تركيا تحتاج إلى السعودية و إيران معاً … هل تلتزم الحياد بينهما ؟

في التوتر السعودي-الايراني المستفحل ، بدا الموقف التركي الرسمي مربكاً. بين الرياض التي تشاركها أنقرة موقفها من النظام السوري والحرب في سوريا ، وطهران التي قد تعتمد عليها على نحو أكبر للحصول على الغاز الطبيعي بعد ازمتها الاخيرة مع موسكو، ظهر الموقف التركي حيال الازمة الاخيرة بين الخصمين الاقليمين اللدودين متناقضاً. فما وراء التباين في الموقف التركي حيال التوتر الطائفي الاقوى تشهده المنطقة منذ ثلاث عقود؟ وما سرّ الدعوات الداخلية بالوقوف على الحياد؟

بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، اختلفت مقاربة التوتر السعودي-الايراني الاخير. أردوغان الاكثر دعما للموقف السعودي انتقد ايران لعدم حمايتها البعثات الديبلوماسة السعودية ، واعتبر أن اعدام رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر هو شأن سعودي داخلي وتم وفقا للقانون الداخلي.وتعليقا على تزايد التوتر المذهبي في المنطقة، حمّل “قوة عظمى” مسؤولية محاولة تقسيم العالم الاسلامي.ولم يفته التساؤل عن سبب اثارة اعدام النمر اهتماما دوليا أكبر بكثير من حكم الاعدام الذي أقرته محكمة مصرية لاعدام الرئيس الاخواني السابق محمد مرسي.

أردوغان لم يذهب الى حد القطيعة مع طهران، ولا بلغ مواقف دول أخرى أعلنت خفض تمثيلها الديبلوماسي معها. وبدا داود أوغلو متحفظا وحذرا أكثر، بدعوته الى جهود ديبلوماسية لحل الخلافات بين الجانبين، عارضا وساطة أنقرة لهذه الغاية.وقبله، رفض الناطق باسم حكومته نعمان قرتولموس “الاعدامات السياسية” كما الاعتداء على السفارة السعودية في ايران.

في رأي الكاتب والصحافي التركي مصطفى أكيول أن الموقف التركي الاول الذي أدلى به الناطق باسم الحكومة كان “متوازنا…ولكن الرئيس التركي اتخذ بعد ذلك بيومين موقفا مؤيدا للسعودية، بقوله إن الاعدامات مسألة داخلية”.وقال ل”النهار” عبر البريد الالكتروني:”أعتقد أن هناك بعض التنافر في أنقرة بين حكومة أكثر توازنا ورئاسة أكثر طائفية “،مرجحا أن “الموقف الاخير وللأسف هو الذي سيتحكم بالايقاع”.
هذا التنافر يعكس بلا شك التحدي الذي شكله الخلاف الحالي بين السعودية وإيران لتركيا التي تحتاج الى المملكة وطهران معا.فهو يأتي في الوقت الذي تحاول أنقرة إعادة بناء علاقتها بالرياض والاعلان عن تأسيس مجلس أعلى للتعاون الاستراتيجي بين الجانبين، بعد الانقسامات الحادة بينهما على خلفية الدعم القوي لانقرة للرئيس المصري الاسبق محمد مرسي الذي عارضته الرياض بقوة.

وفي المقابل، صارت العلاقة بين أنقرة وطهران في السنوات الاخيرة نموذجا لما يعرف ب، نظرا الى طبيعتها التي تختلط فيها العداوة والصداقة، على رغم تراجعها في السنوات الاخيرة الى مستويات متدنية بسبب انقساماتهما حيال الملف السوري وتنافسهما على النفوذ الاقليمي.ولا يبدو أن أردوغان المحاصر من أكثر من جانب مستعد للمجازفة بهذا الصديق-العدو، أقله في الوقت الراهن.

 

متاعب داخلية
الى ذلك، تعاني تركيا مشاكل داخلية تزيد حساسية موقفها حيال الازمات الاقليمية ،بعدما انتهجت قبل الانتفاضات العربية سياسة خارجية قوية في الشرق الأوسط محاولة توسيع نفوذها والاضطلاع بدور القائد الإقليمي للإسلام السني.

معهد “صوفان” للدراسات يبرز بعضاً من المتاعب التي”قد تدفع تركيا الى الانكفاء” وتمنعها من الذهاب الى المواجهة مع ايران. فالحكومة التركية لاتزال تعاني تبعات مواجهتها مع روسيا منذ اسقاط سلاح الجو مقاتلة روسية على الحدود مع سوريا. وليس بعيدة من هذه المواجهة العداء العراقي الاخير حيال أنقرة والذي تجلى بالشكوى التي قدمتها الحكومة العراقية ضدها أمام مجلس الامن بعد دفعها نحو 150 جنديا عراقياً الى بعثة تدريب تركية قرب الموصل. وفي سوريا، يبدو أن الرياح المقبلة تهبّ عكس مصلحة تركيا، سواء لجهة الضغط الدولي المتزايد لبقاء نظام الاسد ،أقله على المدى المنظور، أم لجهة النجاح المتزايد ل”وحدات حماية الشعب” الكردية خلافا للمصالح التركية.
خصوصية التوتر الاخير

والى الوضع التركي، يكتسب التوتر الاخير بين السعودية وايران خصوصية تحتم على أنقرة في راي خبراء التزام الحياد.فالتوتر الطائفي الذي تصاعد تدريجا بين الجانبين منذ 12 سنة ،مع الغزو الاميركي للعراق، صار واضحا ومباشرا أكثر مع الازمة الاخيرة، كما ان الصدع الاخير هو أعمق من سوابقه .

الباحثة في “مركز اسطنبول للسياسة” فيردا أوزر تشرح أن “عدم التناسق صار أكبر بين الخصمين الاقليميين في ظل التقارب بين أميركا وايران منذ توقيع الاتفاق النووي”، ذلك أن ايران التي ستتحرر من العقوبات قريبا ستندمج مجددا في الاقتصاد العالمي والمعسكر الغربي، وهي صارت الشريك التكتيكي غير المباشر لاميركا في العراق ضد “الدولة الاسلامية” .الى ذلك، تلفت الى أن ايران والسعودية تقاتلان “الدولة الاسلامية” وتتشاركان طاولة المفاوضات في شأن سوريا ،الامر الذي يجعلهما حليفتين في هاتين الجبهتين.

الحياد؟
في ظل هذا الوضع، يرى أكيول إن على أنقرة، والدول الاخرى، التزام الحياد ومحاولة تهدئة الجانبين بدل دعم طرف ضد آخر وبالتالي تصعيد التوتر.الا أنه لا يبدو متفائلا بامكان حصول ذلك “ففي المنطقة لا تكتسب الامور العقلانية شعبية واسعة”.ولفت ايضاً الى وجوب النظر الى هذه الازمة على أنها توتر سياسي خصوصا، وعدم السماح للجانبين بتحويله نزاعا طائفيا.

أوزر بدورها، تشدد على وجوب بقاء تركيا على الحياد في هذا النزاع “على غرار ما فعلت ابان الازمة السعودية-الايرانية قبل 25 سنة، ولفتت الى أن أنقرة التزمت “الحياد النشط” خلال الحرب الايرانية-العراقية، وهو ما يجب أن يطبق حاليا.وهي تذهب الى حد مطالبة أنقرة بعدم المساهمة في “التحالف العسكري الاسلامي” الذي أعلنت المملكة قيامه قبل الازمة الاخيرة.

الواضح أن الكتاب والمعلقين الاتراك يتوقعون أزمة طويلة بين السعودية وايران. الكاتب في صحيفة “ميلييت” سامي كوهن يقول إن التوتر سيتفاقم في الفترة المقبلة، و رد فعل الشيعة تجاه دول الخليج العربي ستتوسع، وسينتقل التحرك الشيعي في إيران والعراق ولبنان واليمن إلى مرحلة جديدة، وسيتراجع احتمال الوصول إلى حل سياسي في سوريا.ولن يكون ممكنا الاستمرار في عملية وقف النار في اليمن.

ربما من هذا المنطلق ، ابرز كتاب في الايام الاخيرة حاجة بلادهم الى البقاء بعيدة من التوتر السعودي-الايراني وضمان أمن حدودها، وتعزيز علاقاتها بالغرب ودول المنطقة التي لا تدور في فلك الانقسام السني-الشيعي، وتحديدا وكردستان العراق ومصر واسرائيل.

موناليزا فريحة – النهار[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها