سوريا .. حلم القياصرة القديم بإقامة موطئ قدم على مقربة من المياه الدافئة

اتت المعطيات المعلَنة، وليست المؤشرات والتكهنات وحدها، تؤكد أنّ التدخل الروسي في سوريا ليس حكاية 100 يوم، أو مضاعفاتها؛ وأنّ مساندة نظام بشار الأسد من الجو، لكي يُحدث ما تبقى من جيشه تغييراً ملموساً على الأرض، ليست ذروة مشروع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا، وشرقي المتوسط عموماً.

وخلال الأيام الماضية، بعد انكشاف حصار مضايا ومأساة تجويعها، لم تكن ذروة السوريالية الروسية أن تلقي بعض الطائرات الروسية ما أسمته موسكو «مساعدات غذائية»، بعد أن تولت قاذفات الـ»سوخوي ـ 24» إسقاط القنابل العنقودية والصواريخ الانشطارية!

ولم تكن مصادفة أن يتقصد الكرملين إماطة اللثام، مؤخراً، عن تفاصيل عقد تمّ إبرامه في آب (أغسطس) 2015 مع الأسد، يمنح روسيا حق استخدام مطار حميميم، في اللاذقية، إلى أجل غير محدود؛ أو حرص بوتين، شخصياً، على الإعلان بأنّ منح اللجوء إلى الأسد ـ إذا فشل في الانتخابات الرئاسية لعام 2017، بالطبع! ـ أمر أسهل من حالة إدوارد سنودن، المتعاقد التقني السابق لدى المخابرات المركزية الأمريكية؛ أو تركيز أجهزة الدعاية، في وزارة الدفاع الروسية، على إبراز أخبار نشر محطة الإنذار المبكر A-50 وقاذفات الـ Su35، على نحو يخاطب الجارة تركيا، ومن ورائها الحلف الأطلسي.

صحيح أنّ الهدف القريب، الذي تتوخاه روسيا في سوريا، هو فرض أمر واقع على الأرض، عسكري أولاً ثمّ سياسي بالنتيجة، يسمح بالإبقاء على ما يمكن الإبقاء عليه من عناصر نظام صديق لموسكو، ما أمكن؛ سواء بقي الأسد أم رحل، على أيّ نحو.

وصحيح، أيضاً، أنّ الوجود الروسي العسكري الراهن في سوريا يمكن تطويره سريعاً، بما يحقق حلم القياصرة القديم بإقامة موطىء قدم على مقربة من «المياه الدافئة»، في هيئة قاعدة عسكرية هائلة سوف تكون الأكبر على امتداد تاريخ العلاقات الروسية مع المنطقة بأسرها.

ولكن الصحيح أيضاً، في المقابل، أنّ في قلب «شرق المتوسط» هذا ثمة معادلة صعبة، لعلها الأصعب تماماً، تدعى إسرائيل؛ وليس في وسع موسكو أن تمضي قدماً في المشروع المتوسطي الطموح هذا دون التوافق التامّ مع مصالح تل أبيب المختلفة، الأمنية والعسكرية أساساً. بهذا المعنى فإنّ زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى موسكو، في الأيام الأولى من بدء التدخل الروسي، كانت قد رسمت حدود ذلك الوجود إسرائيلياً، كما أرست ركائز شراكة روسية ـ إسرائيلية؛ لم تتأخر ثمارها، في الواقع، حين أغارت إسرائيل ضدّ أهداف لـ»حزب الله» في العمق السوري، كان بينها اغتيال سمير القنطار، على مرأى ومسمع من الترسانة الروسية إياها.

وذاك هو المستوى الآخر من سوريالية اللثام الروسي في سوريا، يخصّ «محور الممانعة» الشهير هذه المرّة: كيف يمكن تسويق هذا التناقض الروسي الفاضح، حماية نظام الأسد والتواطؤ مع إسرائيل في آن معاً، أمام أنظار الجمهور «الممانع»؟ وإذا جاز أنّ اعتبارات السياسة الذرائعية قد أتاحت في الماضي تعاوناً إسرائيلياً ـ إيرانياً مباشراً (فضيحة «إيران ـ كونترا، ومبيعات الأسلحة الإسرائيلية إلى طهران)؛ فإنّ حاضر «حزب الله» يشير بوضوح إلى أنّ بندقية ما تبقى من «المقاومة» ليست موجهة ضدّ إسرائيل، بل هي مستديرة نحو انتفاضة الشعب السوري، وتشارك مباشرة في حصاره وتجويعه.

تبقى، بالطبع، نظرية السقوط في المستنقع، وهذا مآل يراهن عليه خصوم موسكو في واشنطن والحلف الأطلسي، مثلما تؤكده حالات مماثلة لتدخّل القوى العظمى في المنطقة. الحصاد، في نهاية المطاف، ليس بسهولة هبوط القاذفات في مطار حميميم؛ دونه خرط القتاد، وهذا ما يتوجب أنّ مقامراً مخضرماً مثل بوتين، يعرفه حقّ المعرفة.

صبحي حديدي – القدس العربي[ads3]

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫5 تعليقات

  1. عندما يتخلى السوريون عن تعاونهم

    وعندما يقاتلون باسماء مختلفة فسيهزمون

    ليس من الروس فقط وانما من النصيرييين الاوباش
    الذين هم اجبن من اليهود!!

    في الاتحاد قوة وفي التفرقة ضعف.

  2. يذكرني الروس بالقرباطي الذي يحصل على مال وفير لم يكن بحسبانه فهو إما يقتل قتيل ويدفع ديته أو يتزوج إمرأة ثانية فوق زوجته لأن عقله لايحتمل أكثر من هذين الاحتمالين لصرف نقوده وسؤالي (للقياصرة) الحالمين بالوصول للمياه الدافئة ما اسم الدولة الاستعمارية التي استعمرت بلدا واستطاعت أن تحتله وتبقى به إلى الأبد؟ الجواب لاتوجد دولة أو استعمار بهذه المواصفات ولاحتى بالقرون الغابرة أيام الاستعمار التقليدي وأنتم أثريتم فجأة بعد جوع مزمن فترة ارتفاع أسعار البترول لأكثر من 100 دولار للبرميل وتريدون الآن صرفها كالقرباطي على حروب عبثية وقواعد عسكرية وأسلحة بدل إنفاقها على التنمية ونتيجة لذلك رضختم كدولة (قيصرية عظمى) أمام البندورة والخضروات التركية وخففتم القيود على استيرادها كي لاتعودوا (وأنتم قياصرة) للعيش على يخنة البطاطا !! وبعد أن تنفقون نقودكم وتفلسون ستبيعون خردتكم التي أنفقتم المليارات من أجل صناعتها للهبل القرباط ممن هم على شاكلتكم كما بعتم من قبل الغواصات الثلاثة طراز كيلو وصواريخ س 300 وسواها للقرباطي (كسرى) أيام إفلاسكم في زمن (القيصر يلتسين) هههههههه قال قياصرة قال.