحبوا منها وسلموها إلى جيش بشار الأسد.
ولوج المرحلة الانتقالية في سورية يحتاج إلى قرار مجلس الأمن بإرسال قوات دولية تكون الأداة الفاعلة لإدارة عملية الانتقال السياسي. فكيف يمكن تصوّر وجود معارضين في حكومة ائتلافية، أو حكومة وحدة وطنية في كنف قوات نظام الأسد والقوات الإيرانية الموجودة في دمشق ومحيطها، من دون أن يتعرّضوا لإرهاب النظام وحلفائه؟ وكيف يمكن تصوّر إجراء انتخابات نيابية ورئاسية يشارك فيها المقيمون والنازحون من دون حماية قوّات محايدة دوليّة؟ وكيف يمكن قوّات من هذا النوع أن تكون فاعلة بوجود إيراني مباشر مع الميليشيات الحليفة؟
المرحلة الانتقالية في سورية تحتاج إلى مرحلة انتقالية في علاقات الدول التي ستديرها.
وليد شقير – الحياة[ads3]