روسيا و إسرائيل و أمريكا على قلب رجل واحد في سوريا

كم هم سخفاء وكاذبون أولئك «الممانعون والمقاومون» المزعومون الذين صدعوا رؤوسنا منذ بداية الثورة السورية وهم يتحدثون عن أن المتآمرين على سوريا يريدون أن ينقلوها من محور المقاومة إلى محور التبعية لأمريكا وإسرائيل. وبناء على ذلك راحوا يصورون الصراع في سوريا على أنه بين أمريكا وأتباعها من جهة، وروسيا وما يسمى «حلف الممانعة» من جهة أخرى. ألم يصبح هذا الكلام ضرباً من الهراء بعد أن بات الروس والإسرائيليون ينسقون عملياتهم في سوريا من غرفة عمليات واحدة، حتى بالتعاون مع النظام وحلفائه «الممانعين».

لا أدري لماذا يصر القومجيون والناصرجيون والمقاومجيون العرب وبقايا اليسار الهزيل على تصوير الصراع في سوريا على أنه صراع بين الشرق والغرب، كما لو أننا في ستينات القرن الماضي حيث كانت الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي وأمريكا في أوجها. صحيح أن الرئيس الروسي يحاول استعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي البائدة بعقلية وأيديولوجية ومعطيات جديدة، لكنه ليس أبداً في وارد التصادم مع أمريكا في الشرق الأوسط. ولا نصدق أيضاً أن الروس يملؤون الفراغ الذي بدأت تتركه أمريكا في المنطقة، كما لو أن الأمريكيين انهزموا أمام الزحف الروسي.

لا علاقة للتدخل الروسي السافر في سوريا أبداً بضعف الجبروت الأمريكي، ولا بصعود الجبروت الروسي، بل الأمر برمته مرتبط بمصالح إسرائيل في سوريا خصوصاً والمنطقة عموماً، وطبعاً بمصالح أمريكا وروسيا المشتركة. فلا يمكن لروسيا مثلاً أن تدخل الساحة المصرية بهذه القوة لولا المباركة الإسرائيلية وبالتالي الأمريكية، فمصر مازالت في الجيب الأمريكي سياسياً وعسكرياً، ومازالت تعتاش في جزء من ميزانيتها العسكرية على المعونة الأمريكية. ولو كان النفوذ الروسي سيؤثر على النفوذ الأمريكي في مصر لما تجرأ بوتين أن يلقي السلام على المصريين. لاحظوا أيضاً كيف أن الأردن بات ينسق مع روسيا أكثر مما ينسق مع أمريكا. هل كان ليجرؤ على ذلك لولا الضوء الأخضر الإسرائيلي والأمريكي؟

ولو عدنا إلى الساحة السورية، لرأينا التدخل الروسي قد حدث بعد مداولات إسرائيلية روسية على أعلى المستويات السياسية والعسكرية والاستخباراتية. لقد التقى بوتين ونتنياهو مرتين خلال أسبوعين قبل التدخل الروسي. وقد اعترف وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق جوزيف ليبرمان بأن التنسيق الروسي الإسرائيلي في سوريا يجري على مدار الساعة سبعة أيام في الأسبوع.

حتى الأطفال الصغار يعلمون أن من يحدد السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط عموماً هي إسرائيل وليس وزارة الخارجية الأمريكية. وإذا كانت تل أبيب هي من ترسم السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، فمن الطبيعي أن تكون أمريكا راضية تماماً عن التدخل الروسي في سوريا عندما يكون بمباركة وبضوء أخضر إسرائيلي.

إذاً من العيب أن نسمع بعض السوريين واللبنانيين والإيرانيين المؤيدين للنظام السوري وهم يتفاخرون بالدور الروسي في سوريا كما لو كان في مواجهة الدور الإسرائيلي أو الأمريكي. ما أسخفهم عندما يقولون إن روسيا جاءت لتطهير سوريا من الإرهابيين المدعومين أمريكياً وإعادة الاستقرار إليها، كما لو كانت روسيا جمعية خيرية لمساعدة المحتاجين. ليس هناك ما يثبت أن روسيا تصارع الأمريكيين في سوريا. وفي أحسن الأحوال ربما تكون عملية تقاسم مصالح بين الروس والأمريكيين، إن لم نقل إن الروس يسمسرون للأمريكان في سوريا، كما فعلوا من قبل عندما ضغطوا على القيادة السورية لتسليم سلاحها الكيماوي الاستراتيجي نزولاً عند رغبة إسرائيل وأمريكا. من يجرد سوريا من سلاحها الاستراتيجي لصالح إسرائيل لا شك أنه أقرب لإسرائيل منه إلى النظام السوري. وعلى المطبلين والمزمرين للتدخل الروسي في سوريا أن يتذكروا «اتفاق كيري-لافروف» الذي وصفه البعض وقتها بأنه بمثابة «سايكس-بيكو» جديد وربما أخطر، على صعيد تقاسم النفوذ والثروات وتمزيق المنطقة بين الأمريكيين والروس. وقد اعترف السيناتور الأمريكي الشهير ليندسي غرايام في استجوابه الشهير لوزير الدفاع الأمريكي قبل فترة بأن أمريكا باعت سوريا برضاها لروسيا وإيران ضمن لعبة تبادل المصالح.

إذاً: مهما تبجح جماعة الممانعة والمقاومة بعلاقتهم وتحالفهم الاستراتيجي مع روسيا، فمن المعروف أن التحالف الروسي الإسرائيلي يبقى أقوى بعشرات المرات لأسباب كثيرة. فلا ننسى أن اليهود الروس الذين يزيد عددهم على المليون في إسرائيل هم من يحرك السياسة الإسرائيلية، وهم على ارتباط وثيق بروسيا. وكلنا يتذكر صورة الرئيس الروسي بوتين وهو يرتدي القلنسوة اليهودية وهو يزور موقع حفريات «الهيكل» تحت المسجد الأقصى، ويبارك الحفريات التي ستهدم ثالث الحرمين الشريفين في يوم من الأيام.

دعونا نوّصف الأمر بلغة الناس البسطاء لمن يرفض التوصيف آنف الذكر. روسيا، كما تبين الإحصائيات الدولية، ليست أقوى من أمريكا، وهي، في مقاييس القوى الدولية، مجرد دولة إقليمية وليست عظمى حسب ناتجها المحلي الذي لا يصل إلى ناتج أضعف الدول الأوربية، ناهيك عن أنها مازالت تعتمد إلى حد كبير على تصدير النفط والغاز. صحيح أن لديها قوة عسكرية وترسانة هائلة، لكن هذا لا يؤهلها وحده لتكون منافساً خطيراً لأمريكا. وبالتالي فإن ما تفعله روسيا في سوريا وغيرها لا بد أن يكون برضى أمريكا الأقوى منها. وعندما لا يرضى الكبير عن الصغير يستطيع أن يوقفه بصفعة بسيطة، أو بفركة أذن. ولو لم تكن أفعال روسيا في سوريا تروق للكبير الأمريكي، لما تجرأت روسيا أصلاً أن ترسل طائرة ورق إلى سوريا.

إن كل من يتحدث عن صراع روسي أمريكي على سوريا، كما كان الأمر أيام الحرب الباردة، فهو يهرف بما لا يعرف.

ولو أرادت أمريكا أن تعرقل التدخل الروسي في سوريا لأعطت المعارضين السوريين خمسة صواريخ مضادة للطائرات فقط لإسقاط الطائرات الروسية في الأجواء السورية، فذهبت هيبة روسيا أدراج الرياح، وتحولت بين ليلة وضحاها إلى مهزلة دولية. صحيح أن وثيقة الأمن القومي الروسي الأخيرة تصف أمريكا وحلف الناتو بأنهما أكبر خطر على روسيا، لكن عندما يتعلق الأمر بسوريا، فإن الروس والإسرائيليين والأمريكان على قلب رجل واحد.

فيصل القاسم – القدس العربي[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫8 تعليقات

  1. تحية الى فيصل القاسم الذي مرغ راس النظام بالأرض ومازال.

    ولكن

    ضننت ان السياسة الأميركية واللوبي الصهيوني في واشنطن هو الذي يحدد سياسته الخارجية تبعا لمصالح اسرائيل وليس العكس!!!

  2. ايها الخائن….انت ابق في حظيره اسيادك ودعك من سوريا فهي للمخلصين وليست للخونه المخترقين

    1. اشتهيت على الله شي شبيح يجاوب بالمنطق!!! دائما تعليق من سطر واحد اتهام بالخيانة او مسبة عالماشي!!! ليش يلي انحكى مو صحيح يا جحش؟! بوتين تبعكن مو لعبة بايد اسرائيل؟! روسيا كلها مو حاكمها لوبي صهيوني متل امريكا ومتل ما قلك فيصل زيارتو لبوتين للهيكل موثقة بالصور!! انو ممانعة ومقاموة لما بتحط ايدك برئيس صديق لاسرائيل او يمكن اسرائيلي حتى؟! شاطرين تقولوا قطر وتركيا؟! وروسي شو يا كر؟! يلعن يلي ربط الكر وفلتكن انتوا الشبيحة!!!

  3. صدقت يادكتور فيصل هذا النظام المجرم العميل رقم واحد في المنطقه

  4. وكيف سيبرر البعثيون والقومجيون والناصريون والمنتفعون والمتأيرنون ومن لف لفهم جرائم النظام وتدمير سوريا وارتمائه في أحضان الفرس وروسيا سوى الحديث الدائم عن المؤامرة الكونية الصهيوأمريكيةالتركي سعودوقطريةالباذنجانية المخللاتية ؟

  5. لين الربيع الفلسطينى. .؟
    بعد كل هذا. ..من دمار شامل. .وهلاك للاوطان. .وتهجير للشعوب. .والقوارب القاتلة. .ومليون و300الف قتيل. .وتزايد في نسبة البطالة. .وظواهر هدامة للمجتمعات العربية من مخذرات وإرهاب دولى منظم بإمتياز. .وخسائر مادية تقدر بترليون دولار. ..بسبب الربيع العربي. .وسيناريوهات الافلام الأمريكية المبرمجة والمدبلجة باللغة العربية الفسحة والمسخة. .والمسلسلات التركية المدبلجة أيضا. …ماذا بعد كل هذا. .؟ الربيع العربى .فهل من زهرة مثمرة بالربيع الفلسطينى المنتظر. .؟

  6. فيصل القاسم، ياريت تسد تمك وحاجة تلحليلات خلبية. الشعب مو ملاقي ياكل وبعد الكل عبحلل وياكل خ..ى. وأهم شي قاعدين بريت سوريا.