هل تستعد روسيا لبقاء طويل الأجل في سوريا ؟
مر نحو أربعة أشهر، منذ أن بدأت روسيا تدخلها العسكري في سوريا، عبر قصف جوي ونشر تعزيزات عسكرية على الأرض.
ستيف روزنبرغ مراسل بي بي سي رافق القوات الروسية إلى سوريا، وأعد هذا التقرير عن زيارته التي استغرقت أربعة أيام.
سماء مزدحمة
زار فريق بي بي سي قاعدة الحميميم العسكرية الروسية في سوريا، في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2015.
لكن الكثير من الأمور تغيرت منذ ذلك الحين.
فبعد عشرة أيام من زيارتنا لتلك القاعدة، أسقطت تركيا مقاتلة روسية بالقرب من الحدود التركية السورية، ليسقط أول قتيل روسي جراء هذه العملية العسكرية.
لقد أصبحت السماء فوق سوريا أكثر ازدحاما الآن، إذ بدأت بريطانيا غاراتها الجوية هناك في ديسمبر/ كانون الأول، على الرغم من أنها أقل كثافة بكثير من الغارات الروسية.
والآن وافقت وزارة الدفاع الروسية على اصطحاب مجموعة أخرى من الصحفيين إلى سوريا. وكنت واحدا من هؤلاء الذين ذهبوا في رحلة مدتها أربعة أيام، وكنت متلهفا لرؤية ما تغير.
العودة إلى القاعدة
سافرنا على متن طائرة روسية من طراز إليوشن من مطار عسكري بالقرب من موسكو إلى قاعدة الحميميم الجوية القريبة من اللاذقية.
وحينما بدأت موسكو حملتها الجوية في سوريا، أوضحت أنها ستكون عملية مؤقتة، لكن بعد مرور أربعة أشهر، لا تبدو هناك أية علامات على تقليص هذه الحملة.
وخلال اليوم الذي قضيناه في قاعدة الحميميم، رأينا تدفقا مستمرا للقاذفات الروسية تقلع وتهبط. ومنذ رحلتنا الأخيرة هنا، بدأ الروس استخدام مدرج إضافي.
وخلف هذا المدرج رأينا مخزنا من صواريخ أرض-جو من طراز إس 400.
وتم إنشاء هذا المخزن، بعد إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية في نوفمبر/ تشرين الثاني، عند الحدود التركية السورية. ورأينا ذخيرة يتم تحميلها في القاذفات الروسية.
وتتهم حكومات غربية روسيا بالتسبب في مقتل مدنيين، بسبب الذخائر غير الموجهة.
وطلبت من المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، الميجور جنرال إيغور كوناشينكوف، الرد على هذا الانتقاد، فأجابني “ليس هناك حقائق أو أدلة عى ذلك”.
وكوناشينكوف هو العسكري الوحيد المخول بالتحدث للصحفيين هنا في القاعدة الجوية. وقد أخبرنا أن من غير الممكن إجراء مقابلات صحفية مع الجنود الروس الذين يخدمون هنا.
وفي مكان آخر من القاعدة الجوية، عرضت لنا القوات الروسية مساعدات إنسانية يتم تحميلها على طائرة نقل. وسيتم إنزال هذه المساعدات عبر المظلات إلى مدنيين في المناطق المحيطة ببلدة دير الزور، الواقعة شرقي سوريا، والتي يحاصرها ما يُعرف بتنظيم “الدولة الإسلامية”.
يوم مع البحرية الروسية
لا يخبرنا ضباط البحرية الروس، المخولون بالتحدث للصحفيين، بجدول أعمال كل يوم مسبقا. لذلك حينما ركبنا حافلة الصحفيين هذا الصباح لم نكن نعلم إلى أين نحن ذاهبون.
توجهت بنا الحافلة جنوبا بمحاذاة الساحل إلى طرطوس، حيث تمتلك روسيا قاعدة بحرية هناك منذ عهد الاتحاد السوفيتي السابق. إنها ليست قاعدة مكتملة، وإنما تميل أكثر لكونها محطة للصيانة وتزويد السفن الحربية.
لكن قاعدة طرطوس هي المنفذ الروسي الوحيد على البحر المتوسط، ومن ثم هي أحد أسباب أهمية سوريا بالنسبة لروسيا.
ولا يتاح الوصول للسفن الحربية الروسية للصحفيين الأجانب إلا نادرا، لكن مجموعتنا سمح لها بالصعود إلى متن المدمرة الروسية، فايس أدميرال كولاكوف.
والمهمة الرئيسة لهذه السفينة هي رصد وتدمير الغواصات المعادية، وتم نشرها في المتوسط كجزء من العملية العسكرية الروسية في سوريا.
وحينما أبحرنا اصطحبنا القبطان فاريك في جولة.
سألت القبطان فاريك لماذا تحتاج روسيا مدمرة مضادة للغواصات هنا، بينما لا يمتلك تنظيم “الدولة الإسلامية” غواصات بالأساس، فرد عليّ بأن هناك “تهديدات” أخرى يرقبها طاقمه مثل “زوارق سريعة للإرهابيين محملة بالمتفجرات”.
ورأينا من على مسافة طراد الصواريخ الموجهة الروسي فارياغ.
ولا يقتصر هدف وجود السفن الحربية الروسية في البحر المتوسط على محاربة الإرهاب الدولي، بل يتضمن رسالة للعالم بأن روسيا ترى نفسها كقوة عالمية.
الطريق إلى سلمى
في اليوم التالي، اصطحبتنا القوات الروسية إلى مناطق جبلية خارج اللاذقية. ومضينا عبر طرق ضيقة وقرى صغيرة.
وشاهدنا في طريقنا بساتين من أشجار البرتقال واليوسفي، ومناظر خلابة لقمم الجبال المغطاة بالثلوج، وهي مشاهد جميلة تتناقض تماما مع وحشية الحرب الأهلية الدائرة في سوريا منذ نحو خمس سنوات.
وبعد التحرك لنحو ساعة، توقفت السيارات الثلاث التي تقل الصحفيين. وارتدى المراسلون والمصورون دروعا واقية، ونقلوا إلى شاحنات مدرعة في طريقهم إلى المحطة الأخيرة من الرحلة.
وفي طريقنا، كنا نختلس النظر من النوافذ الضيقة للشاحنة، في محاولة لفهم ما يجري بالخارج.
وحينما اقتربنا من قرية سلمى، بدت آثار الحرب واضحة، حيث المباني مهدمة والمنازل مليئة بالثقوب بسبب طلقات الرصاص، والحفر التي تركتها قذائف الهاون، وبقايا دبابة محترقة.
ومن أجل سلامتنا، أخبرتنا القوات الروسية أننا سنبقى في سلمى لمدة 40 دقيقة فقط.
واستعاد الجيش السوري القرية من أيدي المعارضة المسلحة منذ نحو أسبوع، وذلك بدعم جوي روسي، لكن بعض المباني هناك مفخخة، حسبما أخبرونا.
وتزامن وصلنا إلى سلمى مع وصول محافظ اللاذقية إبراهيم سليم.
قال لي المحافظ إن روسيا “ساعدت سوريا.. عبر استهداف الإرهابيين وأسلحتهم ومراكز قيادتهم”.
وعدنا إلى القاعدة الجوية الروسية، وأعددنا تقريرنا التلفزيوني النهائي، قبل أن نستقل الطائرة عائدين إلى موسكو.
انطباعي العام من هذه الرحلة، التي استغرقت أربعة أيام، أن العملية العسكرية والوجود العسكري الروسي في سوريا يبدوان طويلا الأجل.
في وقت سابق، تعهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن تكون هذه العملية “محدودة زمنيا”.
لكن حتى الآن لا تبدو لها نهاية في الأفق. ( ستيفن روزنبيرغ – بي بي سي )[ads3]