لا تركيا ولا علوش العقبة الوحيدة أمام بوتين

الغارة الروسية التي ذهب ضحيتها زهران علوش تؤكد السياسة الواضحة لموسكو. تؤكد ما لا يحتاج إلى تأكيد: لا تريد الاستماع إلى الآخرين، أو أخذ مواقفهم بعين الاعتبار. ولا انتظار التفاهم على «لائحة الحركات الإرهابية» التي وضعها الأردن. وكانت أبدت سلفاً اعتراضها على وجود ممثلين لفصائل عسكرية في مؤتمر الرياض للمعارضة. وتجهد لتغيير نتائج المؤتمر بضم معارضين بديلين منهم غابوا عنه قريبين منها ومن النظام. بودها تكريس هؤلاء. وإذا لم تستطع بالديبلوماسية فبالقوة لشطب من لا يروق لها جسدياً. القراءة السياسية للغارة ومؤداها هما الأهم. قائد «جيش الإسلام» كان رقماً صعباً في الميدان العسكري، في دمشق وريفها خصوصاً. لكنه على المستوى الشخصي كان مثار جدل واختلاف. هذا ما حفلت به سابقاً مواقف لقوى معارضة. وجه إليه كثيرون انتقادات، سواء لطريقة إدارته للقتال وتحويل مواطنين دروعاً بشرية. أو لمواقفه من الديموقراطية والتعددية. أو لطريقة إدارته شؤون الناس ومعيشتهم وإغاثتهم في مناطق سيطرة عسكره. واتهموه بالتشدد والتزمت وباعتقال عدد من النشطاء. وقامت في وجهه تظاهرات، على رغم أنه قاتل تنظيم «الدولة الإسلامية». حتى أن بعض أصدقاء المعارضة، محليين وإقليميين، كانوا يشعرون بالحرج حيال «اعتداله». وتردد أن محاولات بذلت ولم تتوقف سعياً إلى إبعاده عن الصورة من أجل الدفع بإشراك ممثلي قواته في «جنيف 3»، بعدما شاركوا في اجتماعات العاصمة السعودية في التاسع والعاشر من الشهر الجاري.

نتيجة الغارة الروسية على اجتماع قادة «جيش الإسلام» ليس هدفها علوش فحسب. هدفها إحراج هذا الجيش وآخرين لإخراجهم. هي تأكيد على أن موسكو مصممة على لائحتها الخاصة بالحركات الإرهابية. ومصممة على تحديد الوفد المفاوض للنظام، وعلى رسم صورة التسوية السياسية في سورية. والمفارقة هنا أن الغارة الروسية استهدفت زهران علوش الذي واجه «داعش» وطردها من غوطة دمشق، فيما قوات النظام تفاوض على تفاهم يسمح لمقاتلي «تنظيم الدولة» الإرهابي بالخروج «آمنين» من جنوب العاصمة إلى الرقة وريف حلب. كما يسمح لآخرين من «جبهة النصرة» بالتجمع في درعا تمهيداً لنقلهم إلى منطقة إدلب! طبعاً لم يكن الأمر يحتاج إلى هذه المفارقة لتكرار ما يقوله الأميركيون والأوروبيون والمعارضة. وهو أن الحملة الروسية لم تستهدف حتى الآن سوى الفصائل المعتدلة. والهدف واضح لا لبس فيه، على رغم الغموض الذي يكتنف بياني فيينا والقرار الأخير لمجلس الأمن الرقم 2254. لا يمكن موسكو الدفع برؤيتها الخاصة للتسوية من دون التمهيد ميدانياً بإزاحة ما تعتقد بأنه سيشكل عراقيل وعقبات أمام هذه التسوية.

ليس غموضاً أن روسيا تدخلت ميدانياً في سورية من أجل حماية مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية المتعلقة بمشاريع الطاقة والغاز، من الخليج أو من شرق المتوسط، والهادفة إلى تقليص اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية. أدركت بعد أربع سنوات من دعمها قوات النظام ومن تدخل إيران مباشرة وبالواسطة، أن لا دمشق ولا طهران أثبتتا القدرة على القيام بهذه المهمة. لذلك جاء اندفاع الرئيس فلاديمير بوتين ليأخذ الأمر بقواته الخاصة. ولم يعد غامضاً أنه يسعى إلى بقاء النظام بصرف النظر عمن يتولى السلطة. ويدفع بآلته العسكرية غير مبال بالتداعيات. لا مساومات. القوة وحدها تفتح الطرق العصية على الديبلوماسية لفرض التسوية التي يرسمها. والواقع أن القرار الدولي الأخير 2254 تبنى مقررات لقاء «فيينا 2» الذي طوى صفحة بيان «جنيف الأول». و»التنسيق» القائم بين موسكو وواشنطن يكاد يطوي مقررات المعارضة في الرياض ويتجاهل التوافق على «لائحة القوى الأرهابية» التي يتولى الأردن إعدادها بالتنسيق مع جميع المعنيين بالأزمة السورية.

في ضوء هذه الاستراتيجية الروسية لا يبدو أن لقاءات «جنيف 3» ستفضي إلى انفراجات. يكفي النظر إلى مواقف الأطراف الذين يشكلون «الهيئة العليا للمفاوضات» قبل النظر إلى اعتراضات من اعترضوا على غيابهم أو تغييبهم، خصوصاً «مجلس سورية الديموقراطية» الذي يضم حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي وقوى أخرى أشورية وسريانية وتيار «قمح» لهيثم مناع. هناك أكثر من ثلاث وجهات نظر في «الهيئة» يعبر عنها كل من «الائتلاف الوطني»، و»هيئة التنسيق» و»تيار بناء الدولة»، والفصائل المقاتلة وضمنها «أحرار الشام»، و»جيش الإسلام» الذي لن ينتهي ويزول بمقتل قائده. ويمكن قراءة غياب المشتركات بين هذه القوى من مواقفها حيال المسيرة السياسية التي أقرها لقاءا فيينا والقرار الدولي، وما قبل ذلك وبعده. ولن تكون موسكو بعيدة عن تعميق الخلافات من أجل تعزيز خيارها العسكري، والدفع بالمعارضة السياسية والعسكرية التي يمكن احتواؤها من أجل إعادة تشكيل النظام الذي يعد بقاؤه مبرراً لاستمرار الوجود الروسي.

اللامبالاة التي ينهجها الرئيس بوتين حيال القوى الأخرى المعنية بالأزمة السورية لن تمر بسهولة. المعركة المفتوحة التي يخوضها ضد تركيا لن تريحه في سورية. صحيح أن مشروعها لإقامة منطقة آمنة شمال حلب وإدلب انتهت بإقامة منطقة عازلة جنوب تركيا باتت تحت مرمى صورايخ «اس 400» الروسية! وصحيح أن هروب الرئيس رجب طيب أردوغان نحو العراق أثار عاصفة في وجهه. لكن الصحيح أيضاً أن سعي الرئيس الروسي إلى عزل أنقرة يعزز موقع غريمتها طهران. بالطبع هو يراعي الوجود الإيراني في بلاد الشام لأنه لم يستطع حتى الآن إعادة بناء قوة حقيقية ضاربة من الجيش النظامي يمكن أن تحل محل المليشيات الوافدة من خارج الحدود. هذه المراعاة لدواع استراتيجية معروفة لا تثير الرئيس التركي وحده. بل تثير قلق قوى عربية وقفت إلى جانب المعارضة السورية وسكتت على التدخل الروسي لاعتقادها بأنه خير أو أقل ضرراً من التغلغل الإيراني. لكن مواصلة موسكو ضرب «الجيش الحر» والفصائل التي ارتضت الحل السياسي تبدو إصراراً على بعث أزمات مع هذه القوى. وتعزز نظرة كثيرين إلى أن روسيا باتت في مواجهة مفتوحة مع الإسلام السني في المنطقة، في وقت لا شيء يضمن أن التسوية يمكن أن تفرض على السوريين من خارج بعد كل هذه التضحيات. حتى سيد الكرملين نفسه يعرف أن لا جدوى من دعم النظام.

ولا يكفي هنا أن يعتمد الرئيس بوتين على «لامبالاة» مماثلة يعتمدها نظيره الأميركي باراك أوباما حيال أزمة سورية. الأخير يعتمد سياسة واضحة حيال التدخل العسكري الخارجي. خبر أكلافه الباهظة التي ترتبت على الحروب الاستباقية. وأعلن أكثر من مرة أن لا قدرة لبلاده على التدخل وممارسة القوة في كل أزمة إقليمية هنا أو هناك. لذلك لا يضيره أن ينوب عنه سيد الكرملين في دور «الشرطي الدولي». لأنه يعرف كما يعرف نظيره قدرة روسيا على التحمل اقتصادياً، مهما حاولت التقليل من حجم تكاليف تدخلها العسكري في بلاد الشام. لقد دفع بوتين ولا يزال يدفع غالياً ثمن عناده في أوكرانيا. كانت العقوبات رداً على تجاهله مواقف أميركا وأوروبا. وضمه شبه جزيرة القرم وتحريكه مناطق الشرق الأوكراني لم يعيداه ولن يعيداه إلى قلب كييف. وستظل هذه بقربها من الغرب تشكل تحدياً لاستراتيجيته واستنزافاً لمقدراته. ولن تكون حاله أفضل في سورية. فلا شيء يضير واشنطن وهي ترى إليه يُستنزف في رمال المنطقة، ويتحول خصماً لدوداً للعالم العربي والإسلامي. ومثلها شركاؤها الأوروبيون الذين بدلوا ويبدلون من مواقفهم على وقع موجات المهاجرين وإرهاب «داعش» المتنقل خارج «دولة الخلافة».

أن يرسم الرئيس بوتين صورة التسوية في سورية ويفرضها بقوة طائراته وصواريخه ليس خياراً مضمون النتائج. لن يطول انتظار اللاعبين الآخرين وصبرهم. مستقبل بلاد الشام جزء لا يتجزأ من مستقبل الإقليم برمته. بل هي قلب الإقليم. وليس بمقدور موسكو أن تحدد صورة المنطقة وبناء نظامها وحدها وعلى هوى مصالحها فقط. لن يدعها السوريون قبل الآخرين، من أميركا إلى أوروبا ودول إقليمية وعربية لا تزال تنتظر لعل وعسى. قد لا يمر وقت طويل حتى ينهار مشروع بوتين للتسوية، كما تنهار طموحاته في آسيا الوسطى أمام زحف الصين. سيدرك عندها أن تركيا والفصائل الإسلامية، من «جيش الإسلام» إلى «أحرار الشام» وغيرهما، ليست المشكلة الوحيدة في وجهه. كفُّ يدِ تركيا عن سورية لن يغيبها قوةً راجحة في الإقليم. وقتل زهران علوش لا يقضي على الفصائل الإسلامية. المواجهة مفتوحة على امتداد المنطقة، والميدان الشامي يختصرها كلها ، فهل تصمد موسكو؟ أو بالأحرى هل تصمد سورية ويبقى منها شيء للصراع عليه؟

جورج سمعان – الحياة[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫9 تعليقات

  1. المشكلة المعارضة غبية بالسياسة يعني شغلة بالعقل معقول روسيا تقبل تتفاوض مع جيش الاسلام يلي قصف سفارتها لك شو مفكرين الروس هنود ؟ المعارضة من اول الاحداث استعدت ايران وروسيا و حزب الله و العلويين لك و حتى الدروز و المسيحيين و بدها بالاخير هدول يقعدوا يفاوضوها وهنن عرفانين انهم مش قد هل جميع ..السياسة ذكاء للأسف المعارضة ما عندها اجندة سياسية … يا اصدقائي البلد لا تدار بالرشاش و الدوشكا فقط البلد بدها حنكة وذكاء وسياسة ..يرجى النشر

    1. فلتلي سوربون!!؟ وعلوم سياسية ..!! فعلاً أنك هندي .. وبنغالي ..
      روسيا يا غبي يا مستغبي الآخرين .. تعادي المسلمين (السنة) وتعتبرهم أعداء وخطر عليها منذ حروب روسيا القيصرية ضد الدولة العثمانية .. وتأصل ذلك العداء والكره في مرحلة حربي الشيشان .. (وبكل غباء تظن ان الموضوع هو قصف السفارة!!)
      يبدو أن عندك حنكة وذكاء موروثين .. يعني شكلك ابن عائلة ذكية .. ومثقفة وقارئة للتاريخ !!!!!!!!!!!!!!!!!

  2. اي سياسة واكل هوا … صراع مرير سيدفع فيه النصيريون ثمن طمعهم بنهب سورية .. وسيدفع سادتهم في قم وسادة سادتهم في موسكو ثمن جرائمهم …
    كلما زاد حجم الدمار الذي تخلفه روسيا كلما قرب موعد الخلاص…فهو الزيت الذي يشعل ضمائر الشعوب المغيبة … ويخطىء من يعتقد ان مقتل الدب الروسي سياتي من حيث يحتسب…

  3. ما فهمنا مين معارضة معتدلة ؟ يعني جيش الفتح مثلا او احرار الشام او جيش الاسلام ، كيف ضاربة هيك مع جورج سمعان ، !!! تذكرني هذه الناس بعبارة (( الخصوصية السعودية)) انو فكر وهابي متخلف حاكم الدولة ما تقربوا عليه بسبب الخصوصية السعودية كأنو الدين بيقول هيك عموما ليفهم القارئ الكريم اخر سطر جريدة الحياة يملكها خالد بن سلطان آل سعود وكلكون فهم

  4. هيك شعب وهيك حكومة ما بيلبقلون اكتر من هيك ثورة .. يعني هوشة بدو .. البدو اللي اجو من 1400 سنة كانوا دواعش .. وبالصرماية اضظروا يخضعوا للانسانية لفترة .. بس اول ما صار عدم استقرار بالبلاد العربية فلتوا ورجعوا للعقلية البدوية .. طبعا هاد شي الحكومة ما كانت بتقدر تعمل شي ضدو .. لانو الحكومة كمان بعقلية بدوية.. الاستقرار بسورية لايمكن انو يحصل الا بالصرماية .. وبالصرماية فقط ..

  5. امر محسوم لا يظن احد ان بلاد الشام لقمة سائغة يستطيع بوتين او غيره بلعها سوف تثبت لكم الايام انها كبيرة عليه

  6. هل يستطيع قادة جيش الأسلام ان يغيروا اسمه الى جيش سوريا الجديدة!!؟؟…لقد اضمحل الجيش الحر بسبب اسمه الغير محبذ من الفصائل الأسلامية وهو الفئة المعتدلة الوحيدة التي كانت اسم على مسمى ولكن تصر المعارضة السياسية والعسكرية وكل من لف لفيفها على اسلمة الثورة حتى تنال دعم العرب وتركيا وبنفس الوقت تكسب عداء بقية العالم….يجب ان تحدد حليفك من البداية وتمشي على هواه فلاتستطيع ان تحمل بطيختين بيد واحدة لأن احدهما ستقع…فعلى المعارضة المعتدلة ان تثبت للسورين وللعالم اعتدالها ابتداءا من الاسم حتى الممارسة الفعلية على الأرض وحقوق الأنسان واخلاق الحرب فلم يكن احد يتوقع ان يقتل المعتدلين الطيار الروسي وهو اسير ينزل في مظلة وقد صبوا النار على الزيت بذلك

  7. منذ اسلمت الثورة وتحولها من ثورة الحرية والكرامة والعدالة تجمع السوريين جميعا الى ثورة سنية سلفية واخوانية ضد الاكراد والعلويين والمسيحيين (الجزية) والدروز والمسلمين السنة المعارضين لاسلمت الدولة….فقد فشلت بدفع الشعب باختلاف اطيافه لاسقاط النظام، لو كانت ثورة غير طائفية لنجحت، وتحققت في وقت قصير دون هاته الخسائر الكارثية…..لكن التعنت والغلو والتكفير والتشبيح قد نفث سمومه بعقول الثوار، وخدمتم مصالح النظام.