تطورات سوريا تغير أولويات ” حزب الله “

كان لافتاً دعوة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله إلى إنجاز تسوية جديدة تشمل رئيس الجمهورية وقانون الانتخاب والحكومة المقبلة ومن هو رئيسها، خصوصاً أن الطريقة التي تحدث بها نصرالله كانت تنطوي على جدية لا لبس فيها. اذ كان واضحاً بأن باب التسويات قد حان فتحه، لا سيما مع إصراره على فصل الوضع الداخلي عن الخارجي، ولم تكن الأولوية في الخطاب إلى الوضع السوري، بل إلى الوضع المحلي بشكل خاص، هي إشارات لا بد من التقاطها.

لا شك أنه لا يمكن للبنان أن يستمر على ما هو عليه، وصحيح أن إتجاه الأمور فيه ستقرأ من خلال التطورات السورية. وأيضاً قد تصح مسألة إنتظار الميدان السوري لمعرفة إلى أي جهة تميل دفة الميزان لبنانياً، لكن الجديد ان الأمين العام كان مهتماً بالشق اللبناني، داعياً إلى فصله عن كل التطورات الخارجية.

يمكن أن يكون حديث السيد عن فتح باب التسوية، له علاقة بما يجري دولياً حول الازمة السورية، لا سيما مع تعاظم الترجيحات حول البحث عن تسوية سياسية، وربطاً باللقاءات التي تعقد في فيينا، وما يسرّب عن بنود تسوية تقترحها روسيا تقوم على مبدأ إستفتاء الشعب السوري على دستور جديد، والتحضير لإنتخابات رئاسية مبكرة خلال فترة 18 شهراً، وهو ما يعتبر تراجعاً من قبل الحلف الداعم لرئيس النظام السوري بشار الأسد.

وإسقاطاً على الوضع في لبنان، فقد تظهر بعض المتغيرات في المواقف أيضاً، إذ أنه في السابق كان نصرالله يحاول فرض تسوية لا الدعوة إلى الإتفاق عليها، وإنتقل من مبدأ “اذهبوا وانتخبوا مرشحنا” إلى مبدأ “لدينا مرشح ولديكم مرشح، فإما أن نقنعكم بمرشحنا وتنتخبوه، أو تقنعونا بمرشحكم وننتخبه”. ويقود المنطق بعد قراءة هذا الكلام، إلى أنه في حال لم يقنع أحد الآخر بمرشحه فيعني ضرورة البحث عن مرشح توافقي، وهذا يعني ضمناً التخلي عن ترشيح النائب ميشال عون، لكن بالنسبة إلى الحزب، فهو يعتبر أن بالإمكان إعتماد التسوية الشاملة، وأن تقوم على إنتخاب مرشحه رئيساً، مقابل تكليف شخصية يختارها الفريق الخصم لأن يتولى رئاسة الحكومة، في إشارة الى الرئيس سعد الحريري. ووفق ما تشير مصادر “المدن” فإن الحزب لا يمانع إن حصلت هذه التسوية.

في المقابل تعتبر مصادر أخرى، أن كلام نصرالله “حمال الأوجه” إن لجهة تعظيم مسألة قانون الإنتخاب واعتباره يقرر مصير الشعوب، وهذا ما قد يعتبره البعض دعوة مبطنة لفكرة المؤتمر التأسيسي. لكن كل ما يمكن لـ”حزب الله” المطالبة به، لا يخرج عن مراده الاستراتيجي، وما يصب في خانة الحفاظ على وضعه وقوته ومنظومته، بغض النظر عن كيفية حصول ذلك، بمعنى أنه إذا كان ذلك يحصل عبر مؤتمر تأسيسي “فليكن”، اما إن كان يتأمن من خلال تسوية سياسية مرحلية تحت سقف الطائف أيضاً “فليكن”، وذلك بمعزل عن الدخول في التفاصيل.

بين هذه المواقف، يسجل تراجع “حزب الله” وخصومه في لبنان، أي تراجع “الشيعية السياسية” و”السنية السياسية”، إذ أن الوضع في هذه المرحلة يظهر وكأنهم في مرحلة هبوط لا الصعود. ولذلك فإن الحزب يستشرف ذلك، ويريد إعادة تعزيز موقعه الداخلي استباقاً لأي تطور، في مقابل غياب أي استراتيجية لدى الفريق الخصم.

وفي نظرة أبعد، لا بد أن الحزب ينظر إلى مرحلة مقبلة، قد تكون ما بعد العودة من سوريا، لا سيما أن خروج الحزب من الميدان السوري، يعني أنه سيكون بالتأكيد منهكاً ومتعباً، وفق ما ترى المصادر، ولذلك فلا بد بالنسبة إليه من الحفاظ على وضعه، عبر تحصين نفسه بالداخل، وعليه ترى المصادر أن الحزب يتلمس أن الوضع الداخلي أصبح يشكل عبئاً عليه، كما على الجميع، ولذلك هو لا يريد للمنظومة المؤسساتية للدولة اللبنانية أن تتصدع، ولا يريدها أن تنهار.

وتعتبر مصادر “المدن” أن في خطاب نصرالله بعضاً من التراجع، وتمهيداً للعودة من سوريا، فيما لا ترى مصادر قريبة من الحزب هذا الأمر واقعياً، لأن الحزب يدعو صراحة إلى فصل الوضع اللبناني عن الوضع السوري، والخطاب فقط في سياق تقديم مبادرة لحل الأزمة اللبنانية، في لحظة البحث عن التسويات الدولية. وتؤكد المصادر أن الحزب لن ينسحب من سوريا قبل نضوج التسوية هناك، وتوزيع الأدوار، لأنه سيكون آخر المنسحبين.

منير الربيع – المدن[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها